• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

قصص الأنبياء بأسلوب شيق وممتع

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم

مازال الحديث مستمر وياكم حول قصص الأنبياء
لقد قمت بذكر قصة آدم عليه السلام
لأهميتها

الآن
سوف أذكر قصص أولي العزم من الرسل

لكي نعرف عنهم أكثر واكثر
فنبدأ أولا :

بنوح عليه السلام
طبعا كما ذكرت
القصة باختصار مع الفوائد
 
التعديل الأخير:

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

أولا : قصة
نوح عليه السلام
باختصار شديد
للتقريب ولتسهيل القصة لإخوان والأخوات:


فنقول:

مكث البشر بعد آدم قرونا طويلة وهم أمة واحدة على الهدى ، ثم اختلفوا وأدخلت عليهم الشياطين الشرور المتنوعة بطرق كثيرة ، فكان قوم نوح قد مات منهم أناس صالحون فحزنوا عليهم ، فجاءهم الشيطان فأمرهم أن يصوروا تماثيلهم ؛ ليتسلوا بها وليتذكروا بها أحوالهم ، فكان هذا مبتدأ الشر ; فلما هلك الذين صوروهم لهذا المعنى جاء من بعدهم وقد اضمحل العلم ، فقال لهم الشيطان : إن هؤلاء وَدًّا وسُواعا ويَغُوث ويَعُوق ونَسرا ; قد كان أولوكم يدعونهم ويستشفعون بهم ، وبهم يسقون الغيث وتزول الأمراض ، فلم يزل بهم حتى انهمكوا في عبادتهم على رغم نصح الناصحين ، ثم بعث الله فيهم نوحا صلى الله عليه وسلم يعرفونه ويعرفون صدقه وأمانته وكمال أخلاقه ، فقال : (يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) [الأعراف : 59] .

ورغبهم في خير الدنيا والآخرة فقال : ( يا قَوْمِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ) [نوح : 2 - 4] .

فلما بادأهم بالأمر بالإخلاص لله ، وتسفيه آرائهم ، وتخويفهم بعقوبات الدنيا والآخرة قالوا : (مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ) [هود : 27] .

وطلبوا منه أن يطرد من كان معه من المؤمنين استكبارا منهم ، واستنكافا على الحق وعلى الخلق ، فبين لهم أنه ليس به ضلال ، وإنما به تزول الضلالة عن الخلق ، وأنه رسول أمين على بينة من ربه وبراهين واضحة ، وأن المؤمنين لا يحل طردهم ، بل حقهم الإكرام والاحترام ، وأنه لا يدعي لهم طورا يزاحم فيه الرب فقال : ( وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا )[هود : 31] .

فلم يزل يدعوهم ليلا ونهارا وسرا وجهرا ، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارا ونفورا وإعراضا وتواصيا منهم على الإقامة على ما هم عليه من عبادة غير الله والتمسك بها ، فقال نوح :( رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي وَاتَّبَعُوا مَنْ لَمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلَّا خَسَارًا وَمَكَرُوا مَكْرًا كُبَّارًا وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح : 21 - 23] .

فلما رأى أن التذكير لا ينفع فيهم بوجه من الوجوه ; وأنه كلما جاء قرن كان أخبث مما قبله ، قال :(رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا) [نوح : 26 و 27] .

