• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

قصص الأنبياء بأسلوب شيق وممتع

أم الخير

๑ . . عضو إمبراطوري . . ๑
التسجيل
20 مارس 2011
رقم العضوية
13442
المشاركات
4,969
مستوى التفاعل
689
الجنس
الإقامة
أرض الله الواسعة
جزاك الله خيراً...متابعة لك
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
اشكرك على مرورك

ووفقك ربي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

وإلى قصة جديدة

النبي صالح عليه السلام


كانت ثمود - وهي عاد الثانية - يسكنون في الحجر وما حولها ، وكانوا أهل مواش كثيرة وأهل حُروث وزروع ، وتواصلت عليهم النعم فكانوا ينخذون من السهول قصورا مزخرفة ، ومن الجبال بيوتا منحوتة متقنة.

فبطروا النعم وكفروها ، وعبدوا غير الله فأرسل الله إليهم أخاهم صالحا من قبيلتهم يعرفون نسبه وحسبه ، وفضله وكماله ، وصدقه وأمانته ، فدعاهم إلى الله وإلى إخلاص الدين له وترك ما كانوا يعبدون من دونه ، وذكرهم ينعم الله وبأيامه بالأمم المجاورة لهم ، فلم يتبعه إلا القليل.

وحين ذكرهم وأقام الأدلة والبراهين على وجوب توحيد الله اشمأزوا ونفروا واستكبروا و ( قالوا يا صالحُ قد كنت فينا مرجوا قبل هذا) أي : قد كنا تخايلنا فيك أن تفضلنا جميعا لكمالك وكمال أخلاقك ، وآدابك الطيبة.
وهذا اعتراف منهم له بهذه الأمور قبل أن يقول ما قال. فما نزله عن هذه المرتبة عندهم إلا أنه دعاهم إلى عبادة الخالق من عبادة العبيد ، وإلى السعادة الأبدية ، وما ذنبه إلا أنه خالف آباءهم الضالين وهم كانوا أضل منهم !!

ثم أقام لهم بينة عظيمة ، وآية وبرهانا ونعمة على جميع القبيلة بأسرها وقال : ( هذه ناقة الله) التي لا يشبهها شيء من النوق في ذاتها وشرفها ومنافعها ( لكم ءآية ) على صدقي وعلى سعة رحمة ربكم ، ( فذروها تاكل فىّ أرض الله ) على الله رزقها ولكم نفعها ، ترد الماء يوما فترد القبيلة بأسرها على ضرعها كل يصدر عن ضرعها قد ملأ آنيته ؛ ثم تردون أنتم في اليوم الثاني فمكثت على هذا ما شاء الله.

وكان في مدينتهم ( تسعة رهط ) من شياطينهم قد قاوموا ما جاء به صالح أشد المقاومة ، يصدون عن سبيل الله ( ويفسدون في الأرض ولا يصلحون ) .
وكان صالح قد حذرهم من عقر الناقة لما رأى من كبرهم وردهم الحق ، فأول ما فعل أولئك الملأ الأشرار أن عقدوا مجلسا عاما ليتفقوا على عقر الناقة ، فاتفقوا.

فانتدب لذلك أشقى القبيلة ، ولهذا قال الله تعالى : ( إذ انبعث أشقاها) أي بعد اتفاقهم وندبهم إياه بعثوه لذلك.
فانبعث واستعد وتكفل لهم بعقرها ، وهم جميعهم راضون بل آمرون ، فعقرها ، فكان هذا العقر مؤذنا بهلاك القبيلة بأسرها.

فلما شعر صالح بالأمر ورأى منظرا فظيعا على أن العذاب قد تحتم لا محالة ؛ لأن الجريمة قد تفاقمت ، ولم يبق حالة يرجى فيها لهم تقويم فقال لهم صالح : ( تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب ) ونبه بهذا الكلام دانيهم وقاصيهم.

ففي أثناء هذه المدة اتفق هؤلاء الرهط التسعة على أمر أغلظ من عقر الناقة ؛ على قتل نبيهم صالح ، وتعاهدوا وتعاقدوا وحلفوا الأيمان المغلظة وكتموا أمرهم خشية منع أهل بيته ، لأنه من بيت عز وشرف.
وقالوا : ( لنُبيتنه وأهله ) ثم إذا ظن بنا أننا قتلناه حلفنا لأوليائه إننا ( ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون) فدبروا هذا المكر العظيم ، ولكنهم يمكرون ويمكر الله لنبيه صالح.

