• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

ابن الراقصة ... معاناة إنسان

الحلم البعيد..~

๑ . . عضو بقراطيسة . . ๑
التسجيل
26 يناير 2011
رقم العضوية
13218
المشاركات
33
مستوى التفاعل
3
الجنس
الإقامة
فِوق هآم آلسِحآب آعتلِي ]~
الموقع الالكتروني
مقدمة:-
هذه القصة من نسج الخيال... وقد تكون بعض أحداثها واقعية... جعلت سردها
فصيحاً والحوار عامي... كي أعيش بين صفحاتها أكثر وأكثر وكأنني جزء
من الشخصيات...

أتمنى لكم قراءة ممتعة...




الفصل الأول:-
أحمد... إنه أنا... أرى أمي الآن... ترقص أمام الكثير من الرجال... هي
وصديقتها... ترقصان رقصاً خليعاً على أنغام طبل أبي الذي يدندن أغاني ليس
لها معنى... فقط أغاني تجعل المرء مربوش اً...
أحمد... أسمي... عمري الآن 91 سنة... قصير القامة... ووزني 19
كيلوغرام... أبدو سمين اً... ولكني وسيم... خصوصاً بالكندورة والغترة...
الجميع هنا في هذه الخيمة... رغم الأزدحام, إلا إن الرجال هنا لا يعلمون أن
من ترتدي الزي الأحمر الضيق والمتلثمة بالقماش الأسود "الشيلة"... هي
أمي... والصفراء هي صديقتها...
آخخخ!!!... أحد ما سحب تعصيمتي "العمامة" قال بمرح: ]مرحبا![
بادلته الابتسامة: ]مرحبتين..![
قال: ]بنت اللذينه تعرف ترقص!![
]صح كلامك... بس ملل... خلنا نطلع... أزعاج...[
مشينا إلى الخارج مارين بين الحشد, تقصدتُ أن أخرجه كي لا تراني أمي
معه... حتى لا تعتقد أني ذي علاقة مع أحد...
سأل: ]ليش طلعنا؟[
]ملل وازعاج...[
]ما تحب معلاية شو؟؟[
]تبي الصراحة لا...[
]غريب!... عيل الدنيا هني متخبله![
ماذا سيحصل له؟؟... حين يعلم أن أمي ترقص أمام هذا الحشد الهائل من
الرجال... لا أريده أن يعلم... يكفيني خذلاناً وعار اً...!
سأل: ]الوالد والوالدة شخبارهم؟!... ما يوو العرس شوو؟[
قلت بثقة: ]بلى موجودين... الوالد داخل والوالدة عند الحريم...[
]خلني أشوف أبوك... أنت أول مرة تيي فريجنا... فأبي أشوفه...[
]أبوي شو بيطلع يعني؟؟... أكيد متين مثلي...[
تدخل أحد ما يسلم على صديقي... ثم سلم علي..., قال له: ]هذا ربيعي أحمد
مال المدرسة... أنا وهو في نفس الصف...[
أخذتُ أتبادل الحديث معه بأحترام... وأحاول قدر المستطاع أن أجعله يشعر
أنني ابن عائلة محترمة لا تعرف الحرام!... ودائماً أنجح في ذلك...
ثم سأل: ]بلاكم واقفين برع!... يلا خلنا ندخل... رقص هنااا ك ![
أخرجت هاتفي من جيبي, وقلت لصديقي: ]سيروا داخل أنا بتصل بواحد
وعقب بلحقكم[
قال صديقي مازح اً: ]بواحد ولا بوحدة؟؟ يلا أعترف![
]بواحد والله!![
انصرفا إلى داخل الخيمة وتركوني لوحدي... دائماً كنت لوحدي أتحاشى
الناس... خشية أن يعرفوا حقيقة من أكون... وستتغير نظراتهم إلى نظرات
اتهام وسهام جارحة... فما ذنبي أنا؟... إذا أهلي على حافة الحرام...
يسترزقون المال من الطريق الخاطئ...
أنا كبير بما يكفي لأعرف كل هذا... لقد رسبت سنتين... وأنا لازلت في
الصف العاشر... سأنجح هذه السنة... أنا واثق من ذلك لأنني أبذل قصارى
جهدي للنجاح والتخلص من المدرسة ثم العمل... وأرتاح نفسياً من هذا
العذاب... أفكر أن أعيش لوحدي في أي مكان آخر... غير البيت الذي يضمني
مع هذه العائلة العربجية...
أخذتُ أفكر هكذا وأنا أتمشى بين سكك المنازل المهجورة... حيث أن الجميع
هجروا مساكنهم إلى حفل الزفاف... وأحتل الظلام تلك البيوت... ولكني بدون
خوف توغلت أكثر... لأبتعد من ذاك الجو الحقير...
بدون أي حسبان, سمعتُ صوت بكاء... أقتربت أكثر من الصوت... إنه بكاء
فتاة... اتجهت إلى الصوت حيث أنه قادم من خلف البيت الذي هو أمامي
الآن... تحركت بسرعة لأجدها تجلس على الأرض قرب الباب... تضم
قدميها... عبرت أمامها متجاهلاً فأحست بوجودي... فسكتت كي لا تسمعني
صوتها... وحين أختفيت عن أنظارها سمعت صوتها من جديد... فرق قلبي
عليها ورجعت أدراجي لأعرف ما بها...
صمتت من جديد حين رأتني... فكسر سؤالي زجاجها الصامت: ]بلاج
تصيحين؟[
لم ترد علي... فجلست أمامها, وأعدت سؤالي بصيغة أخرى: ]عشان أنتي
بروحج تصيحين؟[
قالت بصوت مخنوق: ]خلني بحالي...[
]قولي على الأقل ليش تصيحين...[
]أمك ما علمتك أنك ما تتدخل في شؤون غيرك؟[
كانت عينيها ملئتان بالدموع... عرفت ذلك من تلألؤهما... وكأن الحزن جزء
من حياتها... تبدو وكأنها صغيرة... في 91 من عمرها تقريباً...
وقفت على قدمي قائلا : ]خلاص خلاص هدي... آسف على الأزعاج[
قالت حين خطوت خطوة: ]خلوني بروحي بالبيت... وساروا العرس...[
نظرت إليها بشفقة... سألت: ]ليش أمج ما خذتج...؟[
]أمي متوفية... حرمة أبوي خذت بناتها العرس وما ودتني...[
سألت وأنا أجلس أمامها: ]ليش؟...[
]عسب أغسل المواعين...[
قلت مخفياً ضحكتي: ]ليش حضرتج سندريلا؟؟[
]من حقك تتمصخر... أنت ما شفت ألي شفته...[
ثم سألتني بأمل: ]تعرف تغسل المواعين؟[
أومأت بنعم... قالت: ]ساعدني الله يخليك... بتذبحني لو ما غسلتهم الليلة...[
]فالج طيب... حاضرين للطيبين...[
]يزاك الله ألف خير... الله يرزقك الجنة إن شاء الله[
وقفت فوقفت معها... أدخلتني البيت الذي كان ضيقاً قليلا , ثم دخلت مباشرة في
المطبخ, فقلت لها وأنا أنظر إلى الصحون المتسخة: ]أنا الساحر ألي بينفذ كل
طلباتج يا سندريلا...[
ابتسمت, فأخذت بكُم كندورتي وسحبته للأعلى لأظهر ذراعيي كي لا يصيبهما
البلل... فتحت الصنبور وملأت الوعاء بالماء ثم أضفت إليه قطرة من "فيري"
سألتني وأنا أنظف الصحن الأول: ]ما قلت لي عن أسمك؟[
]أحمد...[
]وأنا سلوى...[
أخذت الصحن من يدي لتنشفه من الماء وتضعه على الطاولة... قالت: ]ما
أعرف كيف أطلع من يزاك...[
]أفا عليج...[
سألت: ]ليش ما رحت العرس؟[
]سرت بس حبيت أتمشى شوي[
قالت وأنا أناولها الصحن الثالث: ]حد يتمشى هني؟؟... قلنا كرنيش...[
سألتها: ]أبوج بالعرس؟[
]أبوي بعد متوفي... وحرمته مخلتني شغالة لها ولبناتها[
]صدق سندريلا... خلاص أنا الساحر[
]بيتأخرون اليوم مثل كل مرة...[
أخذنا نتبادل أطراف الحديث في راحة تامة... تحدثني عن أسرارها... أحدثها
عن بعض مواقفي المضحكة... ولكن... هناك شيء يلعب بصدري... يقول لي
أنت وحدك معها الآن... هيا خذ منها ما تريد وأهرب!... إلا أن شفقتي عليها
كانت فوق كل شيء رغم تلك الوساوس...
سألتها بعد أن أعطيتها آخر صحن: ]تعشيتي؟[
قالت: ]ألحين بتعشى بعد ما خلصنا... تسلم ويزاك الله ألف خير...[
قلت لنفسي: ]بنت طيبة وجميلة... أأذيها شحقه؟؟[
قلت لها: ]بسير أيب لج عيش ولحم من العرس...[
قالت بابتسامة: ]بتخدمني خدمة لو يبت لي...[
]ما طلبتي شي والله!!... ألحين بييب لج...[
غسلت يدي... وخرجت بسرعة أجري لأحضر لها طلبها بسعادة لا
توصف!... وصلت إلى هناك بسرعة رغم وزني... وطلبت صحن اً...
وأعطوني طلبي... ومررت قرب الخيمة ولم أكترث بالضجة... وأسرعت
إليها بشوق كبير... إنها المرة الأولى التي أشعر بهذه الراحة والسعادة
والشعور الذي يثلج صدري...
وجدتها تقف قرب الباب... تنتظرني... أعطيتها الصحن ثم سألت: ]تامرين
بشي ثاني بعد؟[
كنت أتمنى أن تقول نعم... ولكنها قالت: ]تسلم الغالي وما قصرت[
انصرفت فسألت: ]أنت تعشيت؟[
]لأ...[
كانت إجابتي صريحة جد اً... حتى أنني تعجبت من سرعتي في الرد...
قالت بابتسامة: ]تعال تعشى معاي... أخاف أتعشى بروحي...[
]لا ما أقدر...[
]ليش؟[
]أخاف أييب لج كلام... ما أبي حد يرمس عنج[
]في حد ما قال عني شي؟؟... ألي قال مينونة... معاقة... وغدة...[
]وغدة عااد! قوية![
]تعال تعشى معاي...[
]خلنا نتعشى هني عند الباب...[
]عند الباب!!... خلاص عيل تريا أيب حصير[
عندما أنصرفت, وضعت يدي على قلبي... حيث أنني شعرت بخفقانه السريع
وذاك الشعور الغريب الذي يدغدغ أطرافه بخشونة... أمعقول أنه هو ذاك
الشعور الذي يتحدث عنه الجميع؟!... ربما يكون أعجاباً فقط...
وضعت الحصير على الأرض فارشةً أياه بمهل, وجلسنا عليه ثم سألتني: ]كم
عمرك يا أحمد...[
قلتُ لها وأنا أخرج مشروبين غازيين من جيبي... قالت: ]شكلك مجهز كل شي
هااه[
] ]بالصدفة خذت لي واحد... عموماً أنا 91
]... ]وأنا 91
] قلت لها وأنا أمد يدي إلى الصحن الحار: ]تحريتج 91
] سميت بالرحمن ثم بلعت لقمتي, قالت: ]لا والله... الكل يتحراني 91
]صدق أنتي شكلج صغيرة مو كبيرة...[
أخذنا نتحدث عن الدراسة وعن الحياة بشكل عام وعن الطموح وإلى آخره من
الحديث... كنا سعيدين جد اً... وكأننا بين طيات الغيوم ونسمات الهواء البارد
يداعبنا في هذا الليل رغم ضجة الزفاف...
ضمت الرز بيدها, ثم مدته إلى فمي, فقضمته دون تردد, فأعادت الك ر ة...
سألتها: ]ليش ما تاكلين؟[
]شبعت خلاص... المهم كمل... أبوك خذ حرمه ثانية ولالا...[
أكملت كذبتي: ]لا ما قدر... لأن أمي حلفت عليه بالموت في ليلة العرس لو
عرس عليها...[

طبعاً سأكذب عليها... لا يمكنني أخبارها حقيقة من أكون... قلبي لا يستطيع
ذلك... سوف تكرهني...
صمتنا قليلا ... والشعور الذي في قلبي يزداد شيئاً فشيئ اً... سألتها: ]تحسين
بألي أحسه؟[
]بشو تحس؟[
أدركت تفاهة ما قلته, فأجبت: ]بالبرد...[
قالت: ]بلى الهوا بارد شوي... المهم... لازم نقوم بسرعة ألحين بيوون...[
رن هاتفي, إنها أمي, أجبت قائلا : ]ها؟[
]يلا حبيبي... سيرالسيارة بنحرك للبيت...[
]اوكي...[
سألتني: ]عادي آخذ رقم فونك؟[
]أكيد...[
أعطيتها رقم هاتفي لتسجله على هاتفها الخلوي القديم... قالت: ]بسميك
الساحر...[
]دقي لي رنة...[
]أوكي...[
ارسلت لي رنة صغيرة ثم قلت وأنا أحفظ الرقم: ]وأنا بكتب لج سندريلا...[
مدت يدها إلي... وقالت: ]أنت أول واحد أقول له عن أسراري بعد ربيعتي[
]وينها ربيعتج عيل؟ في العرس؟[
نظرت إلى أصابعها في حزن وقالت: ]ماتت من سنة... بحادث سيارة...[

لزمت الصمت... ثم مدت يدها من جديد, فمدت يدي حتى أختلطت أصابعنا,
شعرت وكأنها تألمت لأن أصابعي كانت أثخن...
قالت لي في ابتسامة: ]أوعدني... أنك بتكون معاي للأبد...[
تسائلت: ]كيف تثقين بواحد تعشى معاج مرة وحدة بس؟[
]حسيتك مثلي... مظلوم في دنيتك...[
]شو دراج أني مو مثل الشباب ألي يلعبون ع البنات؟[
]حتى لو كنت تلعب... المهم أبي أحد يسمعني... خواتي من أبوي ما خلوا
رمسة ما طلعوها عني... نفروا الكل من يدامي... لهذا السبب أنا متمسكة
فيك... ولأنك عطفت علي من أول مرة شفتني أصيح...[
قلت بعد أن سحبنا يدينا وفكينا عقد أصابعنا: ]تأكدي... أني بكون الساحر ألي
بيكون جاهز يسمعج طول العمر...[
ثم انصرفت حين لاحظنا قدوم أحد ما, وأرسلت لها رسالة نصية "تصبحين
على خير"... وأجابت في الوقت نفسه "وانت من هله"...
ركبت السيارة التي كانت على شكل الحافلة, وكان فيها أغراض الفرقة من
آلات مسيقية, وركب العازفون والراقصات وأخيراً السائق...
الذي سأل: ]شو كان اليوم؟[
قالت صديقة أمي... أمينة...: ]أوووف... صدق صدق خرشة كان... وايد
أرتبشت...[
قالت أمي: ]هذا العرس الوحيد لها الاسبوع...[
قال أبي: ]المهم خذينا بيزاتنا... فرقتنا أحسن فرقة... والاسبوع الياي بيتصلون
فينا أنا متأكد...[
<><><><><><><><><><>