فأجاب الله دعوته ، وأمره أن يصنع الفلك برعاية منه وحسن نظر وتعليم من الله له هذه الصنعة التي امتن الله بها على العباد ، وصار نوح له الفضل والابتداء بهذه الصناعة التي حصل بها من المنافع الدينية والدنيوية في جميع الأوقات ما لا يعد ولا يحصى ، وأخبره الله بتحتم إغراقهم ، وأنه لا يخاطب ربه فيهم فإنهم ظالمون ، وجعل يصنع الفلك ، وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه ، فقال لهم : إن تسخروا منا اليوم فإنا نسخر منكم إذا وقع الهلاك بكم ، وأوحى الله إليه أنه إذا جاء ذلك الوقت وفار التنور ، أي : جعلت الأرض كلها تتفجر عيونا من كل جانب حتى المواضع البعيدة عن النار عادة ، وأمره أن يحمل من البهائم من كل زوجين اثنين ذكر وأنثى ليبقى نسلها ؛ لأنه يتعذر حملها كلها ، والحكمة تقتضي إبقاء هذه الحيوانات التي خلقها الله مسخرة لمصالح البشر ، ويحمل معه جميع من آمن من رجال ونساء ، والحال أنه ما آمن معه إلا قليل ، وأمره أن يحمل أهله إلا من سبق عليه القول بالهلاك ، فلما أركب جميع من أمر بهم قال لهم : سموا الله كلما جرت وكلما رست ؛ لأن الأسباب مهما عظمت فهي من لطف الله ، ولا تمام لها إلا بالله .

فحينئذ فجر الله الأرض عيونا ، وأمر السماء أن تصب الماء المنهمر الكثير ، فالتقت مياه السماء بمياه الأرض ، وساحت على الأماكن المنخفضة ، ثم ارتفعت شيئا فشيئا على كل المرتفعات حتى خفيت قمم الجبال الشاهقة ، والسفينة تجري بهم في موج كالجبال تضرب يمينا وشمالا ، وفي تلك الحال المزعجة رأى نوح ابنه الكافر الذي كان على دين قومه وقد اعتزل أباه حتى في هذه الحال ، فرآه مثل سائر قومه قد فر هاربا من المياه الجارفة ، فناداه نوح مترققا فقال : (يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) [هود : 42] .

فتمادى به الغرور في تلك الحال التي تنقشع فيها الغياهب إلا عن القلوب المحجوبة ; فقال :( سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ) [هود : 43] .
لم يخطر ببالهم أن المياه سترتفع فوق رؤوس الجبال ، فقال له نوح : (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ ) [من الآية] .
فلا يعصم جبل ولا حصن ولا غير ذلك إلا من رحم الله ، ورحمته في تلك الحال متعينة في ركوب السفينة مع نوح .
وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ [من الآية] .
فكان ذلك الابن من المغرقين .
فأغرق الله جميع الكافرين ، ونَجَّى نوحا ومن معه أجمعين ، وكان في ذلك آية على أن ما جاء به نوح من التوحيد والرسالة والبعث والدين حق ، وأن من خالفه فإنه مبطل ، ودليل على الجزاء في الدنيا لأهل الإيمان بالنجاة والكرامة ، ولأهل الكفر بالهلاك والإهانة .
فلما حصل هذا المقصود العظيم أمر الله السماء أن تقلع عن الماء ، والأرض أن تبلع ما فيها ، وغيض الماء أي : نقص شيئا فشيئا ، واستوت السفينة بعد غيض الماء على الجودي ، وهو جبل شامخ معروف في نواحي الموصل .
وهذا دليل على أن جميع الجبال قد غمرتها المياه وجاوزها الطوفان ، وحزن نوح على ابنه فقال مناديا ربه مترققا متضرعا يا رب : (إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) [هود : 45] .
أن أحمل معي أهلي وأنت أرحم الراحمين ، فقال له ربه : ( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) [هود : 46] .
أي : الموعود بنجاتهم ، لأن الله قيد ذلك بقوله :
( إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ )[هود : 40] .
إ( ِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ )[هود : 46] .
أي : هذا الدعاء لابنك الذي على دين قومه بالنجاة .
( فَلَا تَسْأَلْنِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) [تتمة الآية] .
وهذا عتاب منه لنوح وتعليم له وموعظة عن مثل هذا الدعاء الذي إنما حمله عليه الشفقة الأبوية ، وإنما الواجب في الدعاء أن يكون الحامل له العلم والإخلاص في طلب رضى الله تعالى ، فقال نوح : ( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ قِيلَ يا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ) [هود : 47 و 48] .