فحين كمنوا في أصل الجبل لينظروا الفرصة في صالح ، بدا الله بعقوبتهم ، فكانوا سلفا مقدما لقومهم إلى نار جهنم ، فأرسل الله صخرة من أعلى الجبل فشدختهم وقتلوا أشنع قتلة.


ثم لما تمت ثلاثة أيام جاءتهم صيحة من فوقهم ورجفة من أسفل منهم فأصبحوا خامدين ونجى الله صالحا ومن معه من المؤمنين.
( فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي ونصحت لكم فكيف آسى على قوم كافرين)

انتهت وإلى الفوائد
محب الخير لكم
بوخالد الحجاجي
 

أم الخير

๑ . . عضو إمبراطوري . . ๑
التسجيل
20 مارس 2011
رقم العضوية
13442
المشاركات
4,969
مستوى التفاعل
689
الجنس
الإقامة
أرض الله الواسعة
جزاك الله خيراً....ووفقك الله
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
فوائد قصة النبي صالح عليه السلام
1- أن جميع الأنبياء دعوتهم واحدة .
2- أن من كذب واحدا منهم فقد كذب بجميع الأنبياء والمرسلين.
3- أن عقوبات الله للأمم الطاغية تناهي طغيانها وتفاقم جرائمها ، فكفرهم وتكذيبهم موجب لهلاكهم .
4- أن العقائد الباطلة الراسخة المأخوذة عمن يحسن بهم الظن من آباء أو غيرهم من أكبر الموانع لقبول الحق .

والله الموفق

كان معكم بوخالد الحجاجي
 

أم الخير

๑ . . عضو إمبراطوري . . ๑
التسجيل
20 مارس 2011
رقم العضوية
13442
المشاركات
4,969
مستوى التفاعل
689
الجنس
الإقامة
أرض الله الواسعة
موفق بإذن الله ... لك مني أجمل تحية .
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
بارك الله فيك أختي

ووفقك ربي لكل خير
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين
ترقبوا قصة إبراهيم

وهي من اهم القصص لدينا

فاتبعونا فنحن معكم دائما

بوخالد الحجاجي
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين

قصة إبراهيم عليه السلام طويلة جدا
وقد قسمتها إلى فصول
وكل فصل فيه حادثة لإبراهيم عليه السلام



الفصل الأول
حال المشركين قبل بعثة إبراهيم:
لا يتحدث القرآن عن ميلاده أو طفولته، ولا يتوقف عند عصره صراحة، ولكنه يرسم صورة لجو الحياة في أيامه، فتدب الحياة في عصره، وترى الناس قد انقسموا ثلاث فئات:

1- فئة تعبد الأصنام والتماثيل الخشبية والحجرية.

2- وفئة تعبد الكواكب والنجوم والشمس والقمر.

3- وفئة تعبد الملوك والحكام.

نشأة إبراهيم عليه السلام:
وفي هذا الأوضاع ولد إبراهيم. ولد في أسرة من أسر ذلك الزمان البعيد. لم يكن رب الأسرة كافرا عاديا من عبدة الأصنام، كان كافرا متميزا يصنع بيديه تماثيل الآلهة. وقيل أن أباه مات قبل ولادته فرباه عمه، وكان له بمثابة الأب، وكان إبراهيم يدعوه بلفظ الأبوة، وقيل أن أباه لم يمت وكان آزر هو والده حقا، وقيل أن آزر اسم صنم اشتهر أبوه بصناعته.. ومهما يكن من أمر فقد ولد إبراهيم في هذه الأسرة.

رب الأسرة أعظم نحات يصنع تماثيل الآلهة. ومهنة الأب تضفي عليه قداسة خاصة في قومه، وتجعل لأسرته كلها مكانا ممتازا في المجتمع. هي أسرة مرموقة، أسرة من الصفوة الحاكمة.

من هذه الأسرة المقدسة، ولد طفل قدر له أن يقف ضد أسرته وضد نظام مجتمعه وضد أوهام قومه وضد ظنون الكهنة وضد العروش القائمة وضد عبدة النجوم والكواكب وضد كل أنواع الشرك باختصار.

مرت الأيام.. وكبر إبراهيم.. كان قلبه يمتلأ من طفولته بكراهية صادقة لهذه التماثيل التي يصنعها والده. لم يكن يفهم كيف يمكن لإنسان عاقل أن يصنع بيديه تمثالا، ثم يسجد بعد ذلك لما صنع بيديه. لاحظ إبراهيم إن هذه التماثيل لا تشرب ولا تأكل ولا تتكلم ولا تستطيع أن تعتدل لو قلبها أحد على جنبها. كيف يتصور الناس أن هذه التماثيل تضر وتنفع؟!