الفصل الثاني:-

وأصبحوا يثرثرون عن ما سيكون في الأعراس والحفلات القادمة... وإما عن
نفسي... لا أفكر سوى بسلوى التي غزت كل الطرق والدروب أمامي... لم
أكن أتخيل أنني سألتقي بفتاة مثلها في حياتي...
]حمود... حمود نش... وصلنا البيت[
فتحت عيني, رغم تغلغل النعاس والنوم في أعماقي, وتحركت بجسدي لأنزل
من السيارة لأدخل بيتنا الذي كان بابه قديم مشوه, ثم ممرت بساحة المنزل
الصغيرة لأدخل إلى الصالة المليئة بالارائك الفاخرة, وعندها دخلت غرفتي
التي كانت يمين الصالة.
أغلقت الباب لتفتحه أمي: ]تعشيت؟[
]وأنتِ شو يهمج إذا كنت متعشي ولا[
دخلت وأغلقت الباب: ]أنا شو يهمني؟![
كنت أعلم أن حديثي سيجرحها ولكني أكملت: ]طلعي برع وسكري الليت...
أبي أرقد باجر مدرسة[
]تعشيت ولا؟[
]هيه تعشيت[
]جذاب!... يلا قم تعشى عقب أرقد[
وضعت رأسي على السرير الذي كان على اليسار قرب التسريحة, ونظرت
إليها حين قلت: ]طول الليل رقص... ولا كأني موجود بهالدنيا...[
]كل هذا أنا أسوي عشان منو؟!... مب عشانك؟؟... عشان أأمن مستقبلك...
عشان ألبست وأأكلك![
تجنبت النظر إلى عينيها الدامعتان, ثم قلت: ]هناك أكثر من طريقة تأمنين فيها
مستقبلي... غير الرقص يدام الرياييل[
]أنت تعرف أن لا أبوك ولا أنا عندنا شهايد... نحن نبيك أنت تدرس وتخلص
وترفع راسنا...[
]أرفع راسي وأنتوا منزلينه؟!... تقصين على منو أمي؟![
]أنت...[
قاطعتها في إنفعال: ]خلاص أمي!!... أبي أرقد وأطلعي برع... وأنا متعشي
وشبعان!!... يلا برع!![
دخل أبي: ]بلاكم؟!... صراخكم واصل آخر الشارع![
]هذي أمي أقولها أني متعشي ما تصدق...[
قال لها: ]أكيد متعشي في العرس... ما هو الوحيد ألي فينا كان يراقب[
قلت: ]قصدك الوحيد ألي فيكم ريال[
نظر أبي إلي نظرة مغتضة: ]شو قلت؟![
]أنا الوحيد ألي فيكم ريال...[
غضب: ]ما تارس عينك أنا؟![
]أفف... لو فيك ذرة رجولة جان ما خليت أمي ترقص يدام الرياييل يا عديم
الشرف[
هجم علي وسحبني من كندورتي بقوة, وقال: ]أنا عديم الشرف يا ناكر!... كل
هذا نحن نسوي عشان منو؟؟ مو عشانك؟؟... مو عشان تعبي كرشتك ونلبسك
يا كلب![
أبعدتُ يديه حين صرخت: ]وأنا ما أبي منكم شي!!... يلا برع!! طلعوا برع!!
ما أبي أشوفكم يا حيوانات!![
رفع يده وهوا به على وجهي لأسقط أرض اً, وتصرخ أمي خوفاً علي...
ويركلني أبي بقدمه بقوة... وضعت جسدها علي كي تحميني...
]الله يخليك اتركه!! خلاص اتركه!![
خرج أبي من الغرفة مقهور اً... وغير مصدق أنه ولأول مرة يرفع يده علي...
قلت لأمي التي تبكي بألم: ]طلعي برع...[
حملت نفسها وخرجت, ثم وقفت على قدمي وأقفلت الباب وأطفأت الأضواء
وجلست على الأرض مسنداً ظهري على الباب في حزن شديد وكره فضيع
لنفسي لدرجة أنني صرت أنوح بصوت مسموع... عضضت شفتي السفلية كي
لا أصدر صوت اً, ودموعي جعلتني أرى كل شيء في تشوه وتبلور, رغم ظلمة
الغرفة...
نهضت بعد أن شعرت بالراحة من البكاء, وخلعت كندورتي وغترتي
ورميتهما على الأرضت ونمت على السرير بثيابي الداخلية –الفانيلة والوزار-
وكنت أفكر بكيفية التخلص من نفسي وأنهي هذا الكابوس المزعج إلى الأبد...
]ليش تبي تنتحر؟[
كانت تقف أمامي بعبائتها وشيلتها... وكنا قرب البحر وقت الغروب...
قلت لها: ]ما أبي أعيش... يكفي ألي شفته اليوم...[
]وأنا شو بسوي من دونك...؟![
مدت يدها لأمد يدي حتى تشابكت أصابعنا...
قلت: ]أنتي على الأقل... أهلج محترمين... مو مثلي...[
]أنا شو أبغي بأهلي...؟؟... أنا أبيك أنت...[
]أنا بعد أبيج... أنا من لي غيرج بها الدنيا؟[
]تحبني يا أحمد؟[
]أكيد أحبج... ما عندي أي شك في الموضوع[
طق طق طق!!... أحد ما يدق الباب... طق طق طق... فتحت عيني ونهضت
من السرير... أشعلت الضوء لأجد الساعة تدق على الرابعة فجر اً...
فتحت الباب... لأجده أمامي... وكان مرتبكاً ولا يعرف بماذا ينطق...
قال أخير اً: ]سامحني ولدي... ما كان قصدي...[
أفرزت عيني دمعة... فلم أتوقع أني سأتذكر ما حدث بهذه السرعة...
أكمل: ]ما أدري كيف... ما قدرت أزخ عمري...[
يبحث عن كلمات مناسبة يعبر فيها عن أسفه تجاهي... يبدو أنه يعتذر من
قلبه...
قال: ]أنا آسف يا ولدي... أنا غلطت...[
تحركت قدمي لا إيرادياً ووضعت رأسي على صدره وأخذت أبكي محاولاً أن
لا أصدر صوت اً... ولفني أبي بذراعيه...
قال: ]أمسح دموعك... أنت كبير ألحين... لا تصيح أبد... لا تخلي دموعك
تطلع يدام أي حد... حتى يدامي...[
ثم أبعدني عنه ونظر إلى عيني... ورأيتُ نفسي في عينيه... إذ أن نظراته لم
تتغير منذ أن كنت صغير اً...
كانت أمي تقف خلف باب غرفتها تنظر إلينا ودموعها قد فضحتها... ابتسمت
لها وأنا أمسح دموعي... ثم سألني أبي: ]سامحتني...؟[
أومأت له بنعم... ثم قال باسم اً: ]كنت أعرف أن قلبك كبير... وبتسامح
أبوك...[
قبلني على جبيني بعد أن أزال شعري الناعم... ثم قال: ]يلا سير أرقد... نوم
العوافي إن شاء الله[
أغلقت الباب وأطفأت الأنوار ثم سمعته يدعو: ]الله يوفقك في الدنيا والآخرة[
أغمضت عيني في راحة تامة... على أمل أن أحلم بسلوى من جديد...
<><><><><><><><><><>



الفصل الثالث:-
أيقظتني أمي للمدرسة, غسلت وجهي وتجهزت جيداً حيث أني أرتديت كندورة
بيضاء وغترة حمراء, ثم أخذت كتبي وغادرت البيت مع أبي بسيارته البيضاء
"لكزس" لأني لا أركب الحافلة... وذلك لأنها لا تأتي إلى هذه المنطقة من
الأساس...
قال أبي مشجعاً ونحن في طريقنا إلى المدرسة: ]شد حيلك... وأنجح هاي
السنة...[
قلتُ له ببرود: ]إن شاء الله[
]عدي هالسنتين... وإن شاء الله بتداوم...[
ثم سألني: ]أنت راسب سنتين صح؟[
]هيه راسب سنتين ومتأخر سنة...[
]غلطتنا أنا دخلناك المدرسة متأخر... عموماً شد حيلك والله يوفقك[
لم ابتسم... ولم أكن حزين اً... كان كل شيء عادياً كما في السابق... نزلت من
السيارة بعد أن وصلنا... غادر أبي بعد أن أعطاني 09 درهم اً, ثم دخلت إلى
الساحة التي كانت تعج بالطلاب متجهاً إلى صفي... لأسمع ثرثرة زملائي
المملة عن العرس الذي كان بالأمس... جلست على طاولتي التي كانت في
آخر الصف, ووضعت كتبي في الدرج...
سأل أحدهم: ]أحمد أنت سرت المعلاية؟... خلود يقول أنه شافك هناك[
قلت بثقة: ]عزمونا الناس... وسرنا... وخلود هذا ما يخلي شي وينشره؟![
سأل آخر: ]كيف كان؟؟... أوكي؟؟[
]يعني... لا باس... أصلاً ما أهتميت سرت اتمشى برع[
قال الأول: ]تتمشى؟!... جي وين العرس؟... مب في فريج قم خلود[
ثم تذكرت تمثيلي على صديقي: ]لا تراني اتصلت بواحد وتميت اسولف معاه
وأنا اتمشى... حشرا الصراحة في الخيمة...[
ثم دخل خالد ومعه محمد وأخذنا نتبادل أطراف الثرثرة حول الأمس... وكان
محمد ينظر إلي بنظرات مألوفة... أعرف بالضبط ماذا يريد مني...
قال خالد: ]أنت أحمد تتمصخر... قلت لك أبي أسلم على أبوك[
قلت: ]انزين بعد ما تسلم... شو بيصير...؟[
قال محمد ليسكت خالد: ]أقولك أبوه دكتور... أنت ما تفهم؟؟... يعني ما
يحصل وقت يروح أعراس... لازم يراقب المرضى...[
خالد: ]بس هو يا العرس أمس... صح أحمد؟[
قلتُ كاذب اً: ]هو يا شوية وعقب روحنا بسرعة[
خالد: ]أشوفكم أختفيتوا مرة وحدة[
أكملت كذبتي: ]اتصلوا في أبوي وطلبوه يي المستشفى بسرعة... عاد تعرفون
المستشفى ألي يداوم فيها بعيدة[
ثم رن الجرس معلناً عن بداية الحصة الأولى... ولم تمضي سوى دقيقة واحدة
حتى تجمع جميع الطلاب في الصف, ثم أتى أستاذ اللغة العربية وبيده عصاته
السحرية التي يضرب فيها كل من يعصي أوامره...
ما إن فتحنا الدرس حتى رأيتُ سلوى في مخيلتي... وقد أجتمعت الذكريات في
عقلي من جديد وصرت انتقل من ذاكرة إلى أخرى في كل حين... ولم أنكر
أبداُ أني مشتاق لها... ولكن هل هي مشتاقة لي؟!... ربما كذلك لأنها قالت لي
بالحلم أنها لا تستطيع العيش من دوني... أتمنى أن يكون كلامها صحيح اً...
شيء ما يلعب في صدري... يا إلهي إنه الشعور نفسه... شعور عجيب... رغم
روعته إلا أنه يعذبني بسياط الشوق... هذا الشعور جعلني أرسم قلباً مجروحاً
وكلاماً غزلياً على ورقة بيضاء... رسمت القلب بالأحمر السائل ثم كتبت
بقربه "لي بعدتنا اللحظات... جمعتنا الذكريات"... بخط جميل مزخرف
بالرصاص... وأصبحت لوحة فنية تضاهي لوحات دافنشي بالنسبة لي...
مضى الوقت بسرعة... ورن الجرس لينهي الحصة الثالثة لتبدأ الفسحة... نظر
إلي محمد وينتظر خروج الطلاب جميعاً ليشتروا الشطائر والمشروبات –
فلافل وميلكو- وأقترب مني محمد بعد أن تأكد من خلو الصف...
قال لي وهو يمد يده: ]يلا عطني...[
قلت له: ]ما أقدر أعطيك هاي المرة... أسمح لي[
ابتسم في خبث: ]يا تعطيني... يا أخبرهم منو يكون أبوك ومن هي أمك[
حقير!... يستغل نقاط ضعفي ليحصل على مبتغاه...
قلت له: ]خلها باجر... ما بقدر أعطيك اليوم[
]أوكي... لا تلومني عيل لو حد درى[
]تذلني يعني...؟![
قال في خبث: ]أنا الوحيد ألي يعرف كل شي عنك لأني قريب من بيتكم
ومتربي معاك في فريج واحد... ومثل ما طلبت مني قبل أني أستر عليك...
فلازم تنفذ طلباتي[
مد يده من جديد قائلا : ]يلا نق...[
]قلت لك ما أقدر هاي المرة... تراني مو متريك... باجر إن شاء الله بعطيك[
]كيفك... أنت أخترت ها الطريج... فلا تزعل عقب...[
نظرت إليه بحقارة, ولم يكترث لي ولم أثر شفقته... قلتُ له وأنا أعطيه النقود:
]مذلتك هاي مردودة... أصبر علي أنت بس...[
ضحك وقال منصرف اً: ]س ر يا عمي!![
عضضت شفتي من القهر والغيض... هذا الفتى يذلني في المدرسة ويهددني
على أتفه الأسباب بفضح أمري... ويقول للجميع أن أحمد لا يستطيع أن
يرفض لي طلب لأنني أعز أصدقاءه... ولا يعلمون ما خلف هذا القناع
السمح... عموم اً... كتب علي أن أعيش حياتي كالحشرة... أجر معي سيئات
أهلي أينما ذهبت... وأنا بريء من هذا كله...
دخل خالد ومعه كيس... أخرج منه الشطائر وشرابين... سأل: ]شو
تشرب؟؟... ملكو برتقال ولا همبا؟؟[
كنت مغتضاً من محمد, فقلت: ]ما أشرب شي...[
]بتاكل غصباً عنك... أنا عازمنك اليوم...[
]ما تقصر والله... بس تريكت ومالي خاطر آكل...[
]إذا جي عيل بينعق في الزبالة...[
]خلاص ييب...[
سحبت من الكيس شطيرة ثم قال: ]لا تستحي مني أبد... أنا أخوك...[
فرحت بجملته هذه كثيراً ولكني تسائلت, كيف ستكون ردة فعله حين يخبره
محمد بسري الخطير وعاري الكبير؟!... أتمنى أن لا يأتي هذا اليوم أبد اً... لن
أحتمل خسارة صديق مثله...
عدتُ إلى البيت... ودخلت غرفتي لأبدل كندورتي ببجامة خفيفة... ثم دخلت
أمي معلنة أن الغداء جاهز... هيا لتناول الطعام...
مسكت هاتفي الخليوي الذي كان على التسريحة... لأجد فيه رسالة نصية...
فتحتها... "رجعت من المدرسة؟"... إنها سلوى... كتبت لها "رجعت وبعد
الغدا براسلج"...
دخلت غرفة الطعام وكانوا ينظرون إلى قناة رياضية يشاهدون الكرة القدم...
أبي وأمي يأكلان بروية... أمينة صديقة أمي تأكل وكأنها لم ترى طعاماً من
قبل!... وزوجها يحاول تهدئتها...
جلست قرب أمي التي أعطتني صحناً فيه الرز الابيض والدجاج المحمر
بالزيت... ثم ناولتني وعاء سلطة صغير... وكأس ماء...
قالت لي أمي: ]كل الله يحفظك... أكيد ياي من المدرسة يوعان...[
لم انطق بشيء... فقط صرت أجمع حبات الرز وقطعة دجاج صغيرة
وأعصرهم بيدي كي تتماسك ثم أضعها في فمي...
سألتني أمينة... صديقة أمي: ]شو الدراسة؟[
قلت لها والطعام في فمي: ]زين... إن شاء الله أنجح ها السنة[
قالت: ]يا ويلك لو رسبت[
قالت أمي: ]ولدي شاطر وبينجح... وبيرفع راسنا بعد... صح حبيبي؟[
قلتُ لهم: ]أنتوا بس أطلعوا من هالفرقة... حياتي بتصير أوكي[
أمينة: ]ومن وين بنييب بيزات؟؟... ولا تحتنا بترول ونحن ما نعرف؟[
سأل أبي: ]وش فيها حياتك..؟؟..[
قلتُ لهم بقهر: ]كل يوم واحد نذل وجبان يهددني بيفضحني إذا ما عطيته
بيزات![
تعجبت أمي: ]ليش أنت شو مسوي؟[
كاد سؤالها الساذج أن يقتلني!... قلت: ]أنا ألي مسوي ولا أنتوا؟؟... بيخبر
الكل أن أمي ترقص يدام الرياييل في الأعراس وأبوي يدق طبول!![
قالت أمينة لترفع ضغطي أكثر: ]عادي قول لهم جي... شو تتحرانا نستحي؟؟[
علا صوتي بإنفعال: ]أنتوا عمركم ما صار عندكم دم عسب تستحون!!.. بس
أنا ألي ببتلش يدام ربعي والناس...[
وقفت على قدمي وغادرت الغرفة مقهور اً في حين سألت أمي: ]وين رايح؟
تعال كمل غداك؟[
<><><><><><><><><><>