فهبط وبارك الله في ذريته ، وجعل ذريته هم الباقين ; فكان أولاده يا فث ملأ المشرق من الذرية ، وحام ملأ المغرب من النسل ، وسام ملأ ما بين ذلك ، ومكث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما ، ومكث بعد هلاكهم ما شاء الله ، وكان من أولي العزم من المرسلين ، ومن الخمسة الذين تدور عليهم الشفاعة يوم القيامة ، وهو أول الرسل إلى الناس ، وهو الأب الثاني للبشر ، صلى الله عليه وسلم تسليما .

وانتظروا الفوائد من القصة

بوخالد الحجاجي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
الفوائد المستفادة من قصة نوح عليه السلام:

1- أن جميع الرسل من نوح إلى محمد صلى الله عليهم وسلم متفقون على الدعوة إلى التوحيد الخالص ، والنهي عن الشرك ، فنوح وغيره أول ما يقولون لقومهم : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ويكررون هذا الأصل بطرق كثيرة .
2- آداب الدعوة وتمامها ، فإن نوحا دعا قومه ليلا ونهارا ، وسرا وجهارا . . بكل وقت وبكل حالة يظن فيها نجاح الدعوة ، وأنه رغبهم بالثواب العاجل بالسلامة من العقاب ، وبالتمتيع بالأموال والبنين ، وإدرار الأرزاق إذا آمنوا وبالثواب الآجل ; وحذرهم من ضد ذلك ، وصبر على هذا صبرا عظيما كغيره من الرسل ، وخاطبهم بالكلام الرقيق والشفقة ، وبكل لفظ جاذب للقلوب محصل للمطلوب ، وأقام الآيات ، وبيَّن البراهين .
3- أن الشُّبَه التي قدح فيها أعداء الرسل برسالتهم من الأدلة على إبطال قول المكذبين ، فإن الأقوال التي قالوها ، ولم يكن عندهم غيرها ، ليس لها حظ من العلم والحقيقة عند كل عاقل ، فقول قوم نوح : مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ تأمل جملها تجدها تمويهات دالة على أنهم مبطلون مكابرون للحقيقة ، فقولهم : مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا فهل في كون الحق جاء على يد بشر شيء من الشبهة تدل على أنه ليس بحق ؟ ومضمون هذا الكلام أن كل قول قاله البشر من أي مصدر يكون باطلا ، وهذا قدح منهم في جميع العلوم البشرية المستفادة من البشر ، ومعلوم أن هذا يبطل العلوم كلها ، فهل عند البشر علوم إلا مستفيدها بعضهم من بعض وهي متفاوتة ؟ فأعظمها وأصدقها وأنفعها ما تلقاه الناس عن الرسل الذين علومهم عن وحي إلهي .
وكذلك قولهم : وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ أي : نحن وأنتم بشر ، وقد أجابت الرسل كلهم عن هذه المقالة فقالوا :
إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ [إبراهيم : 11] .
فمنَّ الله على الرسل ، وخصَّهم بالوحي والرسالة ، مع أن إنكارهم عليهم من هذه الجهة من أكبر الجهل وأعظم القدح في نعمة الله ، فإن رحمة الله وحكمته اقتضت أن يكون الرسل من البشر ؛ ليتمكن العباد من الأخذ عنهم ، وتتيسر عليهم هذه النعمة ، ويسهِّل الله لهم طرقها ، فهؤلاء المكذِّبون كفروا بأصل النعمة ، وبالطريق المستقيم النافع الذي جاءتهم به .
وكذلك قولهم : وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا من المعلوم لكل أحد عاقل أن الحق يعرف أنه حق بنفسه لا بمن تبعه ، وأن هذا القول الذي قالوه صدر عن كبر وتيه ، والكبر أكبر مانع للعبد من معرفة الحق ومن اتباعه .
وأيضا قولهم : أَرَاذِلُنَا إن أرادوا الفقر فالفقر ليس من العيوب ، وإن أرادوا أراذلنا في الأخلاق فهذا كذب معلوم بالبديهة ، وإنما الأراذل الذين قالوا هذه المقالة ، فهل الإيمان بالله ورسله ، وطاعة الله ورسله ، والانقياد للحق ، والسلامة من كل خصلة ذميمة ، هل هذا الوصف رذيلة وأهله أراذل ؟ أم الرذيلة بضده . .. من ترك أفرض الفروض توحيد الله وشكره وحده وامتلاء القلب من التكبر على الحق وعلى الخلق ؟ هذا والله أرذل الرذائل ، ولكن القوم مباهتون فما نقموا من هؤلاء الأخيار إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد .
وقولهم : بَادِيَ الرَّأْيِ أي : مبادرة منهم إلى الإيمان بك يا نوح ، لم يشاوروا ولم يتأنوا ويترووا لو فرض أن هذا حقيقة فهذا من أدلة الحق ، فإن الحق عليه من البراهين والنور والجلالة والبهاء والصدق والطمأنينة ما لا يحتاج إلى مشاورة أحد باتباعه ، وإنما التي تحتاج إلى مشاورة هي الأمور الخفية ، التي لا تعلم حقيقتها ولا منفعتها ، أما الإيمان الذي هو أجلى من الشمس في نورها ، وأحلى من كل شيء ، فما يتأخر عنه إلا كل متكبر جبار أمثال هؤلاء الطغاة البغاة .
وقولهم : وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ هل في هذا الكلام شيء من الإنصاف بوجه ، لأنهم يخبرون عن أنفسهم ، وكلامهم يحتمل أنه الذي في قلوبهم ، ويحتمل أنهم يقولون ما لا يعتقدون ، وعلى كلا الأمرين فالحق يجب قبوله ، سواء أقاله الفاضل أو المفضول ، الحق أعلى من كل شيء .
وكذلك قولهم : بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ معلوم أن الظن أكذب الحديث ، ثم لو قالوا : بل نعلمكم كاذبين ، فهذه كل مبطل يقدر أن يقولها ، ولكن بأي شيء استدللتم أنهم كاذبون ؟ فهذه أدلتهم وبراهينهم أبطلت نفسها بنفسها كما ترى ، فكيف وقد قابلها الرسل بالأدلة والبراهين المتنوعة التي لا تبقى ريبا لأحد في بطلانها .