مواجهة عبدة الكواكب والنجوم:
قرر إبراهيم عليه السلام مواجهة عبدة النجوم من قومه، فأعلن عندما رأى أحد الكواكب في الليل، أن هذا الكوكب ربه. ويبدو أن قومه اطمأنوا له، وحسبوا أنه يرفض عبادة التماثيل ويهوى عبادة الكواكب. وكانت الملاحة حرة بين الوثنيات الثلاث: عبادة التماثيل والنجوم والملوك. غير أن إبراهيم كان يدخر لقومه مفاجأة مذهلة في الصباح. لقد أفل الكوكب الذي التحق بديانته بالأمس. وإبراهيم لا يحب الآفلين. فعاد إبراهيم في الليلة الثانية يعلن لقومه أن القمر ربه. لم يكن قومه على درجة كافية من الذكاء ليدركوا أنه يسخر منهم برفق ولطف وحب. كيف يعبدون ربا يختفي ثم يظهر. يأفل ثم يشرق. لم يفهم قومه هذا في المرة الأولى فكرره مع القمر. لكن القمر كالزهرة كأي كوكب آخر.. يظهر ويختفي. فقال إبراهيم عدما أفل القمر (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ) نلاحظ هنا أنه عندما يحدث قومه عن رفضه لألوهية القمر.. فإنه يمزق العقيدة القمرية بهدوء ولطف. كيف يعبد الناس ربا يختفي ويأفل. (لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي) يفهمهم أن له ربا غير كل ما يعبدون. غير أن اللفتة لا تصل إليهم. ويعاود إبراهيم محاولته في إقامة الحجة على الفئة الأولى من قومه.. عبدة الكواكب والنجوم. فيعلن أن الشمس ربه، لأنها أكبر من القمر. وما أن غابت الشمس، حتى أعلن براءته من عبادة النجوم والكواكب. فكلها مغلوقات تأفل. وأنهى جولته الأولى بتوجيهه وجهه للذي فطر السماوات والأرض حنيفا.. ليس مشركا مثلهم.

استطاعت حجة إبراهيم أن تظهر الحق. وبدأ صراع قومه معه. لم يسكت عنه عبدة النجوم والكواكب. بدءوا جدالهم وتخويفهم له وتهديده. ورد إبراهيم عليهم قال:

أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاء رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (80) وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (81) (الأنعام
)

لا نعرف رهبة الهجوم عليه. ولا حدة الصراع ضده، ولا أسلوب قومه الذي اتبعه معه لتخويفه. تجاوز القرآن هذا كله إلى رده هو. كان جدالهم باطلا فأسقطه القرآن من القصة، وذكر رد إبراهيم المنطقي العاقل. كيف يخوفونه ولا يخافون هم؟ أي الفريقين أحق بالأمن؟

بعد أن بين إبراهيم عليه السلام حجته لفئة عبدة النجوم والكواكب، استعد لتبيين حجته لعبدة الأصنام. آتاه الله الحجة في المرة الأولى كما سيؤتيه الحجة في كل مرة.

سبحانه.. كان يؤيد إبراهيم ويريه ملكوت السماوات والأرض. لم يكن معه غير إسلامه حين بدأ صراعه مع عبدة الأصنام. هذه المرة يأخذ الصراع شكلا أعظم حدة. أبوه في الموضوع.. هذه مهنة الأب وسر مكانته وموضع تصديق القوم.. وهي العبادة التي تتبعها الأغلبية.


انتظروا الفصل الثاني​
 

بوخالد الحجاجي

๑ . . مشرف برزة الدراسات والبحوث . . ๑
مشرف
التسجيل
9 ديسمبر 2010
رقم العضوية
12988
المشاركات
3,692
مستوى التفاعل
571
الجنس
الإقامة
البحرين

نواصل معاكم قصة إبراهيم عليه السلام

الفصل الثاني

مواجهة عبدة الأصنام:


قصة أبراهيم مع أبيه :
خرج إبراهيم على قومه بدعوته. قال بحسم غاضب وغيرة على الحق:

إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ (52) قَالُوا وَجَدْنَا آبَاءنَا لَهَا عَابِدِينَ (53) قَالَ لَقَدْ كُنتُمْ أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمْ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ (54) قَالُوا أَجِئْتَنَا بِالْحَقِّ أَمْ أَنتَ مِنَ اللَّاعِبِينَ (55) قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ (56) (الأنبياء)

انتهى الأمر وبدأ الصراع بين إبراهيم وقومه.. كان أشدهم ذهولا وغضبا هو أباه أو عمه الذي رباه كأب.. واشتبك الأب والابن في الصراع. فصلت بينهما المبادئ فاختلفا.. الابن يقف مع الله، والأب يقف مع الباطل.