الفصل الرابع:-
دخلتُ غرفتي وأرسلت رسالة إلى سلوى قائلاً "ليتني أموت وأرتاح"... لم ترد
علي إلا بعد أن جلست على السرير في قهر بسبب أهلي العديمي الأحساس,
حيث قالت "أنا بعد... ليتني أموت وأرتاح"... لم يصعقني ردها فقد كنت
متوقع أفضع منه...
جلست على السرير بعد أن خلعت بجامتي لأنها كانت ثقيلة علي وأرسلت
رسالة... "عادي اتصل؟"... انتظرت ردها في نفاد صبر... ولكنها تأخرت
كثير اً... وأخير اً... هي التي اتصلت...
ردت: ]السلام عليكم[
قالت: ]وعليكم السلام...[
]شو الأخبار؟[
]الحمد الله... وأنت أخبارك؟[
]تمام... تأخرتي وايد[
]كنت أغسل المواعين وانظف المطبخ... خلصت بسرعة عسب أشرد السطح
وأكلمك...[
]ااهاا... انزين ما خبرتيني... ليش تبين تموتين؟[
تنهدت... ثم قالت: ]شو تبيني أقول...؟؟... حياتي كلها جحيم في جحيم...[
قلت مشجع اً: ]فضفضي لي... أنا أسمعج...[
قالت بعد تنهيدة أطول: ]كل يوم نفس الحالة... غسل وتنظيف... حتى دراسة
ما أقدر أدرس... ولا حتى أقدر أسبح...[
قلت لها: ]صدق سندريلا... عيل وينه الفارس عسب ينقذج...[
قالت مازحة: ]وأنت شو خانتك؟[
]أنا الساحر... ألي بيخلصج من شرورهم...[
]حسستني!!...[
]شو فايدتي لو ما أحسس...؟[
ثم تذكرت الحلم... فأتى سؤال في مخيلتي... هل أنا أحبها فعلاً؟... قاطع
سؤالها حبل أفكاري... حين سألت: ]وأنت ليش تبي تموت؟[
ماذا سأقول؟!... لأن أمي راقصة... ترقص في الأعراس والحفلات أمام
الملأ؟؟... صعب جداً أن أعترف لها!!
قالت: ]بلاك ساكت؟!![
]لا بس... ما أعرف شو أقول...[
]قولي... صارحني مثل ما صارحت لك...[
ثم قررت: ]ما أقدر أقول لج الحين... خليها وقت ثاني... وقت أحس أنه
المناسب...[
]صدقني ما بخبر حد... أصلاً ما أعرف حد عسب أخبره...[
]لا تضغطين علي أرجوج عسب ما أجذب... كل شي بوقته حلو...[
]خلاص... مثل ما تحب...[
ثم تغيرت نبرتها: ]أقولك بكلمك عقب أوكي.؟؟.. يلا باي[
وأغلقت الهاتف... وأدركت حينها أن أحد ما كشف أمرها... ثم أشعلت المكيف
واتجهت إلى التلفاز لألعب البلاي ستيشن... ولا ألعب سوى كرة القدم... إنها
لعبتي المفضلة وأكثر امتاع اً...
وبعد ساعتين تقريباً صابتني سهام ناعسة لتجعلني أشتاق للسرير, فأطفأت كل
شيء ونمت نوماً عميق اً... علني أطير إلى عالم غير الذي أسكنه...
مضت هذه السنة الدراسية على خير... وها أنا أحمل الشهادة عائداً بها إلى
البيت سعيداً مختالا ... لقد نجحت أخيراً وسأنتقل إلى الصف الحادي عشرة...
أدبي بالتأكيد... فباب العلمي لا أعرف كيف يكون ولا أريد معرفته... وإما عن
أمي وأبي فهما لا يزالان في فرقتهما التي تمطرهما بالمال في كل حفلة...
خصوصاً أن الطلب عليهم قد زاد...
وإما عن سلوى... فكان حبها في قلبي يزداد شيئاً فشيئ اً... لم أرها سوى مرة
واحدة ولازلت أتذكر كيف يبدو وجهها... ولكني حتى الآن أعجز عن أخبارها
عن مشاعري تجاهها... فربما هي تحمل لي نفس هذه المشاعر... أتمنى ذلك
حق اً...
مع ذلك... فأنا لا أريدها أن تعرف حقيقتي ومن أكون أنا بالضبط!... ستصدم
وستكرهني, ولن تفكر بمحادثتي أبد اً... سحقاً لهذا القدر الذي ربطني بهذه
العائلة الحقيرة...
دخلت إلى البيت لأجدهم يجلسون في الصالة يشاهدون مسلسلاً خليجياً قديماً –
خالتي قماشة- فقاطعتهم بنبأ الشهادة... وفرحت أمي كذلك أبي الذي فتح لي
المجال لأختار ما أريد...
قلت له بثقة: ]أبي سيارة... صار لي فترة ماخذ ليسن بدون سيارة...[
قال أبي بسعادة: ]أبشر!!... أحلى سيارة لأحلى أحمد...[
حضنتني أمي بقوة وقبلت رأسي في سعادة بالغة... يبدو أنها كانت تنتظر هذا
اليوم بفارغ الصبر...
قلت لأبي: ]أبي س وفت... أبيها من الوكالة... الكل يمدحها...[
]ما طلبت شي... باجر بشتريها لك...![
جعلني كلامه سعيداً لأبعد حدود... أخيراً سأحصل على سيارة... فأرسلت
رسالة إلى سلوى بعد أن دخلت إلى غرفتي.. "نجحت... وأبوي بيشتري لي
سيارة"... أجابت علي بعد فترة... "ألف مبروك... تستاهل... عاد لا تنسانا
ومر علينا كل يومين وثلاث"...
فأرسلت لها "كل شي في وقته حلو..."
جلست على السرير واوصلت سلك الشاحن بالهاتف ووضعته قرب المخدة ثم
شعرت أن كندورتي ثقيلة وتزيد حرارة جسدي فخلعتها ورقدت على السرير
كالعادة... نظرت إلى السقف في تفكير... هل تحبني سلوى أم لا؟... ولم
تمضي دقيقة حتى أرسلت لي رسالة ... نهض بكسل والتقطت هاتفي, قرأت
الرسالة "الباجر خالتي وبناتها بيروحون عرس... شو رايك تيي ونتعشى مع
بعض؟"... فرح قلبي..!!... سأراها مجدد اً... ابتسمت وارسلت لها موافقتي
على اقتراحها... ونمت نوماً عميق اً...
فتحت عيني وصرت أشعر بكسل والخمول وفجأة شعرت أن السرير أصبح
ثقيلاً وحين أستدرت رأيت أبي ينظر إلي بابتسامة خبث, وسأل: ]بشو كنت
تحلم؟[
قلتُ بمزاح: ]أني أركب سيارتي اليديدة ومعاي بنت...[
تفاجئ: ]من الحين؟؟!!... صدق لو كبرت الله أعلم شو بتسوي[
]خلاص قريب أكمل 09 سنة... ثلاث شهور تقريب اً...[
]هيه خلاص... ريال أنت الحينه... بندور لك على حرمه بعد...[
ابتسمت وانا احاول الجلوس, ثم قالت بعد أن استقريت على وضعية مريحة:
]باقي لي بعد سنتين عسب أخلص...[
]بتخلص إن شاء الله...[
ثم نظر إلى عيني بخبث, وسأل: ]منو إلى ماخذه بالك...؟[
ضحكت وقلت: ]ما أقدر أقول الحينه...[
]يعني في بنت...[
ابتسمت في خجلت وقلت: ]هيه... ماخذه تفكيري كله...[
]اووب!! ما توقعت وحش!!... قول لي؟... هي تحبك بعد؟...[
نظرت إليه قائلا : ]ما أدري... لكني بسير لها باجر...[
]تتواعدون من ورانا؟!... انزين منو هي وكيف تعرفت عليها؟[
]سالفة طويلة... عقب بقولك عنها...[
ثم خطر في بالي سؤال بعد أن خيم الصمت للحظات: ]أبوي... أنت تحبني؟[
تفاجئ من هذا السؤال, وقال: ]سمعت عن أبو يكره ولده... طبعاً أحبك[
وضع يديه على خد ي وصار يداعبهما بإبهاميه, ثم قال: ]أنت وحيدي... الوحيد
ألي تم لي حي...[
]أنا كان عندي أخوان؟[
أغمص عينيه... ثم قال بعد تنهيدة طويلة: ]ثلاث من عيالي ماتوا بعد ولادتهم
مباشرة... عقبها ييت أنت... وألي غيرت حياتنا 919 درجة... وأسسنا هاي
الفرقة عشان نقدر نصرف عليك... أنت شمعتنا...[
سألت: ]أنزين أنتوا بعدكم شباب... تقدرون تييبون ولد ثاني...[
]أمك تعبت... وأنا تعبت... أنت ما تعرف شو يصير فينا لما نعرف أن الياهل
مات... كل شي في الدنيا يسود علينا... ولا نشتهي شي... لها السبب أمك
قررت ما تحمل مرة ثانية... لأنها تعتقد أنك الوحيد ألي بتم... مع أني أعرف
أن السبب الحقيقي أنها ما تبي تشوف ولدها الرضيع ميت بين يديها...[
شعرت بالحزن... أول مرة أسمع بهذه القصة... ثم سألت أبي بعد صمت:
]أنت ما لاحظت شي؟...[
]شي مثل شنو؟[
نظرت إلي عينيه... وقلت: ]أنا ما أشبهكم أبد اً...[
قال أبي بثقة: ]الكل يقول جي... والكل ملاحظ أنك تشبه أبوي الله يرحمه...
تشبه وايد...[
]ما عندك صورة ليدي؟[
]مات أبوي وأنا صغير وايد... وكان وقتهم ما فيه كاميرات مثل هالوقت...[
حق اً... الحمد الله على هذه النعمة التي لدينا... كيف يعيشون بدون
الكهرباء؟؟... كيف يعيشون بدون أجهزة التكيف؟؟... ولكن... بالتأكيد لا
يعرفون ما هي المعلاية... ولا يملكون ذاك العار الذي أمله أنا... ليتني كنت
الآن في تلك الأوقات!
قطع أبي حبل فكاري بسؤاله: ]بشو تفكر؟[
نظرت إليه لأسئله مرةً أخرى: ]أنت تحبني؟[
]قاعد أقول لك... ما شي أبو ما يحب ولده...[
قلتُ له والأصرار في عيني: ]عيل سكروا الفرقة...[
]نسكر الفرقة؟؟... ليش؟؟[
]أنت ما تقول أنك تحبني...؟؟... خلاص أنا أبيكم تطلعون من هالفرقة
وتسكرونها نهائي اً...[
نظر أبي إلي متعجباً حين سأل: ]إنزين ليش؟؟... ليش بينها نسكر مصدر
رزقنا؟؟[
<><><><><><><><><><><>



الفصل الخامس:-
نظرت إلى عينيه مباشرة حين قالت: ]أنت ما تعرف شو يصير لي من أذلال
فضيع من هذا ألي أسمه محمد في المدرسة وفي أي مكان يشوفني...[
]ما أعتقد أن هذا هو السبب...[
]كل ربعي عيال ناس محترمين... ناس لهم هيبة... ناس تعرف معنى
الكرامة!!... بس أنا شو؟؟؟...[
قال أبي والغضب يملأ عينيه حين نهضت من على السرير إلى دولاب
ملابسي: ]كم مرة أقول لك أن الناس هذيل عندهم شهادات!... عندهم
واسطات... عندهم كل شي!!... نحن شو عندنا؟؟... خبرني نحن شو عندنا؟؟[
قلت وأنا أخلع قميصي الداخلي –الفانيلة-: ]صدقك... نحن حتى كرامة ما
عندنا... ويمكن شرف بعد ما عندنا...[
وقف أبي على قدميه في غضب: ]كل هذا قاعدين نسويه عشانك أنت!! عشان
أنت تعيش!! ليش ما يترس شي عينك؟![
صرخت وأنا التفت إليه: ]ليتني مت ولا شفت هاليوم ألي أوطي راسي
لحد!!... ليتني مت مع أخواني!!... هم على الأقل أرتاحوا من كلام الناس ألي
بياكل ويهم!![
تقدم أبي إلي في غضب وصفعني بقوة ليكسر قلبي الضعيف وقال: ]لا يمكن
تفهم!! أنت لا يمكن تفهم!![
ظللت في مكاني واقف ووجهي متجه إلى اليمين... والقهر ممزوج بكل ذرة
أحساس فيني.
لبست كندورة بنية خفيفة بعد أن لبست ملابسي الداخلية, وقال أبي والندم في
عينيه: ]أحمد... أنا...[
قاطعت حديثه حين خرجت من الغرفة مسرعاً لأجد أمي تسأل: ]شو صار؟؟[
لم أكترث لها وخرجت من المنزل, والساعة الخامسة عصر اً... متجه إلى أي
مكان آخر... ولاحظت أنني نسيت هاتفي هناك في الجحيم الصامت... ولكني
لم أرد العودة... فأكملت طريقي إلى لا أعرف أين...
فوصلت إلى البحر وأخذت أمشي قربه وتطربني أمواجه... ونسيمه يداعب
شعري الناعم الطويل... وصرت أواسي نفسي بكلمات أغنية قديمة علني
أستعيد توازني...
يا جرح من وين ابتدي... تجبرني أحزاني أجيك
أنزف ويجرحني الزمان... وابعثر أوراقي عليك
لكني يكفيني أحب... يكفيني من هالدنيا قلب
وإن صار هذا الوقت كذب... يا جرح من وين ابتدي
الدمع أحبه والجراح... يا ليل ما يعرف صباح
لو طالت أغصانك شوي... أو صار لأحزاني جناح )من أغاني فرقة الأخوة(
ثم سمعت صوت طفل: ]صوتك حلو...[
نظرت إليه... إذ كان بقربي ولم انتبه... وكانت ملامح وجهه تملاءه البراءة...
واتجه إلى قدمي والتقط كرة صغيرة, ثم قال: ]ممكن تعيد الاغنية؟... ابي
اسمعها من أول[
سألته بملامح باهتة: ]ليش؟[
]صوتك حلو وودي أسمعك...[
لم أعره اهتماماً والقيت نظري إلى البحر من جديد... والشمس تقارب
الغروب... ولم تمضي سوى لحظات حتى أسمع صوت رجل كبير...
قال: ]يا الطيب... ممكن تغني للولد؟[
التفت إليه وسألت ببرود: ]وشو المناسبة؟[
]لا بس هو يقول أن صوتك رهيب... وقاعد يمدح فيك وايد...[
نظرت إلى البحر, ثم بدأت أغني نفس الأغنية ولكن بأحساس أكثر...
يا جرح من وين ابتدي... تجبرني أحزاني أجيك
أنزف ويجرحني الزمان... وابعثر أوراقي عليك
لكني يكفيني أحب... يكفيني من هالدنيا قلب
وإن صار هذا الوقت كذب... يا جرح من وين ابتدي
قال الرجل في دهشة وأعجاب: ]يا سلام عليك!! صدق صوتك رهيب...
بتكسر الدنيا لو صرت مطرب...[
لم ابتسم مطلقاً مما جعلت الرجل قلق اً, فسألني: ]ليش حزنان؟[
قلت له بكئآبة: ]لأني عايش على هالدنيا...[
صمت الرجل وكأنه لم يدرك ما قلت, ثم قال: ]صدقني الدنيا ما تسوى...
هونها وتهون...[
قلت له بثقة وبصوت مخنوق: ]إلا مشكلتي... لا يمكن لأحد يهونها...[
]وشو هي مشكلتك؟[
لم أجبه... حتى لو أصر فسأكذب عليه... أخذت انظر إلى البحر, فقال: ]كل
مشكلة لها حل... وإذا كان القدر ضدك... أكيد الله بيكون معاك... لا تيأس من
رحمة الله[
ثم مسك يد ولده وابتعد عني وكأنه يقول " شو هالمعقد؟ " لكني أبداً لم اهتم...
ورميت كل ما قاله خلف ظهري وعدتُ أدراجي...
اتجهت إلى البيت, ولكني لا أريد رؤية أبي... إنها المرة الثانية التي
يصفعني... فغيرت طريقي إلى الشارع العام... ولا أملك الجرأة لأخبره عن
السيارة التي سيشتريها لي... عموم اً... هو يحبني كثيراً وسيشتري لي السيارة
كما وعدني...
أنا أحبه... لا أنكر ذلك... ولكن تصرفاته تبعده عني... وكان السؤال الذي
يجول في خاطرهم... لما أنا مختلف عنهم؟... الضيق الذي أشعره في صدري
سينفجر في أي لحظة...
وضعت يدي في جيبي ولكني لم أجد الهاتف... فقررت العودة إلى البيت... إلا
أنني غيرت رأي بسرعة واتجهت إلى الشارع العام... وعندما وصلت...
أخذت أمشي على الرصيف إلى لا أعرف أين والسيارات المسرعة تتجه إلى
الأفق البعيد... وحين واجهت سوق السمك قررت الدخول إليه لأن فضولاً
انتابني لمعرفة أنواع الحيوانات البحرية الموجودة هناك...
فتحت الباب... لأصادف خالد... صديقي الذي درس معي... فسلمت عليه
وابتسمت ابتسامة متكلفة...
سأل: ]شو تسوي هني؟[
]ما شي... قاعد اتمشى وقلت خلني ادخل سوق السمج عسب اط ير الملل[
]صدقك... من خلصنا المدارس ونحن ما نعرف شو نسوي...[
نظر إلى الساعة ثم قال: ]الساعة ثمان...[
سألت: ]تتريا حد؟[
]هيه... أبوي صياد سمج... هو وأخواني ساروا يصيدون وقالوا بيون بعد
شوي... بس تأخروا...[
انتظرنا قليلاً حتى دخل ثلاثة رجال, وقد أدركت مباشرة أنهم أخوة ووالدهم
خالد وكان واحد منهم نحيلاً والآخران ممتلئا الجسد... وكانوا يحملون معهم
صناديق مليئة بالسمك, وضعوها على الارض ثم جلس أحد السمينين ورفع
وزاره عن قدميه الثخينتين لنرى جروحاً تشوههما كثير اً...
خفت: ]شو هذا؟[
قال خالد: ]من سنين وهو يجرح نفسه... بسبب الليخ أو لما يزلق من صخور
الشاطئ[
أشفقت عليه, وكأن أسداً ما غرس مخالبه فيهما... اتجهت إليهم وألقيت
السلام...
ثم سألت بأهتمام: ]عمي ليش ما تروح المستشفى؟[
قال: ]ما أعترف بالمستشفيات[
قال خالد: ]أبوي تر أبوه دكتور... بيقدر يعالجك...[
نظر إلي قائلا : ]ما شاء الله أبوك دكتور... كم يستلم؟[
قال أخو خالد النحيل: ]أبوي شو هالسؤال؟... عيب عليك...[
ثم قال أخوه السمين: ]أحسن عنك هو... دكتور... مو مثل بعض الناس
تقاعدوا وساروا يصطادون سمج...[
نظرت إليهم... إلى بسماتهم... وتمازجهم مع بعضهم... إنهم سعداء حق اً... لا
يخافون من شيء قد يوسيء سمعتهم وكرامتهم... ليتني كنت جزءاً منهم...!
]بلاك تفكر؟[
قطع خالد خيوط أفكاري بسؤاله فقلت: ]ما شي...[
نظرت إلى الصناديق وسألت: ]اصطدتوا كل هالسمج؟؟ متى بتبيعونهم؟[
قال النحيل: ]كلها دقايق وبتحصل الصناديق فاضية...[
هذه الدقائق تحولت إلى ساعة ونصف... وبعد أن باعوا كل السمك ركبوا
سيارتهم –بيكب- وغادروا وهم يودعوني... وإما عني أنا... فعدت إلى البيت
وكندورتي تفوح منها رائحة السمك...
وصلت البيت والساعة تدق على الحادية عشرة وربع, لم أجد أحداً بالبيت
فعرفت أنهم في أحد الأعراس ليقيموا عرضاً خليعاً أمام الرجال... دخلت
غرفتي وجسمي يقطر عرق اً والتقطت هاتفي الذي عبئ بالشحن الآن ولاحظت
رسالة على السرير... التقطها وفتحتها "هذا 999 درهم أشتري لك من أي
مطعم... نحن بنتأخر شوي"...
أخذت النقود ووضعتها في محفظتي, ثم أخذت الملابس من الدولاب مع منشفة
نظيمة وذهبت إلى الحمام لأستحم... وبعد الاستحمام... دخلت المطبخ وفتحت
الثلاجة وأخرجت علبة مكعبات دجاج مثلجة وقليتهم بالزيت وابتلعتهم مع
الخبز والكاتشب... وفتحت زجاجة "ديو" وارتشفت منه كي أروي ضمأي...
وبعد هذا العشاء نظفت المقلاة والصحون وعدت إلى غرفتي.
أرسلت لي سلوى رسالة قائلة "شو سويت اليوم؟"
فأرسلت إليها "سرت صوب البحر... وغنيت... فقالوا عن صوتي خبال"
فأجابت "عيل باجر غني لي... أبي أسمع صوتك"
ثم أرسلت لها "أكيد بسمعج صوتي العذب..."
أجابتني بوجه مبتسم "أوكي عيل... باجر موعدنا... يلا تصبح على خير"
"وأنتي من هله"
أطفأت النور... ونمت على السرير... فقد تعبت من المشي أعتقد أن وزني قد
نقص الآن...
<><><><><><><><><><>