4- أن من فضائل الأنبياء وأدلة رسالتهم إخلاصهم التام لله تعالى في عبوديتهم لله القاصرة ، وفي عبوديتهم المتعدية لنفع الخلق كالدعوة والتعليم وتوابع ذلك ، ولذلك يبدون ذلك ويعيدونه على أسماع قومهم كل منهم يقول :
وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالًا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ [هود : 29] .
ولهذا كان من أجَلِّ الفضائل لأتْباع الرسل أن يكونوا مقتدين بالرسل في هذه الفضيلة ، والله تعالى يجعل لهم من فضله من رفعة الدنيا والآخرة أعظم مما يتنافس فيه طلاب الدنيا .

5- أن القدح في نيات المؤمنين وفيما منَّ الله عليهم به من الفضائل والتألي على الله أنه لا يؤتيهم من فضله من مواريث أعداء الرسل ، فلهذا قال نوح لقومه حين تألوا على الله ، وتوسلوا في ذم المؤمنين به بذلك ، فقال : وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ .
6- أنه ينبغي الاستعانة بالله ، وأن يذكر اسمه عند الركوب والنزول ، وفي جميع التقلبات والحركات ، وحمد الله والإكثار من ذكره عند النعم لا سيما النجاة من الكربات والمشقات ، كما قال تعالى :
وَقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا [هود : 41] .
وقال : فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [المؤمنون : 28] .
وأنه ينبغي أيضا الدعاء بالبركة في نزول المنازل العارضة كالمنازل في إقامات السفر وغيره ، والمنازل المستقرة كالمساكن والدور ؛ لقوله :
وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلًا مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ [المؤمنون : 29] .
وفي ذلك كله من استصحاب ذكر الله ، ومن القوة على الحركات والسكنات ، ومن قوة الثقة بالله ، ومن نزول بركة الله التي خير ما صحبت العبد في أحواله كلها ما لا غنى للعبد عنه طرفة عين .