قال الأب لابنه: مصيبتي فيك كبيرة يا إبراهيم.. لقد خذلتني وأسأت إلي.

قال إبراهيم:

يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا (42) يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا (43) يَا أَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44) يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا (45) (مريم)

انتفض الأب واقفا وهو يرتعش من الغضب. قال لإبراهيم وهو ثائر إذا لم تتوقف عن دعوتك هذه فسوف أرجمك، سأقتلك ضربا بالحجارة. هذا جزاء من يقف ضد الآلهة.. اخرج من بيتي.. لا أريد أن أراك.. اخرج.

انتهى الأمر وأسفر الصراع عن طرد إبراهيم من بيته. كما أسفر عن تهديده بالقتل رميا بالحجارة. رغم ذلك تصرف إبراهيم كابن بار ونبي كريم. خاطب أباه بأدب الأنبياء. قال لأبيه ردا على الإهانات والتجريح والطرد والتهديد بالقتل:

قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا (47) وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاء رَبِّي شَقِيًّا (48) (مريم)

وخرج إبراهيم من بيت أبيه. هجر قومه وما يعبدون من دون الله. وقرر في نفسه أمرا. كان يعرف أن هناك احتفالا عظيما يقام على الضفة الأخرى من النهر، وينصرف الناس جميعا إليه. وانتظر حتى جاء الاحتفال وخلت المدينة التي يعيش فيها من الناس.

وخرج إبراهيم حذرا وهو يقصد بخطاه المعبد. كانت الشوارع المؤدية إلى المعبد خالية. وكان المعبد نفسه مهجورا. انتقل كل الناس إلى الاحتفال. دخل إبراهيم المعبد ومعه فأس حادة. نظر إلى تماثيل الآلهة المنحوتة من الصخر والخشب. نظر إلى الطعام الذي وضعه الناس أمامها كنذور وهدايا. اقترب إبراهيم من التماثيل وسألهم: (أَلَا تَأْكُلُونَ) كان يسخر منهم ويعرف أنهم لا يأكلون. وعاد يسأل التماثيل: (مَا لَكُمْ لَا تَنطِقُونَ) ثم هوى بفأسه على الآلهة.

وتحولت الآلهة المعبودة إلى قطع صغيرة من الحجارة والأخشاب المهشمة.. إلا كبير الأصنام فقد تركه إبراهيم (لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ) فيسألونه كيف وقعت الواقعة وهو حاضر فلم يدفع عن صغار الآلهة! ولعلهم حينئذ يراجعون القضية كلها، فيرجعون إلى صوابهم.

إلا أن قوم إبراهيم الذين عطّلت الخرافة عقولهم عن التفكير، وغلّ التقليد أفكارهم عن التأمل والتدبر. لم يسألوا أنفسهم: إن كانت هذه آلهة فكيف وقع لها ما وقع دون أن تدفع عن أنفسها شيئا؟! وهذا كبيرها كيف لم يدفع عنها؟! وبدلا من ذلك (قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ).

عندئذ تذكر الذين سمعوا إبراهيم ينكر على أبيه ومن معه عبادة التماثيل، ويتوعدهم أن يكيد لآلهتهم بعد انصرافهم عنها!
فأحضروا إبراهيم عليه السلام، وتجمّع الناس، وسألوه (أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ)؟ فأجابهم إبراهيم (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُوا يَنطِقُونَ) والتهكم واضح في هذا الجواب الساخر. فلا داعي لتسمية هذه كذبة من إبراهيم -عليه السلام- والبحث عن تعليلها بشتى العلل التي اختلف عليها المفسرون. فالأمر أيسر من هذا بكثير! إنما أراد أن يقول لهم: إن هذه التماثيل لا تدري من حطمها إن كنت أنا أم هذا الصنم الكبير الذي لا يملك مثلها حراكا. فهي جماد لا إدراك له أصلا. وأنتم كذلك مثلها مسلوبو الإدراك لا تميزون بين الجائز والمستحيل. فلا تعرفون إن كنت أنا الذي حطمتها أم أن هذا التمثال هو الذي حطمها!