الفصل السادس:-
طق طق طق... فتحت عيني من الخوف... فقد كنت أغط في نوم عميق...
ونظرت إلى الساعة التي تدق على الرابعة... ثم سمعت الطرقات من جديد ..
طق طق طق... عرفت أنه والدي وأتى ليعتذر... ولكني لن أفتح الباب... كي
لا يتجرأ ويصفعني مرةً أخرى... إلا أنه يستمر بالطرق...
وبعد نصف ساعة... عاد يطرق مرةً أخرى ليفسد علي نومي... لم أحتمله...
فنهضت بكسل وفتحت الباب... ليحضنين مباشرة دون سابق إنذار...
والأعجب من ذلك... أنه كان يبكي...
]أنا آسف ! ... والله ما بعيدها مرة ثانية !! ... تنقص أيدي لو أمدها عليك !!! ]...
أمي كانت قرب الباب تبكي أيض اً... إنهما يبكيان من أجلي... لأنني غضبت
منهما كثير اً... حين سمعت صوتهما صرت أبكي معهما وعيوني أمتلأت
بالدموع بسرعة وصرت أتنفس بصعوبة... حفلة عائلية رائعة أليس كذلك؟!
إنها المرة الأولى التي نبكي فيها سوية... فتذكرت خالد وأخوته ووالده كيف
كانوا سعداء يبتسمون... وليس مثلنا نبكي...
قال أبي بصوت متقطع: ]تعتقد... أننا ما نعرف... كيف أنت تحس؟... بس
نحن والله... ما عندنا شي نسويه... غير هذي الفرقة... باب رزقنا الوحيد...[
كان يحضنني بقوة وكأنه لا يريد أن يتركني أبد اً... ورغم أنني أسمن منه, إلا
أنه يدفئني بذراعيه...
قلت له كي أريح باله: ]خلاص... انسى الي صار[
]لا ما بنسى...!![
قال وكأنه قد يأس: ]حسيت أنك بتضيع مني... يكفي ألي راحوا ما بقدر
أستحمل فرقاك أنت بعد...[
لماذا أصبح أبي حساس اً هكذا؟... دائماً كنت أراه صلباً وكأنه لا يقهر... هل
لأنني وحيده؟!... لا يمكنني الجزم بذلك...
قالت أمي التي أقتربت منا: ]أنت ليش ما عندك رحمة على أحد... أبوك كان
خايف عليك حتى في العرس...[
قلت وأنا في حضن أبي: ]اليوم... شفت خالد في سوق السمج... وكان معاه
أبوه وأخوانه... كانوا يضحكون... يايين من البحر ومعاهم كراتين سمج
وباعوهم في السوق...[
نظرت إلى أبي: ]ليش نحن ما نسوي مثلهم؟[
لم يجب أحد منهما, فتسائلت: ]ليش نحن بالذات في هذا المصير؟... ليش القدر
ضدنا؟... أنا ليش ولدكم؟... ليش ما مت مثل أخواني؟[
لم ينطق أحد منهما, فصارحت: ]بس أنا متأكد أن في حل... لازم يكون في
حل...[
خيم الصمت لبضع لحظات, إذ لا أسمع سوى همسات البكاء, ثم تنحى أبي
عني وقبل جبيني ومسح دموعي الثقيلة, وقال: ]بقولك أياه من الحين... فكرة
أننا نطلع من الفرقة... انسى...[
قالت أمي: ]من ولدتك وأنت كنت همي الأول والأخير... مستقبلك كان أهم
شي في حياتنا أنا وأبوك... نبيك تتخرج وتشتغل...[
قلت معتذراً من قلبي: ]أنا آسف أمي... وآسف يا أبوي... أنا ضغطت عليكم
وايد...[
قبلت رأس أبي, ثم سألني: ]تعشيت؟[
]هيه... تعشيت بالمطبخ... سويت لي عشا بروحي[
]انا حطيت لك بيزات عالسرير[
]هيه أدري... بس أنا أحب أطبخ...[
سأل بحرص: ]تحب تطبخ ولا ناقصتنك بيزات؟[
]صراحة الاثنين...[
قالت أمي: ]لو ناقصتنك بيزات قول لنا... أنت مول ما تطلب منا شي[
ثم غادرا غرفتي بعد أن تمنوا لي نوماً هنيئاً وعدت إلى سريري الدافئ ولكن
ليس كحضن أبي... وبالي مطمأن وراحة كبيرة تغمرني... ووعدت نفسي أن
أغير مجرى حياة هذه العائلة كاملةً ... وبالتأكيد سأجد حلا ...
وفي صباح اليوم التالي, في الساعة العاشرة بالتحديد, دخلت الحمام لأغسل
وجهي وانظف أسناني في كسل ونعاس... ثم رتبت غرفتي واشعلت التلفاز
والبلاي ستيشن لأشبع رغبتي في الحصول على أكبر قدر ممكن من المتعة
ودائماً أجدها في لعبة كرة القدم...
ثم سمعت أمي تناديني... اوقفت اللعبة وفتحت الباب قائلا : ]شو...؟؟[
توقف كل شيء في جسدي وربما قلبي أيض اً... عيناي مفتوحتان من شدة
الدهشة...!!
مسك أبي يدي ووضع في كفي المفاتيح قائلا : ]مبروك... تاخذ خيرها ويكفيك
شرها[
لم استطع النطق من هول الصدمة ولكني قلت: ]هذي مو كأنها غالية؟!...[
قالت أمي: ]الغالي يرخص للغالي... وخذاها لك من الوكالة بعد...[
]كيف؟!... أنا اسمعهم يقولون الوكالة ياخذ أسبوع لين ما تطلعه[
قال ببساطة: ]هذا لو عن طريق البنك... لكن لو دفعت كاش وسجلت السيارة
في المرور بتحصلها اليوم[
]بس ما لقيت غير ألتيمه؟؟ وايد غالية هاي السيارة... أنا كنت أبي شي
بسيط... مثل س وفت[
قالت أمي: ]أنت تستاهل الأحسن...[
قال أبي: ]موديل السيارة 0991 ... يلا خذ سيارتك وتمشى فيها لين ما تمل[
اقتربت من السيارة قائلا : ]ما أعتقد أني بمل[
ضحك أبي وقال: ]بلى بتمل[
كانت سيارة بيضاء, فخمة جداً من الداخل... لأول مرة أشعر أنني راضي
عنهما...
وصرخت أمينة حين خرجت من غرفتها: ]يا ويلي!! لمن هاي السيارة؟![
ردت عليها أمي بسعادة: ]هذا سيارة ولدي... اليوم بو أحمد خذا له من الوكالة[
]مو جنها غالية؟!... ليش كل هالاصراف؟![
]والله ولدنا وناخذ له ألي يبيه...[
ثم صرخت: ]عزوز!!! عزوز!! تعال بسرعة!![
خرج زوجها من الغرفة أيضاً فانبهر بجمال سيارتي ولم يسعفه لسانه عن
التعبير... ثم نطق: ]ل... لمن هاي السيارة؟؟!![
قلتُ له وبابتسامة حبث: ]سيارتي... شو رايك فيها حلوة؟؟[
قال لأبي: ]قوية منك تييب له ألتيمه...[
ثم نظر إلي: ]تستاهل يا أحمد... تاخذ خيرها ويكفيك شرها[
خرجت من البيت بسرعة, وصرت أقود السيارة بسعادة بالغة... ثم رأيت إلى
المسجل والذي كان مشغل أقراص ليزرية وكاسيت أيض اً... فتوقفت قرب
أقرب محل التسجيلات ونظر إلى الالبومات التي يملكها وقررت أن أشتري
ألبوم "حسين الجسمي 0999 "... بسبب أغنية "الجبل" التي أسمعها من
زملائي في المدرسة... وها قد أكتملت السيارة...
وبعد أن تجولت في المدينة هنا وهناك... عدت إلى البيت في الساعة الواحدة
ظهراً وجلست مع أبي قليلا حتى وصلت لي رسالة ... "لا تنسى اليوم... لازم
تييلي بكون بروحي بالبيت... وعندي لك خبر مفرح"...
سأل أبي حين رآني منغمصاً في الرسالة: ]مب رسالة تخليك تبتسم جذي!...
من منو؟[
قلت له: ]من ربيعي[
قال: ]ربيعك ولا رفيجتك؟... أعترف تراني أعرف انها بنت...[
قلت له وقد أحمر وجهي: ]هيه بنت...[
ضحك أبي بتكلم حين رأى وجهي وتناول فنجان القهوة, وإما عني أنا فكتبت
لها: ]متى أيي؟[
أجابتني: ]على الساعة تسعة تكون موجود... بجهز لك ذاك العشا الي ما
اعرف كيف أوصفه لك...[
قلت بدون إرادة وأنا ابتسم: ]صدق سندريلا[
تسائل أبي: ]شو السالفة؟![
]لا ما شي...[
وفي وقت الغداء, كان الجميع ينظرون إلى التلفاز يشاهدون مسلسلاً تاريخياً
"الكواسر" رغم أن المسلسل قمة الإثارة والتشويق إلا أنه ليس من نوعي...
وفجأة قالت أمينة: ]أقول أحمد ليش ما تسوي رياضة؟؟[
نظرت إليها: ]وليش أسوي رياضة؟[
]شوف نفسك... كأنك فيل!... أنت حتى أمتن من أمك وأبوك... سوي رياضه
أضعف تر المتن مو زين[
قال زوجها: ]صدقج... سوي رياضة ولا البنات ما يحبون الكرش... أصلاً
أنت الدبدوب الوحيد فينا... كلنا نضعاف[
قلت لهما: ]أنا عايبني جذي... ومتعايز أركض مني ومناك[
قال أبي مقترح اً: ]شو رايك تسير الصاله الرياضية؟... أحسن لك... عندهم
أجهزة بتساعدك[
قالت أمي: ]صدقهم حبيبي... لازم تضعف... متنت وايد على آخر مرة...[
قلت في أستسلام: ]خلاص!! من باجر بسجل في الصاله... ولا يهمكم...[
قالت أمينة في أصرار: ]مب بس الصالة... تسوي رجيم بعد... وأنا بعطيك
رجيم قاسي... عسب تستوي ضعيف في شهر واحد[
وبعد الغداء... عدت إلى غرفتي وخلعت كندورتي وعلقتها على العلاقة
ورميت بجسدي على السرير الذي كاد أن ينهار وسرق النوم عيوني وأنا أفكر
بالخبر المفرح الذي ستخبرني به سلوى.
<><><><><><><><><><>