7- أن تقوى الله والقيام بواجبات الإيمان من جملة الأسباب التي تُنال بها الدنيا وكثرة الأولاد والرزق وقوة الأبدان - وإن كان لذلك أيضا أسباب أُخر - ، وهي السبب الوحيد الذي ليس هناك سبب سواه في نيل خير الآخرة ، والسلامة من عقابها .
8- أن النجاة من العقوبات العامة الدنيوية هي للمؤمنين ، وهم الرسل وأتباعهم ، وأما العقوبات الدنيوية العامة فإنها تختص بالمجرمين ، ويتبعهم توابعهم من ذرية وحيوان ، وإن لم يكن لها ذنوب ؛ لأن الوقائع التي أوقع الله بأصناف المكذِّبين شملت الأطفال والبهائم ، وأما ما يذكر في بعض الإسرائيليات أن قوم نوح أو غيرهم لما أراد الله إهلاكهم أعقم الأرحام حتى لا يتبعهم في العقوبة أطفالهم فهذا ليس له أصل ، وهو مناف للأمر المعلوم ، وذلك مصداق لقوله تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً [الأنفال : 25] .

وانتظروا القصة التالية
وإلى لقاء آخر في موعد يتجدد معكم

بوخالد الحجاجي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
هل طريقة العرض جيدة

أو نغير الأسلوب


الرجاء ابداء الملاحظات حتى لا يكون الموضوع ممل

ووفقكم ربي
 

أم الخير

๑ . . عضو إمبراطوري . . ๑
التسجيل
20 مارس 2011
رقم العضوية
13442
المشاركات
4,969
مستوى التفاعل
689
الجنس
الإقامة
أرض الله الواسعة
الطريقة جيدة وممتازة...جزاك ربي خيراً..
مجهود عظيم وطيب جداً
والمعذرة ...لكثرة االمواضيع غفلت عن قراءة القصص
حتى أني ذهبت للصفحة الأخيرة وقرأت الفوائد المستنبطة من قصة نوح
وأنا اقرأ أقول كيف يتكلم عن نوح وآخر شيء قرأته قصة آدم عليه السلام
ظننتها فوائد من قصة آدم فتوقفت وراجعت الصفحات..فتبين أنك نزلت الفوائد..
وأن هناك قصة جديدة والله المستعان...
طريقة القاء القصة شيقة واصل أخي بوخالد ..
متابعين لك ..بإذن الله
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
اشكرك اختي

ووفقك ربي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
اعتذر عن التكلمة

ولكن انا الآن اجهز طريقة طيبة في العرض

إن شاء الله الاسبوع القادم ننزل التكملة

ووفقكم ربي
 

اسيل السعوديه

๑ . . شخصية هامة . . ๑
التسجيل
4 يوليو 2010
رقم العضوية
12319
المشاركات
11,827
مستوى التفاعل
1,570
الجنس
الإقامة
ديرتي نجد يابعدحيي


جــــــــــزاك الله خيرا ووفقك الله ^__^
 
التعديل الأخير:

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

نكمل ما بدأنا به

وإلى قصة هود عليه السلام


بعث الله هودا عليه الصلاة والسلام إلى قومه عادا الأولى المقيمين بالأحقاف - من رمال حضرموت - لما كثر شرهم وتجبروا على عباد الله وقالوا ( من أشد منا قوة ) مع شركهم بالله وتكذيبهم لرسل الله.