ويبدو أن هذا التهكم الساخر قد هزهم هزا، وردهم إلى شيء من التدبر التفكر:

فَرَجَعُوا إِلَى أَنفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنتُمُ الظَّالِمُونَ (64) (الأنبياء)

وكانت بادرة خير أن يستشعروا ما في موقفهم من سخف، وما في عبادتهم لهذه التماثيل من ظلم. وأن تتفتح بصيرتهم لأول مرة فيتدبروا ذلك السخف الذي يأخذون به أنفسهم، وذلك الظلم الذي هم فيه سادرون. ولكنها لم تكن إلا ومضة واحدة أعقبها الظلام، وإلا خفقة واحدة عادت بعدها قلوبهم إلى الخمود:

ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُؤُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاء يَنطِقُونَ (65) (الأنبياء)

وحقا كانت الأولى رجعة إلى النفوس، وكانت الثانية نكسة على الرؤوس؛ كما يقول التعبير القرآني المصور العجيب.. كانت الأولى حركة في النفس للنظر والتدبر. أما الثانية فكانت انقلابا على الرأس فلا عقل ولا تفكير. وإلا فإن قولهم هذا الأخير هو الحجة عليهم. وأية حجة لإبراهيم أقوى من أن هؤلاء لا ينطقون؟

ومن ثم يجيبهم بعنف وضيق على غير عادته وهو الصبور الحليم. لأن السخف هنا يجاوز صبر الحليم:

قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ (66) أُفٍّ لَّكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (67) (الأنبياء)

وهي قولة يظهر فيها ضيق الصدرن وغيظ النفس، والعجب من السخف الذي يتجاوز كل مألوف.

عند ذلك أخذتهم العزة بالإثم كما تأخذ الطغاة دائما حين يفقدون الحجة ويعوزهم الدليل، فيلجأون إلى القوة الغاشمة والعذاب الغليظ:

قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ (68) (الأنبياء)

نجاة إبراهيم عليه السلام من النار:

وفعلا.. بدأ الاستعداد لإحراق إبراهيم. انتشر النبأ في المملكة كلها. وجاء الناس من القرى والجبال والمدن ليشهدوا عقاب الذي تجرأ على الآلهة وحطمها واعترف بذلك وسخر من الكهنة. وحفروا حفرة عظيمة ملئوها بالحطب والخشب والأشجار. وأشعلوا فيها النار. وأحضروا المنجنيق وهو آلة جبارة ليقذفوا إبراهيم فيها فيسقط في حفرة النار.. ووضعوا إبراهيم بعد أن قيدوا يديه وقدميه في المنجنيق. واشتعلت النار في الحفرة وتصاعد اللهب إلى السماء. وكان الناس يقفون بعيدا عن الحفرة من فرط الحرارة اللاهبة. وأصدر كبير الكهنة أمره بإطلاق إبراهيم في النار.

جاء جبريل عليه السلام ووقف عند رأس إبراهيم وسأله: يا إبراهيم.. ألك حاجة؟

قال إبراهيم: أما إليك فلا.

انطلق المنجنيق ملقيا إبراهيم في حفرة النار. كانت النار موجودة في مكانها، ولكنها لم تكن تمارس وظيفتها في الإحراق. فقد أصدر الله جل جلاله إلى النار أمره بأن تكون (بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ). أحرقت النار قيوده فقط. وجلس إبراهيم وسطها كأنه يجلس وسط حديقة. كان يسبّح بحمد ربه ويمجّده. لم يكن في قلبه مكان خال يمكن أن يمتلئ بالخوف أو الرهبة أو الجزع. كان القلب مليئا بالحب وحده. ومات الخوف. وتلاشت الرهبة. واستحالت النار إلى سلام بارد يلطف عنه حرارة الجو.

جلس الكهنة والناس يرقبون النار من بعيد. كانت حرارتها تصل إليهم على الرغم من بعدهم عنها. وظلت النار تشتعل فترة طويلة حتى ظن الكافرون أنها لن تنطفئ أبدا. فلما انطفأت فوجئوا بإبراهيم يخرج من الحفرة سليما كما دخل. ووجهه يتلألأ بالنور والجلال. وثيابه كما هي لم تحترق. وليس عليه أي أثر للدخان أو الحريق.

خرج إبراهيم من النار كما لو كان يخرج من حديقة. وتصاعدت صيحات الدهشة الكافرة. خسروا جولتهم خسارة مريرة وساخرة.

وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ (70) (الأنبياء)

لا يحدثنا القرآن الكريم عن عمر إبراهيم حين حطم أصنام قومه، لا يحدثنا عن السن التي كلف فيها بالدعوة إلى الله. ويبدو من استقراء النصوص القديمة أن إبراهيم كان شابا صغيرا حين فعل ذلك، بدليل قول قومه عنه: (سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ). وكلمة الفتى تطلق على السن التي تسبق العشرين.


وانتظروا الفصل الثالث
 
عودة
أعلى