الفصل السابع:-
رن الهاتف!! ترن ترن ترن !!... إنه هاتفي المزعج... ألتقطه فقد كان تحت
مخدتي ونظرت إلى المتصل إذ هو "سلوى!!!!!"... نهضت كالثور حين قرأت
أسمها وأجبت على التصال لأسمع صراخها...
]أنت وينك؟؟!!... أطرش لك رساايل جي ما ترد؟؟!![
قلت وأنا اتثاوب: ]كنت نايم[
]نامت عليك بقرة!!... يلا قم!!... أتريااك من الصبح أثاريك راقد؟؟!![
]يلا ألحين ياي...[
أغلقت الهاتف, وأشعلت النور فإذا بالساعة الآن العاشرة!!... يا إلهي هل نمت
كل هذا الوقت؟؟...مستحيل!!... لم أنم لهذه الساعة من قبل!!... عموماً علي
الأسراع فقد تأخرت...
أخذت ملابسي من الدولاب... وطلبت من أمي أن تكوي كندورتي البيضاء
والغترة الحمراء ثم ركضت إلى الحمام لأستحم بماء حار يكوي جلدي و
وأستخدمت "صانسلك" لتنظيف شعري وخرجت بسرعة ونشفت جسمي
ولبست الفانيلة والوزار واتجهت إلى أمي ولبست كندورتي وعدت إلى غرفتي
لأراها تلحقني...
سألت وأنا أمشط شعري وأنا أنظر إلى المرآة: ]كل هالكشخة!!... جي وين
ساير؟![
]القلب يباني أمي... لازم أسير له[
]القلب!!... قصدك بنت!!!...[
]عيل كل هالكشخة حق واحد؟؟... أكيد حق بنت...[
]وتعطيني كاش بالويه عادي يعني؟؟؟[
]شو فيها...؟؟... أمي وأبي أكون صريح معاها[
]بخبر أبوك... وبيعلمك!![
]أبوي هو ألي شجعني أصلا ...[
]توقعت ها الشي[
نظرت إليها لأسئلها: ]ما عندكم عرس اليوم؟[
قالت وأنا أنظر إلى شعري الناعم المرتب والطويل: ]لا ما عندنا اليوم... باجر
في عرس بس بعيد وايد[
وضعت المشط على التسريحة ولاحظت أن الغترة ليس هنا, فقالت أمي بعد أن
قرأت أفكاري: ]أوه!... نسيت الغترة!... الحين بيبها[
فتحت الأدراج حين غادرت أمي لأبحث عن عطور فتذكرت أن أبي يحتفظ
بكميات هائلة من العطور بسبب ولعه بها... فأسرعت إلى غرفته لأجد أصنافاً
من العطور وأغلبها من "علياء القمر" و"باريس غاليري" و"سويس أريبيا"...
فصرت أتعطر من كل بستان زهرة... ووضعت دهن العود خلف أذن ي
وغادرت الغرفة لأجد أمي تبحث عني.
قالت وهي تناولني الغترة: ]مب بنت تسوي فيك جذي!![
قلت لها: ]الحب وما يفعل[
تعصمت جيداً بالغترة وأصبحت كالأمير الذي يبحث عن سعادته وغادرت إلى
السيارة لأسمع أمي توصيني بنفسي... ودعتها وأغلقت الباب...
ركبت سيارتي ثم نظرت إلى الهاتف لأجد خمس رسائل من سلوى وكانت
تسأل عني... فأرسلت لها الآن أنني قادم... ونظرت إلى ساعة السيارة ... إنها
العاشرة والنصف... ثم تحركت بالسيارة إلى محل المجوهرات وأشتريت
خاتماً ذهبياً وعليه قطعة من الألماس... وبعد نصف ساعة وصلت فأتصلت بها
لأبشرها بوصولي...
كان همي هو الخبر المفرح الذي ستخبرني به... أشعر وكأنه سيجعلني
أطير... وكنت متشوقاً أن أعطيها الخاتم وأفصح لها عن مشاعري تجاهها...
علي أن أتشجع...
فتحت الباب... نظرت إلي لتقول: ]شو هالكشخة؟!...[
وأخذت نفساً عميق اً, ثم قالت: ]يا عيني على العطر!!... كل هذا عشاني؟؟!![
ابتسمت لها بحب شديد, ثم قلت: ]تستاهلين أكثر...[
]حياك!! أقرب!![
دخلنا البيت ومن ثم إلى غرفة الطعام... دخلت الغرفة وانبهرت بأصناف
الطعام الموجودة على الطاولة... "فطائر مشكلة", "ورق عنب", "كباب دجاج"
و"حمص" والرز الأبيض والخبز اللبناني... والأهم من ذلك...
"الكوكاكولا"... الذي جعلني أعطش حين رأيته أمامي...
قالت لي بكل نعومة: ]تفضل...[
جلست على الطاولة وملامحي لم تتغير, فسألت حين جلست: ]أنتِ طابخة كل
هذيل؟؟[
قالت: ]الفطاير والكباب والعيش أنا طبختهم والورق العنب من برع[
فأكلت بدون أن أستأذن منها فضحكت علي حين رأتني آكل كل شيء وكأني لم
أرى طعاماً في حياتي... والأجمل من ذلك, أنها كانت تطعمني بيدها...
تأخذ الخبز وقطعة كباب وتمسح به الحمص وتمده إلى فمي, ورغم أنه مملوء
إلا أنني كنت أقضمه... كنت أستمتع كثيراً وهي تضحك علي وتبادلني
الأحاديث... شعرت وقتها أنني أسعد رجل في العالم... رغم الذي أصابني من
أمي وأبي والعار... إلا أنني كنت أظن نفسي في الجنة!!... كانت تدلنني
وكأنني زوجها فعلا ... وهذا الذي شجعني بأن أفصح عن مشاعري وأعطيها
الخاتم...
وبعد دقائق أختفى كل شيء... لم يبقى شيء على الطاولة وقد شعرت بالخجل
منها... وكأنني وحش مفترس لم يأكل شيئاً منذ أسبوع...
قلت لها: ]آسف ما خليت لج شي...[
قالت: ]ما عليك... أصلاً أنا تعشيت معاك وأنت ما كنت منتبه لي...[
]هيه والله... كان همي بس أعبي كرشتي...[
قهقهت بصوت عالي ثم قالت: ]عليك بالعافية... بس أنت مو ملاحظ أنك متنت
وايد؟[
قلت وأنا أضع يدي على بطني: ]هيه والله... زدت كم كيلو...[
]لازم تضعف... تراني ما أحب المتان... سوي رجيم ورياضة[
]عشانج والله أضعف...[
قلت لها حين رأيت عينيها: ]في شي... بداخلي... أبي أقولج أياه من زمان...
بس... أحس... أني مو قادر[
<><><><><><><><><><>




الفصل الثامن:-
قالت لي: ]أنا بعد عندي لك خبر مفرح... بس أنت قول أول[
]أوه صح!... قولي لي الخبر يلا...[
]لا أنت قول ألي عندك...[
]لالالا... أنتِ أول شي لأنج بديتي قبلي بالرسالة...[
]أوكي... بس خلني أغسل الصحون أول الشي...[
وقفت من على الكرسي وحملت الصحن الذي أمامي وأنا أقول: ]بساعدج...
يلا على الشغل...[
كان قلبي سعيداً إلى أبعد حدود... صعب حقاً أن أصف سعادتي... لأول مرة
في حياتي ابتسم من قلبي... وأشعر بأنني سأكون هكذا إلى الأبد...
ذهبنا إلى المطبخ ومعنا الصحون وبدأت أنظفها بالماء وال"فيري"... ثم طلبت
مني: ]ما سمعتنا صوتك... تقول صوتك حلو...[
وبدأت أغني بأقصى إحساس...
إذا ناوي تروح... أبفهم وين أروح
تخليني أعيش بعدك بألم وجروح
وإذا عني مشيت... وإذا غيري لقيت
منو غيرك أنا بلقى يا روح الروح
يعني ترضاها علي... تترك ايدينك ايدي
تنسى من عايش عشانك إن كان ميت ولا حي
وإذا نويت تعشق تحب ثاني
أمانه لا تنساني
أني أحبك موووووووووت...
)من أغاني عبدالله سالم(
صفقت بحرارة قائلة: ]يا سلااااام عليك!!... والله صوتك روعة!!... تغني
بأحساس!!...[
قلت لها بغرور: ]هع... ما شفتي شي...[
بعد أن نظفنا كل الصحون... جلسنا في الصالة التي كانت ضيقة بعض
الشيء... ولكن ستائرها الخضراء أذهلتني... وحتى الأرائك كانت جميلة
وكلاسيكية...
قالت لي بخجل: ]ما أعرف كيف أبتدي... بس مستحيه أقولك... وفرحانه وايد
في نفس الوقت[
ابتسمت لها برقة: ]قولي ألي بخاطرج... لا تستحين...[
قالت بابتسامة عريضة: ]أمس تقدموا لي ناس... وأنا وافقت...[
لم أستوعب ما قالته, فأردفت: ]قريب بتزوج يا أحمد... قريب بتخلص من
هالكابوس ألي أعيشه[
]بتتزوجين؟؟؟!!![
صعقت!!... ما الذي تقصده أنها ستتزوج؟!... ماذا عني أنا؟؟؟
]بلاك تطالعني جي كأنك مصدوم؟؟... أقولك بتزوج...[
قلت لها ولم تتغير ملامحي المذهولة: ]منو هذا الي بتتزوجينه؟؟!![
]ريال شايل نفسه... وملتزم بعد... مب غني ولا فقير... وحالياً يدرس في
الجامعة... يدرس شريعة... تقدم لي وأنا وافقت لأنه خلوق ومؤدب... والكل
يمدح فيه[
لم يستطع لساني النطق... فأضافت: ]هو أصلاً يدور حرمة تستر عليه...
وحرمه أبوي ما تبيه حق بناتها... فعقته علي... لكن المهم أنه ولد ناس,
صح؟[
نظرت إلي متعجبة: ]أحمد شو فيك؟؟!!... [
تجرأت أخيراً وبدون إدراك: ]بتتزوجين؟![
]هيه بتزوج... ليش مب فرحان؟[
]وشو عني أنا؟؟!![
]وأنت شو فيك يا أحمد؟[
صعقني سؤالها الساذج, فأطلقت ما في قلبي: ]أنا أحبج!!![
قالت بتعجب: ]كيف؟؟... تحبني؟؟[
وقفت على قدمي صارخ اً: ]هيه أحبج!!... وأبيج لي!![
وقفت هي الأخرى وقالت: ]أحمد أنت شو تقول؟!... تبيني؟؟!!... تبي
تتزوجني؟؟!!... هذا الي بخاطرك تبي تقولي أياه؟![
]هيه!!... أبيج لي!!... أنا أحبج من أول مرة شفتج فيها!!...[
ثم خرق سهم قارب ذاكرتي وأبعد تفكيري إلى الوراء قليلا , فأنا حتى الآن لم
أعترف لها بأي شيء عن والد ي وعن الفرقة والرجل الذي تقدم لها "ولد
ناس"... كيف أتصرف في هذا الموقف؟
قالت: ]أحمد أنت صدمتني... بس أنا ما أحبك...[
تقطع قلبي إلى قطع صغيرة حين سمعت جملتها, وقلت بصوت مخنوق: ]ما
تحبيني[
]لا مو قصدي ما أحبك... قصدي أنك صديق وأخو...[
]بس أنتِ كنتِ تأكليني بيدج...[
]كنت أكلك لأن كان شكلك يضحك[
نظرت إليها بقهر وكشرت عن أنيابي قائلا : ]شكلي يضحك؟!... أنا براويج
رجولة ألي يضحكج!![
طالت مخالبي... وهجمت عليها محاولاً شق ثيابها وبدأت بالصراخ والمقامة
ولكني كنت أقوى منها... فخارت قواي من هول ما كنت سأفعله بها... فتركتها
على الأرض وخرجت بدموعي...
ركبت سيارتي وصرت أصفع وأضرب نفسي وأبكي من شدة الندم على ما
كنت سأفعله بها... أشعلت السيارة وغادرت المكان في حالة يرثى لها... وكنت
طول دربي أصرخ وأبكي كالمجانين ولا أعرف كيف تمكنت من الوصول إلى
البيت بسلام...
نزلت من السيارة ودخلت البيت ولازلت أبكي ألم اً... وحين وصلت فناء
البيت... صرخت بأعلى صوتي: ]أميييييييييييييييييييييييييييييييي!![
خرج أبي وتلحقه أمي من غرفتهما ليجداني على الأرض... ركضا إلي
بسرعة والخوف حفر في وجهيهما... بكت أمي حين رأت حالي وأبي يسأل:
]شو ألي صار؟؟!!... ليش تصيح؟![
وضعت يدي على قلبي قائلا : ]يعور!! والله يعور!!...[
]شو ألي يعورك؟![
]قلبي يا أبووي!!... قلبي بيموت من العوار!![
خرجت أمينة وزوجها عبدالعزيز وحملوني إلى غرفتي وأنا أبكي كالأطفال...
وطلب أبي منهم الخروج ليبقونا بمفردنا...
جلس أبي على الأرض فوضعت رأسي على حجره وصرت أبكي بألم ويمناي
على قلبي...
سأل: ]شو ألي صار؟[
]بغيت أرتكب جريمة يا أبوي[
]قول لي كل شي بالتفصيل الممل[
كنت أتكلم بصوت متقطع لأني لازلت أبكي بحرقة: ]البنت... البنت الي كلمتك
عنها... بتتزوج...[
حزن أبي على ما قلته فقال: ]مو مشكلة يا ولدي... كل واحد ياخذ نصيبه
بهالدنيا... وأكيد هي زعلانة لأنها ما بتاخذك[
صرخت: ]هي طايرة من فرحة!!... تقول أخيراً بتزوج!!...[
]كيف؟؟... ما فهمت...[
]كنت أتحراها تحبني... كل شي كان يبين أنها تحبني... كنت عايش بسعادة
وكأني في الجنة... وكانت تأكلني بيدها... كنت وايد فرحان من داخلي...
وفجأة أعتفس كل شي!...[
أخذ أبي يمسح دموعي ورأسي في حجره... ثم قال: ]أنزين يمكن هي كانت
تعتبرك أخو بس... وأنا أصلاً ما أشوف أن الموضوع يستحق كل هالحزن
والصياح[
قلت له: ]مب بس هذا ألي مضايقني... قالت لي كنت أكلك بيدي لأن شكلك
يضحك... عقبها ما أعرف شو صار فيني[
ضحك أبي بسخرية ثم قال: ]بعد ما أشوف أن الموضوع يستاهل هالدموع[
قلت له: ]من قالت لي هالكلام... تغير حالي... وبغيت ارتكب فيها جريمة...
وهذا ألي مضايقني...[
]كنت بتذبحها يعني؟[
قلت له بكل صراحة ونفسي لا يزال متقطع اً: ]كنت بغتصبها![
فزع أبي وضربني على رأسي بقوة: ]أنت من صجك؟!... يا أبوي هذا
عرض!! شرف!!... بنات الناس مو لعبة عسب تسوي فيهن جذي...[
]والله أبوي ما أعرف شو صار فيني!!... كنت مصدوم منها وايد!... وكل شي
انتهى من بينا... خلاص...[
قال لي محذر اً: ]أياني منك تعيدها... أنت لو سويت هالشي معاها صدق بنطيح
بمصيبة!![
قلت له بحزن: ]أرجوك أبوي... خلني بروحي... أبي أرتاح... نفسيتي
تعبانة... مو مستوعب ألي صار أبد اً...[
<><><><><><><><><><>