فأرسله الله إليهم يدعوهم إلى عبادة الله وحده وينهاهم عن الشرك والتجبر على العباد ، ويدعوهم بكل وسيلة ويذكرهم ما أنعم الله عليهم به من خير الدنيا والبسطة في الرزق والقوة ، فردوا دعوته وتكبروا عن إجابته وقالوا ( ياهود ما جئتنا ببينة ) ، وهم كاذبون في هذا الزعم ، فإنه : ( ما من نبي إلا أعطاه الله من الآيات ما على مثله يؤمن البشر ) متفق عليه.
ولو لم يكن من آيات الرسل : إلا أن نفس الدين الذي جاءوا به أكبر دليل أنه من عند الله لأحكامه وانتظامه للمصالح في كل زمان بحسبه وصدق أخباره ، وأمره بكل خير ونهيه عن كل شر ، وأن كل رسول يصدق من قبله ويشهد له ، ويصدقه من بعده ويشهد له.
ومن آيات هود الخاصة : أنه متفرد وحده في دعوته وتسفيه أحلامهم وتضليلهم والقدح في آلهتهم ، وهم أهل البطش والقوة والجبروت.
وقد خوفوه بآلهتهم إن لم ينته أن تمسه بجنون أو سوء ، فتحداهم علنا ، وقال لهم جهارا : ( قَالَ إِنّيَ أُشْهِدُ اللّهِ وَاشْهَدُوَاْ أَنّي بَرِيَءٌ مّمّا تُشْرِكُونَ * مِن دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمّ لاَ تُنظِرُونِ * إِنّي تَوَكّلْتُ عَلَى اللّهِ رَبّي وَرَبّكُمْ مّا مِن دَآبّةٍ إِلاّ هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَآ إِنّ رَبّي عَلَىَ صِرَاطٍ مّسْتَقِيمٍ ) فلم يصوا إليه بسوء ، فأي آية أعظم من هذا التحدي لهؤلاء الأعداء الحريصين على إبطال دعوته بكل طريق ؟

فلما انتهى طغيانهم تولى عنهم ، وحذرهم نزول العذاب ، فجاءهم العذاب معترضا في الأفق وكان الوقت وقت شدة عظيمة وحاجة شديدة إلى المطر.
فلما استبشروا وقالوا : ( هذا عارض ممطرنا ) قال الله : ( بل هو ما استعجلتم به ) بقولكم : ( فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين ) ، ( ريح فيها عذاب أليم * تدمر كل شيء) تمر عليه ( سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى ، كأنهم أعجاز نخل خاوية)


( فَأَصْبَحُوا لَا يُرَىٰ إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) ، فبعدما كانت الدنيا لهم ضاحكة ، والعز بليغ ، ومطالب الحياة متوفرة وقد خضع لهم من حولهم من الأقطار والقبائل ، إذا أرسل إليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات ( لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون) ، ( وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيامة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود )
ونجى الله هودا ومن معه من المؤمنين
( إن في ذلك لأية) على كمال قدرة الله تعالى وإكرامه الرسل وأتباعهم ، ونصرهم في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ، وآية على إبطال الشر ، وأن عواقبه شر العواقب وأشنعها ، وآية على البعث والنشور
.


بوخالد الحجاجي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين


اختصارا حتى لا أطيل

بعض فوائد قصة هود عليه السلام


1- ما تقدم في قصة نوح من الفوائد المشتركة بين الرسل ( ارجع لها ).

2- أن الله بحكمته يقص علينا نبأ الأمم المجاورين لنا في جزيرة العرب وما حولها ؛ لأن القرآن يذكر أعلى الطرق في التذكير بالله تعالى والله تعالى صرف فيه التذكيرات تصريفا نافعا ، ولا ريب أن الأقطار النائية عنا في مشارق الأرض ومغاربها قد بعث الله إليهم رسلا ، ولهم معهم نظير ما للمذكورين من إجابة ورد وإكرام وعقوبة ، وما من أمة إلا بعث الله فيهم رسولا.
أن تذكير الناس بما هو أقرب إلى عقولهم وأنسب لأحوالهم وأدخل لمداركهم وانفع لهم من غيره أول من التذكيرات بطرق أخرى وإن كانت حقا ، ولكن الحق يتفاوت.

3- أن اتخاذ المباني الفخمة للفخر والخيلاء والزينة وقهر العباد بالجبروت من الأمور المذمومة الموروثة عن الأمم الطاغية.

4-أن العقول والأذهان والذكاء أنها لا تنفع إلا إذا قارنها الإيمان بالله ورسله.
 
عودة
أعلى