الفصل التاسع:-
خرج أبي... وأطفئ الأنوار... ونصحني بالأبتعاد ونسيان ما حدث الليلة...
ولكن هيهات هيهات... كيف لي أن أنسى ما حدث... لقد خسرت كل شيء...
كنت في قمة النشوة... والآن في قمة الأسى... يبدو أن السعادة لا تناسبني
أبد اً... وقد ختم علي أن أعيش في عالم مليء بالأشواك...
وضعت رأسي على الوسادة بعد أن خلعت كندورتي ورميتها على الأرض
ولكن سرعان ما جلست وضممت أقدامي كي أشعر بالحنان... كان قلبي
يعتصر ألم اً... وعين سكبت دمعها من جديد بعد أن جفت... يا إلهي كيف
سأتحمل هذا الوضع؟!...
تنهدت من شدة الحزن... ثم بدأت أغني... علني أتحسن قليلا ...
ترحل يا أغلى الناس... قلبي ما تدري به
تهجر بليا أحساس... وين راحت الطيبه
بصبر وأقول لا باس... مكتوب وبرضي به )من أغاني فرقة الأخوة(
يا إلهي ما هذا الشعور المؤلم الذي يدمرني؟! أشعر برغبة شديدة في الموت...
وظللت على هذه الحالة حتى الفجر وعندها غفوت قليلا ...
وفي الصباح... طرقت أمي الباب ثم دخلت... كنت أعرف من قبل أنها
ستأتي...
قالت: ]حبيبي ما تبي تاكل؟[
أومأت لها ب "لا"... فقالت: ]والله أنها ما تستاهل حبك... ولا تستاهل كل
هالحزن[
نظرت إليها, فقلت بصوت مخنوق: ]كله منكم... لو أنا ولد ناس... ما كان هذا
حالي...[
لم تنطق... بل كادت أن تبكي... أعرف أن كلامي سيجرحها... ولكن حالها
ليس أسوأ من حالي... فأنا أتعس إنسان على وجه الأرض...
قلت لها: ]أطلعي برع وسكي الباب وراج...[
وحتى أطمأنها قلت: ]ولو يعت بزقرج[
خرجت وهي تجر خيبة أملها خلفها...
مضى يومان... وأنا على نفس السرير... لا أريد مغادرته... وقليلاً ما كنت
آكل... دخل أبي الغرفة بشراسة... ثم قال: ]أنا ما أبي أشوفك جي للأبد!... قم
أطلع برع!... سير شوف الناس!... ما عندك ربع؟![
قلت له ببرود: ]يكون عندي ربع عسب يعرفون من أكون؟[
]أنت شفيك؟!... شو ناقصنك عسب تسوي بعمرك جذي؟![
صرخت: ]ناقصني أسم!!... سمعة طيبة!!... ناس تهشر علي وتقول هذا
ريال!![
]نحن ما سوينا أي شي يضرك... وأنت تعرف أننا ندور مصلحتك... وحالتك
هذي ما عاجبتني... ألحين تطلع!![
لم أنطق بشيء... فجلس أبي على السرير... وقال: ]هذي مب نهاية العالم...
ومو الغلط أن الواحد يتعرض لهالمواقف... الغلط أنه يأذي نفسه بسببها...[
وضع يده على رأسي ثم مررها حتى غطى كفه الأيسر خدي الأيمن...
وشعرت بحرارته ورقة مشاعره...
قال لي بابتسامة حنونة: ]أنت جميل... وربي جميل...[
وضعت يدي الأيمن فوق يده الأيسر الذي يضعه على خدي... ثم قال: ]إذا أنت
ما تغلبت على نفسك... فبتم جذي للأبد... ومحد بيقدر يساعدك عقبها... لازم
تساعد نفسك... وتتخلص من هالأوهام ألي تسيطر عليك... أنت ريال كبير...
قريب بتكمل عشرين سنة...[
فسألته حين نزفت دمعة: ]شو أسوي؟[
قال لي بعد أن وضع يده الأخرى على خدي الأيسر: ]أول شي لا تصيح... ولا
تخلي دموعك تطلع عشان أحد... ثاني شي روح الحلاق وعدل شكلك... ثالث
شي تسبح ونظف جسمك... وعقبها أطلع روح أي مكان...[
أدخل يده في جيبه وأخرج 9999 درهم... ورقة نقدية واحدة... وقال لي:
]وأشتري كل الي بخاطرك... ولو تبي زيادة بعطيك...[
قلت له: ]خلاص بسمع كلامك... يمكن أطلع من هالحالة...[
]أكيد بتطلع... خلي يكون عندك الإرادة... والحين خلني أشوف أبتسامتك[
حاولت التبسم... ولكن عضلات وجهي لا تستجيب لمطلبي...
فقلت له: ]ما أقدر أبتسم... خلها عقب...[
وبعد أن خرج... أرتديت كندورة نظيفة وتعطرت... وخرجت إلى الحلاق
ومن ثم عدت إلى البيت وأخذت أستحماماً دافئ اً... وبعدها مشطت شعري بعد
أن جف... وارتديت كندورة أخرى وتعطرت... ومن ثم خرجت... ولا أعلم
ماذا ينتظرني من طعنات جديدة...
شغلت سيارتي وانطلقت إلى البحر... لأنني أحب غروب الشمس... فأريد أن
أرى الناس وهم في بحر برتقالي... فهذا يبعث الراحة إلي... وعندما وصلت
إلى هناك... حاولت قدر المستطاع أن ألقي أفكار وذكريات "سلوى" إلى البحر
حتى تبتعد إلى أبعد مكان...
وكان هناك فتية يلعبون كرة الطائرة... وعندما أقتربت منهم صرخ أحدهم:
]أحمد!!...[
ولوح بيده وفي وجهه ابتسامة عريضة... فلوحت له ولكن دوم ابتسامة...
صرت أشعر أن التبسم أمر مستحيل... لا أعرف لماذا لا تستجيب عضلات
وجهي...
قال: ]تعال ألعب معانا[
إنه خالد... الفتى الذي أحبه من قلبي... الذي أعتبرته أخاً قبل أن يكون
صديق اً... ولكن حين تقدمت إليهم لاحظت وجود "محمد" .. ذاك الذي لا يحب
لي أي خير... يستغل ظرفي ليحصل على ما يريد... كان ينظر إلي بخبث...
وهمس في أذن أحدهم فضحك وأخفى ضحكته... شعرت بنوع من الاهانة...
قلت لخالد: ]ما أحب كرة طايرة...[
قال: ]تعال يلا لا تستحي...[
]لو أبي ألعب كنت بدخل الميدان على طول[
رفعت كندورتي وربطت طرفها عند خصري كي لا تتسخ بالرمال... ثم قلت:
]بشوفكم تلعبون... براقب لعبك[
وافق على مطلبي وتحمس كثير اً... وصاروا يلعبون والشمس تغرب ببطئ...
وكنت أدقق على خالد... وفريقه... لم أكن أهتم أبداً بفريق محمد...
آآآآآآآخخ!!... سقطت على الأرض وضحك الجميع!!... لقد رموني بكرة على
رأسي!!... كم هذا مؤلم!
أتى إلي الفتى الذي همس محمد في أذنه وقال: ]أسمح لي ما كنت أقصد[
ومد يده ليساعدني على النهوض... ثم قلت: ]لا ما عليك... بس انتبه...[
أحضر أحد ما الكرة وبدأوا باللعب من جديد وكان تركيزي عند خالد وفريقه
ولكن حبال سلوى شدتني إلى ذكراها من جديد وصار تفكيري بعيداً إليها...
شعرت بالقشعريرة عندما تذكرت محاولتي في الأعتداء عليها... لازلت لا أفهم
السبب... لماذا فعلت ذلك؟!... هل الغيرة هي التي أجبرتني؟!... لا... لا
أعتقد... ربما شيء آخر... أو ربما لأنها أغضبتني...
آآآخخ!!... سقطت على الأرض من جديد وأنا لا أسمع سوى ضحكاتهم...
نظرت إلى الفتى الذي تقدم إلي... إنه محمد... غمز لي بابتسامة خبيثة ومد
يده... فنظرت إليه بقهر وكره... فقد أدركت أنهما تعمدا قذفي بالكرة...
نهضت من جديد, فرأيت نظرات غضب خالد يحرقهم في وجه محمد... يبدو
أنه أدرك أيضاً أن ما فعله محمد كان عمد اً...
وقفت في نفس المكان, لأنتظر ضربته الحقيرة الثالثة... أنا الآن في قمة
غضبي... وأعرف لماذا يثير أعصابي... لأنه يستغل عمل أبي وأمي... فإن
فعلت أي شيء له فضح أمري... لكن إلى متى سأظل أحتمل حقارته
ووغادته؟!... لن أسكت هذه المرة... ولا أعتقد أنه سيفضحني لأنه يخاف مني
فكيف لفتى في 91 من عمره أن لا يهابني؟...
قذفني مرةً أخرى ولكنها أصيبت كندورتي فتوسخت!... غضبت منه كثير اً...
فقال أحد منهم: ]مو كأنكم مصختوها؟[
ضحك محمد وصاحبه... فأدركت أن محمد أخبره عن سري... فاتجهت إليه
وقبضتي مضمومة بقوة...
وحين وقفت بقربه قال: ]شو تبا؟!... بتضربني مثلا ؟![
فصفعته بقوة وسقط على الأرض... فتدخل صاحبه ونال مثل محمد... صرخ
محمد في وجهي وهجم علي هو وصاحبه فتدخل خالد وأخذت أضربهم وكأنهم
دمى وأوقفنا سائر الفتية...
صرخ محمد: ]أنت كفو تضربني يا كلب؟؟!!... أنا ألي يضربني رياال!! مب
واحد أمه ترقص في معلاية!![
لم أنطق بشيء!... ولم أتوقع أنه سيقول مثل هذا الكلام!
صرخ خالد: ]عيب عليك هالكلام!... أستح على ويهك...!![
صرخ صاحبه بشراسة: ]هذا ألي تشوفونه أبوه لا دكتور ولا هم يحزنون!![
نظر خالد إلي, ولم أعرف بما أقول... فتلعثمت: ]يعني تبون تسبوني!!...
سبوني وما برد عليكم[
قال خالد: ]يعني لأنكم ما تقدرون عليه تبون تسبونه؟... مب مريله هاي![
قال محمد: ]أمه ترقص بمعلاية... وأبوه يدق طبول... ومسوين فرقة... [
ثم أضاف بابتسامة خبيثة: ]وهو أتفق معاي أني أخبركم أن أبوه دكتور كبير...
عسب ما تعرفون حقيقته... وهم أصلاً يعيشون من هالفرقة ألي مسوينها...[
نظر إلي وقال: ]تقدر تنكر كلامي؟... يا ولد رقاصة[
تلعثمت ولا أعرف ماذا أقول... وخالد ينتظر مني إجابة ... حصلت ما يكفي
من آلام بسبب سلوى... وها أنا أتدمر أكثر وأكثر بسبب أهلي!... ماذا أفعل؟!
فقال محمد: ]وإن ما مصدقيني... روحوا العرس الي موجود في الفريج
الثاني... وأسألوا ألي يدق الطبل عن أسمه[
ثم نظر إلى خالد وقال: ]وأنت تعرف شو أسم أحمد الكامل...[
نظر خالد إلي: ]صج كلامه يا أحمد؟![
قلت له: ]جذب... سير العرس وشوف بنفسك...[
قال لي بإصرار: ]أكيد بسير أتأكد!!...إن شاء الله بس ما تطيح من عيني[
<><><><><><><><><><>




الفصل العاشر:-
حاولت الأسراع إلى سيارتي ولكن رمال الشاطئ تبطئني... ووزني أيض اً...
وكان أمامي رجلان يتشاجران وبيد أحدهم دلو فيه ماء وعندما مررت بينهما
أراد الرجل سكب الماء على صاحبه ولكنه أخطأه وأصابني وكدت أن أموت
برد اً...
صرخ الرجل: ]أووبس!!... أسمح لي يا ريال ما كنت أقصد[
وقهقه الرجل الآخر بجنون, فلم أهتم لهما وتحركت بسرعة وقلبي مكسور
وعلى وشك أن أبكي... فقد توسخت ملابسي والآن أنا مبتل بالماء...
وصلت إلى سيارتي وأشعلت محركها والمكيف وانطلقت إلى البيت بسرعة...
وشعرت فجأة بألم في عضلاتي وخصوصاً عضلات رجلي... والجو صار
بارداً جداً وصرت أرتجف...
وصلت إلى البيت بعد أن غابت الشمس وأختفى ضياءها تمام اً... وعندما نزلت
من السيارة شعرت بآلام غريبة في جسمي تمنعني عن الحراك ولكني مجبور
على ذلك!
دخلت البيت, وكانوا على وشك أن يخرجوا إلى العرس, نظرت إلي أمينة
وكأنها تشاهد فيلماً مرعب اً...
صاحت أمينة: ]شو ها؟!... شو مسوي بعمرك؟![
قلت لها وأسناني تسطك من البرد: ]لا تروو... لا تروحون... العرس[
ثم سقطت على ركبتي بسبب ألم عضلات رجلي, فصرخت أمينة: ]أم أحمد!!
بو أحمد!! تعالوا بسرعة أحمد ما أدري شو فيه!![
خرجا من غرفتهما بسرعة وكذلك عبدالعزيز, خافوا علي كثيراً وحملوني إلى
غرفتي وطلب أبي منهم الخروج ليبدل ملابسي المبللة بثياب داخلية أخرى
دافئة وأرقدني على السرير بعدها دخلت أمي في خوف ووضعت يدها على
جبهتي وقالت في خوف: ]حرارته عالية!... لازم نوديه الطبيب![
مسكت يدها بقوة وقلت: ]لا تروحين!!... لا تروحين العرس!!... إذا عندي لكم
معزة في قلوبكم لا تروحون العرس!![
قالت أمي مصرة: ]مستحيل أسير وأنت على هالحالة!...[
قال أبي: ]ما نقدر نكنسل... الناس دفعوا بيزاتهم وزيادة... لازم نسير[
قلت لأبي: ]لا تروحون!!... الله يخليكم لا تروحون اليوم... لو تحبوني صدق
لا تروحون!![
قال أبي وقد أثرت شفقته وجلس على ركبتيه: ]الغالي ما نقدر... شو تبينا نقول
للناس؟![
وقف على قدميه وأنا أطلب منهم المكوث, ومسك يد أمي وأنا أمسك بيدها
الأخرى... وقلت: ]أمي لا تخليني... بموت لو خليتيني[
قالت وقد سحبت يدها: ]برجع لك!... ما بنتأخر واايد... كلها كم ساعة بس[
أطفأوا الأنوار وغادروا الغرفة, ثم أتتني فكرة متأخرة! لما لم أقل لأبي أن لا
يعترف بأسمه الحقيقي؟!... ولكنهم غادروا!... يا إلهي!! آلامي تكاد أن
تمزقني... لماذا حدث معي ذلك الآن؟!
أغمضت عيني وتنفسي صار يضيق أكثر وأنا أتأوى كالقط الجائع... ونمت
ولا أعرف ما الذي حدث بعدها...
تيت... تيت... تيت... تيت...
ما هذا الصوت؟!... لما لا استطيع فتح عيني؟!...
يا إلهي!!... آلام كثيرة تعذبني... وأشعر وكأنني في حمم بركانية!!
إين أنا بالضبط؟!...
أني أسمع صوت أناس يتكلمون ويتهامسون بلغة مختلفة لا أفقه عنها شيئ اً...
من هم؟!... وما الذي يفعلونه بي؟!...
يا إلهي!! إني غير قادر على تحمل هذه الآلام الموجعة!!
فتحت عيني بعد أن أخذت سباتاً طويلاً دام لساعات طويلة, وأراني على سرير
أبيض وغرفة تشع بياضاً والجو بارد منعش, ويدي اليسرى موصلة بأنبوب
شفاف... لا أحد في الغرفة... نظرت إلى النافذة لأجد الشمس في السماء... إنه
العصر...
فتح أحد ما الباب, ولم أعرف من القادم لأن الباب كان في زاوية أخرى خلف
الجدار... لقد كانت إمرأة فلبينية ترتدي زياً أبيضاً تجر عربة عليها الطعام.
قالت لي بلغة الانجليزية... فلم أفهم منها شيء... أدركت ذلك بسرعة فحدثتني
بلغة عربية مكسرة: ]يلا أكل... مشان ياخذ دوا[
فتفاجأت: ]أنا بالمستشفى!![
نظرت إلي بغرابة متعجبة مما قلت: ]هيه أنت داخل مستشفى... يلا أكل[
ناولتني الصينية, والتي كان فيها طبق من الرز والدجاج وسلطة وعصير...
قلت لها: ]ما يريد ياكل... أنا مافي جوعان[
]لا لازم أكل... هدا دكتور كلام...[
لماذا أنا لوحدي في المستشفى؟!... أين أمي وأبي؟!... هل يمكن أن أكون قد
انتقلت إلى عالم آخر؟!... ولكن ما الذي حدث بالأمس؟!
صرخت: ]عرفوا!!... لاااااء!!... خلاص عرفوا عني كل شي!![
وضعت يد ي على رأس من شدة الحسرة وصرت ألخبط شعري كالمجانين...
وشعرت وكأن حياتي توقفت هنا... فقد فُضحت بعد أن أخفيت هويتي عدة
سنوات...
]كله بسبب حمود!!... الله ياخذك يا حمود!![
خافت الممرضة وهربت إلى خارج الغرفة... ولم تكن سوى لحظات حتى
دخلت أمي وتبعها أبي... ثم أمينة وزوجها عبدالعزيز... نظرت إليهم وكأني
سأمزقهم إلى قطع صغيرة من شدة الغيض والغضب...
قالت أمي وهي تقبلني: ]حبيبي!!... الحمد الله أنك بخير!![
قال أبي وهو يجلس على السرير بقربي: ]متنا من الخوف لما شفناك على
السرير ما تتحرك ولا تتنفس... أتصلنا في الأسعاف على طول...[
أخذتني أمي إلى أحضانها... وهي تحمد الله على سلامتي... ولكن ملامح القهر
والغضب لم تختفي من وجهي...
قالت أمينة: ]أعتفسنا فوق تحت أمس بسبتك... ورقاد ما قدرنا نرقد[
قال زوجها: ]عن نفسي... تحريتك مت خلاص... لأن حرارتك كانت فوق
]... ال 09
قال أبي: ]خلاص أنسوا إلي صار... الحمد الله هو بخير[
نطقت أخير اً: ]أنتوا الحين شو تبون بالضبط؟[
لم يفهموا أي شيء... وهذا الذي جعلني أشعر بالأسى...
قلت: ]أنا ليش حظي تعيس في الدنيا؟... ليش كلما أكون فرحان أطيح في بئر
الأحزان؟... أنا شو سويت بالضبط عسب يكون مصيري جذي؟[
قالت أمي: ]ما عليه حبيبي المهم أنك بخير الحينه[
صرخت بقوة ورميت الصينية على الأرض بالطعام: ]أنا ما أتكلم عن
مرضي!!...[
خافوا وأبتعدت أمي عني, وصحت قبل أن ينطق أبي: ]أول شي... كنت
متضايق بسبب شغلتكم ألي تييب العار... وعقب بعد ما حبيت سلوى من قلبي
وصرنا نرمس بعض وايد... تقول لي بكل برودة إنها بتتزوج!!... والحين كل
الناس تعرف أني ولد رقاصة!!... وأبوي يدق طبول!!... كيف أقدر أستحمل
أكثر عن جذي؟!...[
قالت أمينة: ]الشغل مو عيب!... وأصلاً أمك وأبوك ما سووا ها الشي إلا
عشانك[
صرخت في وجهها: ]وأنا ما أبي ها الشي!!... أموت يوع ولا يقولون لي يا
ولد الرقاصة!![
خيم الصمت وبكت أمي بمرارة وأبي يشعر بالحزن وهذا واضح من
ملامحه... وأمينة تحاول تهدئة أمي وعبدالعزيز يفكر...
]ليتني مت مع أخواني... ليتني ما عرفت هالدنيا...[
نظرت إلى أبي, وأكملت: ]الكل يعرف منو أنا... مالي ويه حتى أطلع برع
البيت... أبي أنتحر![
قال أبي: ]شو تبيني أسوي لك عسب ترضى؟... أي شي... غير أن نطلع من
الفرقة!...[
قلت وبكل بساطة: ]ننتقل لمكان بعيد... بعيد وايد عن الفريج[
قالت أمي: ]وين نروح؟!... ما عندنا غير هذا البيت[
قالت أمينة: ]ربيعتي... حميدة... لو تذكرينها يا أم أحمد[
]هيه أذكرها...[
]قبل كم من يوم قالت أنها تبي تبيع جزء من بيتها... ومو محصلة شراي[
سأل أبي: ]كيف يعني جزء من بيتها؟[
قالت: ]بيتها كبير... توفى ريلها وورثت منه هالبيت... وهي وبنتها عايشين
في البيت وتبي تبيع جزء منه...[
نظرت إلي, وأردفت: ]يعني لو شرينا الجزء... بنعيش معاها في نفس
البيت...[
<><><><><><><><><><>





الفصل الحادي عشر:-
بعد أقناع دام لشهر وعدة أسابيع, ومعارضات ومفاوضات حامية الوطيس,
بيني وبينهم, نجحت في أقناعهم... خصوصاً عندما رأوني أشنق نفسي بحبل
علقته بالمروحة التي كادت أن تنخلع بسبب وزني الثقيل... رغم أنني نقصت
عدة كيلوجرامات... إلا أنني لازلت سمين اً...
الوقت عصر الآن, وها هو أبي الآن يفتح الباب... دخلناه... إنه بيت كبير
حق اً... أكبر من السابق... لونه أبيض وفوقه برتقالي غامق... وبعض جدرانه
موضوع عليها الحجر الأردني... ولكن ساحته ليست واسعة أبد اً... وهناك
درج عريض –أربع درجات- في الوسط وهو يؤدي إلى الصالة والغرف...
أتتنا سيدة نحيلة ترتدي تنورة زهرية وقميص زهري عادي, وشيلة سوداء
مزخرفة بالفصوص اللامعة...
قالت مبتسمة: ]هلا والله... أخيراً شرفتونا![
أخذت تقبل أمي أولاً ثم أمينة وسلمت علينا... نظرت إلي... فتغير وجهها
وقالت بدون أن تدرك: ]أنت بعد حزين؟!... أكيد لأنكم انتقلتوا هني[
ما الذي تقصد ب"أنت بعد حزين"؟... قالت أمينة بلا مبالاة: ]خلج منه هذا
دومه حزين[
نغزتها أمي بأن تصمت... ثم قالت: ]أنتوا تعرفون غرفكم... ما أعتقد أني لازم
أدليكم[
قال أبي: ]هيه أكيد... مريت على البيت أكثر من مرة...[
نظرت إلي وقالت: ]ألحين عرفت ليش أنت صاحب أكبر غرفة بالبيت...
هونها وتهون... وشي طبيعي أنكم تنتقلون من بيت لبيت[
تحركت مع أبي ودلني إلى غرفتي وكانت بالفعل أكبر غرفة!... وأثاثي القديم
موجود فيها... وهي أكبر بكثير من غرفتي السابقة... أغلقت الباب ورميت
كندورتي على السرير للأنني لا أرتاح بها أبد اً... أفضل أن أبقى بملابسي
الداخلية –الفانيلة والوزار- لأنها مريحة أكثر وخفيفة أيض اً...
رتبت الغرفة... وضعت التلفزيون في وسط الجدار, والسرير قرب النافذة
وأخرجت البليستيشن... ولكني لا أرغب باللعب... فقط أخرجته... وجعلت كل
شيء مثل ما أريد... وأنتهى الأمر بوضع ملابسي في الدولاب...
نظرت إلى السرير... وكأنه يناديني للنوم... يريد معانقتي... فأستجبت لمطالبه
وقفز عليه كالثور الهائج... ونمت نوماً عميقاً جد اً...
صرت أرى نفسي في ساحة البيت الجديد... والوقت منتصف الليل... جميع
الأنوار مطفأة إلا نافذة واحدة مشتعلة... أقتربت من النافذة... وفتحت!
فتحت عيني من شدة الخوف... ولم أعرف من الذي فتح النافذة... لم أشعر
بالراحة... حيث أن غرفتي كانت مظلمة... نهضت من السرير وأشعلت
الأنوار... نظرت إلى الساعة الذهبية المعلقة... إنها الواحدة صباح اً...
فتحت الباب والكنت الصالة مظلمة أيض اً... فأشعلت أنوارها وفتحت الباب
ببطء كي لا أوقظهم من سباتهم... ثم تركت الباب مفتوحاً لينتشر الضوء في
الباحة رغم قلته...
جلست على الدرج العريض, ولاحظت أن نور تلك النافذة مشتعلة!... إنها نفس
النافذة التي رأيتها في الحلم!... غرفة من هذه يا ترى؟!... لم أفكر أبداً
بالأقتراب منها!... فالحلم قد أفزعني كثير اً...
نظرت إلى النجوم والقمر... وتذكرت سلوى... كيف كنت أراسلها عبر
الهاتف!... وكيف كانت تخبرني عن كل شيء يدور حولها!... أشتقت إليها
كثير اً... أتمنى أن أراها من جديد... ولكني حاولت جرحها... وتهجمت
عليها... ولا أعرف السبب حتى الآن... لما؟... لما فعلت بها ما فعلت؟!... جيد
أني تراجعت وهربت قبل أن أرتكب جريمتي... عموماً أعتقد أنها الآن
متزوجة... وربما حامل أيض اً... علي أن أنساها بسرعة... ولكن قلبي لا يزال
يحبها...
تنهدت وأسندت رأسي على الجدار الملتصق بالدرج... وصرت أغني... وكان
صوتي يعلوا أكثر وأكثر...
مظلوم في حياتي... هيه والله مظلوم
حبيبي عيشني في الحزن والهموم
وين أروح وين أروح وين وين أروح
قلبي أنا مليان كله جروح
أنا عشت أيام حلوة وعشت أيام لعينة
وعشت أيام الفرحة وأيام حزينة
والكل يقولي ليش يا حمود ما عندك حبيب
والكل يقولي يا بو جموع أنت شخص عجيب
والله حرام تروح وتخليني... يا فلان ليش تبغي تعذبني
دخيل الله لا لا تتركني... والله أحبك بليز أفهمني
حرااام تجرحني وتروح... قلبي أنا مليان كله جروح )من أغاني بوجمعة
المرفاوي(
تذكرت خالد ومحمد والبقية... جميع تلامذتي... سوف أشتاق لخالد كثيراً لأنه
كان صديقي وأخي المقرب... قد لا أراه مرةً أخرى... وهذا كله بسبب
محمد... إذا رأيته سوف أقتله هذه المرة... فقد جعلني حقيراً عن جدارة...
وأنطفئ النور الموجود خلف النافذة... يبدو أن الشخص الذي يسكن الغرفة
سينام الآن...
ومن تلك اللحظة... صرت أسهر في نفس البقعة يومي اً... أتذكر جروحي مع
سلوى وآلامي مع خالد... وكنت أواسي نفسي بالغناء... لساعات متأخرة...
وكثيراً ما كنت أنام على الدرج... والفضول يريد أن يقتلني... من في تلك
الغرفة؟!...
قالت لنا "حميدة": ]تقدرون تدخلون أي غرفة... إلا الغرفة ألي بالحوي[
لماذا؟!... من في الغرفة؟!... لما لا تريد أخبارنا؟!...
<><><><><><><><><><>





الفصل الثاني عشر:-
ها قد فتحت المدارس أبوابها من جديد, وقد انتقلت طبعاً إلى مدرسة أخرى
لأني الآن بعيد جداً عنها... إنها بالضبط نفس المدرسة من ناحية البنيان ولكن
المدرسين والموظفين مختلفون بالتأكيد... عموم اً... ليست لدي أدنى فكرة عن
ما سألاقيه في هذه المدرسة...
أنا الآن في الثاني الثانوي الفرع الأدبي... وليس لي أي علاقة بالعلمي
مطلق اً... أخذت أتجول بين الصفوف باحثاً عن أسمي والطلاب منتشرين في
أرجاء المدرسة كالنحل... وكان معظمهم قصيروا القائمة... حتى أني شعرت
أنني الأضخم من بينهم...
ها قد عثرت على صفي... إنه في الطابق الثاني... وكان عدد الأسماء
المكتوبة على الورقة المعلقة على الباب 09 أسم اً... ومن بينهم أسمي طبع اً...
دخلت الصف وكان هناك عدد من الطلاب يتبادلون الأحاديث فيما بينهم...
ألقيت السلام ورميت نظري على آخر طاولة في أقصى اليسار... جلست عليها
ولم أكن أبد أركز على الطلاب... وشعرت أنهم يتهامسون حولي... ولم
تمضي ساعة حتى أجتمع كل الطلاب في الصف وأتى المدرس بحقيبته...
ومضت الأيام, وكل يوم تحدث مشكلة في المدرسة... وأشعر أن الجميع
يعرف عن حزني عندما ينظرون إلي لأن الكثير منهم يسألني عن سبب هذه
الملامح الحزينة... حتى الابتسامة أختفت من وجهي تماماً ولم تعد تريد
الظهور...
لم يقترب مني أحد, ولم يحاولوا حتى التقرب مني... وكأني غير موجود في
هذه المدرسة...
في أحد الأيام, وفي الفسحة المدرسية... كنت أجلس على كرس ي أتناول شطيرة
الجبن وأشرب عصير البرتقال... وكان بقربي طلاب فاسدون... يحبون خبز
المشاكل في كل مكان... وعلى نار هادئة أيض اً... ودخل أحد طلاب الصف...
إنه ميحد... طالب في الخامس عشر من عمره تقريب اً... قصير ونحيل
الجسد... من تصرفاته عرفت أنه معقد... حتى أن حديثه صعب أن يفهمه
أحد...
بدأ أحدهم: ]أنت!!... تعال تعال[
قال ميحد: ]شو تبا؟[
]تعال لألعنك هني...[
كانوا أربعة... يجلسون على الكراسي الأخيرة... وعندما وصل إليهم أجلسوه
قربهم وأخذوا يسألونه أسئلة محرجة جد اً... وعليه أن يجيب عليها... ولكنه
كان يعاند قليلا ...
وعندما رد عليهم بالمثل قام أحدهم وصفعه... فرد الصفعة رغم علمه بأنه
سيتأذى منه... وأخذ يضربه بقسوة وبدون شفقة... تألم قلبي من أجله ولكن ما
باليد حيلة...
وفي المساء... في الساعة 99 ليلا ... عدت إلى بيت بعد أن ذهبت إلى السوق
لأشتري لي بعض الحاجيات... ومنها ملابس جديدة وألعاب جديدة
للبليستيشن... وأشتريت ملطف وشامبو ومزيل العرق...
فتحت باب البيت وبيدي أكياس كبيرة... السيارة الكبيرة أو الحافلة الصغيرة
ليست هنا... هذا معناة أنهم في عرس ما... يبدو أن أمي وصديقتها يقضيان
وقتاً ممتع اً...
مررت قرب الغرفة الغامضة... وكانت أنوارها مضيئة... ولكن الذي لم
أتوقعه في هذه الغرفة هو... صوت بكاء... أسمع صوت أحد ما يبكي... وهو
موجود بالغرفة... أنا متأكد...!
توقفت وهلة أنظر إلى النافذة... ولكنني لم أقترب منها أبد اً... ثم تابعت سيري
إلى غرفتي بعد أن انطفأت الأنوار من جديد... أنا متأكد بوجود سر غريب في
هذه الغرفة...
دخلت غرفتي وأشعلت الأنوار... وضعت الأغراض على السرير... ورتبتهم
جيد اً... حيث أني وضعت الملابس في الدولاب والشامبو والملطف ومزيل
العرق في الحمام والألعاب قرب البليستيشن...
وعندما نظرت إلى السرير... وجدت ورقة غريبة عليه... أعتقد أنني لم أنتبه
إليها لأني وضعت الأكياس فوقها...
ألتقطها وفتحتها... وقرأت...
]صار لي فترة أسمع صوتك وأنت تغني في الحوي... مرات تصيح ومرات
تضرب راسك الجدار... أشوفك وأنت ترد من المدرسة بعيون ذبلانه وملامح
حزينة... عمري ما شفتك مبتسم أو حتى معصب أو مضايق... كله منزل
راسك تحت وكأن هم كبير يغطي على صدرك... ممكن أعرف قصتك؟...
حط رسالتك تحت باب غرفتي ألي بالحوي... وأنا بقراها بالتأكيد[
هل هو من الغرفة الغامضة؟!... ولكن كيف عرف غرفتي؟!... والأهم من
ذلك... من يكون بالضبط؟!...
شققت ورقة من دفتري المدرسي... وألتقط قلماً من مقلمتي... وكتبت...
]قصتي محد يعرف عنها غيري أنا بس... وما أبي أحد يعرف موضوعي...
إلا إذا عرفتني على نفسك... وخبرتني من تكون وليش حابس نفسك... وكيف
عرفت غرفتي... ومب من حقك تدخل غرف الناس...[
طويت الورقة... وركضت إلى غرفته ووضعت الورقة تحت الباب... طرقته
ولذت بالفرار...
رجعت إلى غرفتي وخلعت كندورتي ورميتها على الأرض وأطفأت الأنوار
ونمت بسلام على سريري...
برد!... يد باردة لمست وجهي... فتحت عيني... نظرت إليها... إنه أمي...
تنظر إلي بإبتسامة حنونة... وقالت: ]قمت حبيبي... كمل رقادك[
جلست على الوسادة... وعانقتها بقوة... فبادلتني العناق بصدر رحب...
دخل أبي وقال: ]بلاكم وكأنكم أول مرة تشوفون بعض...؟؟[
سألتني أمي: ]تعشيت؟[
قلت: ]لا ما تعشيت...[
]عيل قم تعشى عقب كمل رقادك[
نظرت إلي على أمل أن أبتسم... ولكن وجهي لا يريد أن يتغير... ربما لأنه
يعكس ما في داخل قلبي من آلام...
نهضت من السرير ولحقت بأمي... ثم نظرت إلى الساعة... إنها الواحدة
صباح اً!... أشعر بأنها المرة الأولى التي أتعشى في هذا الوقت المتأخر...
وأعتقد أن السبب يعود إلى العرس... لم يتعشوا بالتأكيد...
عندما دخلت إلى الصالة, لم أجد سفرة... بل وجدت كيساً كبيراً وعليه الحرف
الأول من "ماكدونالدز"... وجميع الشطائر هي "بيج ماك" ... سال لعابي قليلاً
وألتقطت شطيرة من الكيس وبدأت آكل بدون أن أغسل وجهي... وصرت
أسمع ثرثرتهم عن العرس والأعراس التي سيذهبون إليها في الأيام المقبلة...
من قبل كنت أتأثر كثيراً لهذا الموضوع... الرقص والغناء في الأعراس أمام
النساء والرجال... أما الآن فلم أعد أهتم... بعد أن جرحتني سلوى وتخلى عني
خالد وغدر بي محمد لم يعد يهمني شيء مطلق اً... سأبقى هكذا للأبد... ولن
أكذب مرةً أخرى حيال هذا الشيء... لن أوهم الآخرين أنني ابن رجل غني
ومحترم ذو وظيفة مرموقة...
ذهب الجميع إلى النوم... وأنا بعد أن أغتسلت ونظفت أسناني جيداً عدت إلى
الفراش... ولكن هذه المرة قد أختفى النعاس من عيني تمام اً... وصرت أتذكر
المدرسة... وتقلبت على الفراش يمنة ويسرة ولكن دون فائدة... فأخذت هاتفي
النقال واتجهت إلى باحة البيت –الحوي- وجلست على الدرج كالعادة...
اتجه ناظري إلى القمر والنجوم... فغمرتني نسائم الشتاء الباردة المنعشة...
وأخذت الذكريات القديمة تتدفق إلي من جديد لتأسرني بأغلالها القاسية... لأن
كل شيء حدث عكس ما كنت أتخيله وأتوقعه...
أمي وأبي اللذان يحباني كثيراً لا يريدان التخلي عن هذه الفرقة الحقيرة... حتى
أفتخر بهما أمام كل الناس...
سلوى... التي كانت زهرة حياتي وحبي الأول... التي كانت تعاملني بكل حنان
ورقة... حتى وقعت على أجنحة حبها... تفاجئني بسعادتها الغامرة بالزواج
برجل أصيل...
خالد... الذي كنت أعتبره أخي وصاحبي... كنت سعيداً معه وزمالته في
المدرسة جعلتني أتحمس للنجاح... يكتشف حقيقتي وبالتأكيد كرهني كرهاً
شديد اً...
محمد... الذي وعدني أن لا يفضح أمري... لعب بمشاعري وأسمي ليصل إلى
مطامعه... وفي النهاية صار يعاملني كالحشرة... حتى ضربته وأعترف
للجميع عن حقيقة أبي وأمي...
لكن التي دمرتني تمام اً... هي سلوى... كل تصرفاتها كانت تدل على أنها
تحبني... كل شيء... لم أتوقع منها ذلك... أبداً لم يتصور عقلي...
يا لها من جروح... لا أعلم متى سأتخلص منها... حتى أخفف عن نفسي...
صرت أغني... تماماً مثل كل ليلة... بصوت يغمره الأسى...
ناديت والليل جاوبني وبكاني... محدن سمعني سوى ليلن نزع دمعي
ما غير ليلي من الأحباب واساني... يا ويل من هم له ربعه مثل ربعي
طالت مسافاتي وتاهت بي أزماني... وعلمني الوقت كيف أقسى على طبعي
ومن طاول الوقت لو هو قاسي لاني... ومن يرفض العشر يقبل عقبها سبعي
كم عاقلن صار بأمر بالحب هيماني... وكم قلب عذره ترك فيه الهوى صدعي
يا عازفن بالهوى منظومة الالحاني... رد المواجع نغم في قلبي وسمعي
غن الغزل ينتعش خفاق ولهاني... وأشرب زلال الهوى من كاسي ونبعي
مدام أنا حي كل الحب ميداني... وأن مت يا حادي الأشواق لك بدعي
)من أغاني عباس إبراهيم(
<><><><><><><><><><>





الفصل الثالث عشر:-
في المدرسة, كنت أجلس لوحدي على الطاولة... إنها الفسحة... والطلبة الآن
يتصارعون قرب المقصف من أجل الشطائر والمشروبات... وبعد لحظات
وصلت المجموعة الفاسدة في الصف... وكانوا يتذمرون لأن امتحان
الرياضيات كان صعب اً... وسأكون أول الفاشلين كالعادة لعدم تركيزي في
الدرس...
قال أحدهم: ]هذا كله بسبه ميحد... قلت له غششني وسوا لي طاف...[
قال آخر: ]حتى حقي... يلست حذاله وما غششني...[
قال ثالث: ]ها هو يا... بينضرب الحينه...![
دخل ميحد, حتى سأله الأول مباشرة: ]ليش ما راويتني ورقتك؟![
قال بعناد واضح في عينيه: ]كيفي! ما أبي أغششكم![
ميحد رغم معرفته بأنه الأضعف, إلا أنه يعاندهم ويصر على رأيه... والجدير
بالذكر هو أنه المتفوق والأذكى في الصف بين الطلاب... وهو الوحيد المهتم
بدراسته...
تقدم أحدهم إليه والشرر يتطاير من عينيه وهو يقول: ]لا تسوي عمرك ريال
علينا[
مسكه من كندورته وهو يهدده: ]إذا الامتحان الياي ما غششتني يا ويلك,
تفهم؟![
]لا ما أفهم![
صفعه بقوة وأخذ يضربه بقسوة والآخران يضحكان عليهما... سقطا على
الأرض وأجتمع عدد كبير جداً من الطلاب يصفقون ويشجعون... ولم يوقفهما
أحد... لم أشعر بالراحة وأنا أرى ذاك الضعيف يضرب كالجرذ... فوقفت على
قدمي وتدخلت بينهما وأوقفتهما في الحال...
مسكت بيد ميحد وسحبته خلفي, قلت لذاك المجرم: ]شفيك عليه؟![
صرخ: ]أنت مالك خص!!... ولا تدخل!![
رفعت يدي وصفعته بدون شفقة حتى أعتقدت أنني كسرت سنه... ضحك
الجميع وتدخل الآخران...
قال أحدهم: ]يعني أنت الحين طول الوقت ساكت وما قلت شي!!... الحين
تتكلم؟![
]كيفي!!... أتكلم وقت ألي أبي!!...[
ثم هدتهم: ]وأن شفتكم تتعرضون له مرة ثانية بقص رؤوسكم!!...[
قال أحدهم: ]أونك تخوفنا؟!...[
تقدمت إليه ببطء... كنت الأضخم... والأطول... والأسمن أيض اً... والوحيد
الذي يغطي خداه باللحية من بين جميع الطلاب بلا أستثناء... ربما بسبب فرق
العمر... فأنا أكبرهم سناً بثلاث أو أربع سنوات...
قلت له كي أبعث الخوف في نفسه: ]إذا حطيتك براسي... ما بترجع البيت إلا
وأنت مشوه... فلا تتحداني أحسن لك...[
قال آخر: ]يعني ليش ميحد بالضبط؟!... ليش ما يكون حد ثاني؟![
حق اً!!... لم أفكر بهذا السؤال مطلق اً!!... لماذا ميحد بالتحديد؟!...
قال الثالث بابتسامة ماكرة: ]هاا!! لا يكون تحبه... ولا بينكم شي[
قلت له وللجميع: ]نعم أحبه... عندكم مانع؟![
فنظرت إليهم جميع اً: ]أنتوا ما تعرفوني عدل... فلا تلعبون بأعصابي أحسن
لكم... وميحد محد يجيسه بشي... وإن أشتكى لي من أحد... بيصير نهاره
ليل...[
ثم نظرت إلى الثلاثة –المجموعة الفاسدة- وقلت لهم وأنا ألعب بوجوههم
بصفعاتي: ]إن ما هديتوه وخليتوه في حاله... بتصيحون... تفهموني ولالا؟![
نظرت إلى ميحد ورأيت نظراته المتعجبة والمتسائلة, ثم عدت إلى كرسيي
ورن الجرس ليعلن عن انتهاء الفسحة...
عدت إلى البيت, ودخلت غرفتي حين قالت أمي أن الغداء جاهز, فرميت كتبي
على السرير ولاحظت وجود ورقة عليه... فتذكرت صاحب الغرفة الغامضة!
ألتقطت الورقة وفتحتها بسرعة... وقرأت...
]أولاً هذا البيت كان بيتنا ومن حقي أدخل أي غرفة أبيها... وثانياً صوتك
المعذب وأسلوبك المؤثر في الغنا أثر فيني وايد وأنا أسمعك بالليل... هذا غير
ملامحك الحزينة ألي أشوفها يومياً من دريشتي...
أنا ودي أسمع قصتك... ليش هالحزن كله؟!... وأنا ما أقدر أخبرك عن نفسي
حالي اً... وأنا حابس نفسي لأسباب خاصة...
أتمنى أن تكتب لي قصتك الحينه وتحط الورقة تحت باب غرفتي...[
غضبت من الرسالة... فشققت ورقة من دفتري وكتبت...
]قلت لي أسباب خاصة... يعني أنت الوحيد ألي لك أسباب خاصة؟!... أنا
متأكد أن موضوعك حساس أكثر بوايد من موضوعي... وبصراحة... أنا بعد
لي فضول أن أعرف من أنت وشو قصتك بالضبط... والسؤال ألي يقتلني هو
ليش حابس نفسك؟!... ليش ما تطلع للناس؟!... ولما أعرف قصتك أنا بخبرك
بقصتي... غير جذي ما شي... وأنا بسميك غامض لأنك بالفعل مليء
بالغموض[
طويت الورقة وركضت خلسة إلى غرفته ووضعتها تحت الباب, طرقت الباب
مرة واحدة وهربت إلى الغداء كي لا تقلق أمي...
صار عندي فضول كبير أن أعرف من يكون خلف ذاك الباب وما قصته...
والأهم من ذلك بماذا سيجيب علي هذه المرة...
وفي اليوم التالي, نهضت من السرير واتجهت إلى الحمام لأغسل وجهي, ثم
بدلت ملابسي وحملت كتبي وقبلتني أمي وركبت سيارتي, وإلى المدرسة...
كل هذا حدث بسرعة البرق!... كالروتين العادي... فيومي يبدأ هكذا حتى
صرت أصل إلى المدرسة بسرعة...
دخلت الصف ولم أجد سوى شخص واحد... ميحد... جلست على كرس ي ولم
أسلم حتى... ووضعت كتبي في الدرج الخاص بالطاولة لأجده أمامي...
قال بلطف: ]شكراً لأنك دافعت عني أمس[
لم أجبه ولم أكترث له, فأنا في الأساس لا أعلم لما قمت بذلك...
أكمل: ]دوم يضايقوني ويلعوزوني... بس ما أعتقد أنهم بيلمسوني بعد ألي
صار[
قلت له: ]تراك عديم الشخصية... وما تعرف كيف تتعامل معاهم...[
توقعته أن يغضب ولكنه قال بحزن: ]أدري... وأعرف الأسباب ألي خلتني
جذي...[
ثم نظر إلي وسأل: ]أنت ليش ما تبتسم؟![
التفت إليه لأجده مبتسم الثغر, فقلت بدون أدراك: ]ما أدري...[
فقال لي: ]جوابك مقنع... وأعرف أنك ما تقدر تبتسم...[
كيف عرف؟!... هل عرف حقاً أم أنه يسايرني؟!... ولماذا قال أن جوابي
مقنع؟!
فقال لي: ]أنا أدري أن وراك قصة... شي قوي صار في حياتك فخلاك عديم
الشعور... وما تحس إلا بالحزن لدرجة أن كل شي يبين في ويهك...[
قلت له: ]أنت ثاني واحد يقول لي هالكلام...[
]يعني تماماً مثل ما توقعت... وراك قصة...[
لم أجبه... ولكنه قال: ]أدري أنك ما تبي تجاوبني... لكني حاس فيك... عموماً
كل الأولاد بالصف وبرع الصف ملاحظين عليك الحزن... لدرجة أنهم ما
يتذكرون إذا شافوك تبتسم من قبل... والأهم أنك تيلس على هذا الكرسي من
بداية الدوام لنهايته وما تتحرك أبد اً...[
نظرت إليه بعد أن حلل كل شيء, ثم أردف: ]لكني متأكد... أني الوحيد ألي
ملاحظ شرودك في أثناء الدرس... وكلما الأستاذ يسألك بكل جرأة تقول له "ما
أعرف الجواب"...[
قلت له كي يبتعد: ]انزين لو سمحت ممكن تخليني بروحي... محتاج أقعد مع
نفسي شوي[
]أوكي... مثل ما تبي[
لم أتوقع هذا الرد!!... أبداً لم أتوقع أن يتركني لوحدي... توقعته أن يصر على
حديثه معي...!
في الحصة الأولى بعد أن وصل أغلب الطلاب, أتى إلينا مدرس اللغة
الانجليزية... وقال بعد أن سلم: ]يلا طلعوا الواجب...[
نسيت!!... أنا لم أحل هذا الواجب...!!
نظر إلى دفاتر الجميع... إلا أنا لم أخرج دفتري...
سألني: ]وين دفترك يا أحمد[
]بالبيت نسيت أيبه اليوم[
]جذاب![
صدر صوت من مقدمة الصف, نظرنا إليه أنا والأستاذ وباقي الطلاب... إنه
ميحد...
أقسمت أن أمزقه حينها لأنه كذبني وسيحرجني أمام الأستاذ...
سأل الأستاذ: ]ليش جذاب يا ميحد؟[
قال: ]دفتره عندي أنا... أمس خذت منه عسب أنقل منه... تعرفني ما أفوت
شي... فما أدري نسينا سالفة الواجب ونسيت الدفتر بالبيت وما يبت غير
دفتري...[
نظر إلي الأستاذ: ]صح كلامه يا أحمد؟[
نظرت إلى ميحد, فغمز لي, فقلت: ]نعم يا أستاذ... الواجب عنده... أقصد
الدفتر عنده![
]همممم... مو مشكلة بس راوني أياه باجر...[
زال غضبي تمام اً منه... وشعرت بالرغبة في التبسم... ولكن عضلات وجهي
لم تساعدني مطلقاً...
في حصة الرياضيات, والتي كانت التالية... وزع الأستاذ أوراق الأمتحان...
وكالعادة... ميحد يحصد الدرجة الكاملة... وأنا صفر وعن جدارة أيض اً... لقد
صار هذا الرقم يخاويني بسبب كثرة حصولي عليه... ونادراً ما آتي بدرجة أو
درجتين...
وبعد أن انتهت الحصة الثالثة, جاء دور الفسحة... أقعد على الكرسي... لا
أتحرك... عكس الجميع الذين ينق ض ون على المقصف... ولكن هذه المرة حدث
شيء لم أتوقعه!... إنه ميحد من جديد... يجلس على الكرسي ولم يتحرك... لم
يركض إلى المقصف كالقط الجائع!...
التفت إلي وهو مبتسم الثغر وأخرج ورقة من كتاب الرياضيات ثم أتى إلي...
وضع الورقة على طاولتي بين يدي بالتحديد, وقال بابتسامته: ]شو رايك
فيني؟... أعجبك صح؟[
مسكت الورقة, وقلت له بوقاحة: ]يعني يايب لي ورقة أمتحانك تبي تقهرني
مثلاً؟... من قال أني انقهر؟[
رميت الورقة بعيداً حتى أجرح مشاعره ويبتعد عني, فاتجه إلى ورقته وجلس
على ركبته ولم يكترث بالغبار الذي لوث كندورته...
قال بعد أن ذبل وجهه: ]لو أبوي كان حي... كان بيفتخر فيني وايد...[
ثم أكمل بعد شهيق طويل: ]أبوي كان طيب وحنون... عكس أمي تمام اً!![
وأردف: ]الله يرحمه... كان فقير... بصعوبة يدبر لنا البيزات... بس كانت
كرامته فوق كل شي... حتى لما مرض... ما حصل بيزات حق العلاج[
سقطت دموعه!! وصار يبكي!!... وأكمل: ]الله يسامحج يا أمي... الله
يسامحج...[
نظر إلي: ]كان عندها بيزات تكفي... بس ما رضت تعينه... رغم حنانه وحبه
لها... للأسف هي ما كانت تحبه...[
أخذ وقته في التنفس وقال وقد بللت الدموع خديه: ]هي مهووسة بالبيزات...
تحب البيزات لدرجة الجنون... تيمع وتيمع وتصرفه على الذهب والفساتين...
وكانت تكره أبوي لأنه فقير ولا يقدر ييب لها ألي تبيه... عكس صديقاتها ألي
رياييلهم ما يقصرون معاهم[
قال بعد أن ابتسم قليلا : ]أبوي كان يحبني وايد... لأني ولده الوحيد... كان
يحضني... ويدفيني... ولي مرضت يداويني بأي طريقة!... وكان دايماً يلقمني
لما ناكل الغدا أو العشا...[
هذا الميحد جعلني أتذكر سلوى من جديد!!... يا إلهي!!... كلما أريد التخلص
من ذكراها يأتي شيء ويذكرني بها!!... ماذا أفعل؟!... يكاد صدري أن ينفجر
من الهم!
وأردف ميحد وهو يمسح دموعه: ]كان يقول لي يا ميحد... أبيك تصير مهندس
وتشيل الهم عن قلبي... هذا أنا قريب أخلص الثانوية... وبدخل الكلية... وينه
هو عسب يشوف انجازاتي ودرجاتي؟!... وين؟!...[
نظر إلى السقف وقال: ]الله يرحمك يا أبوي... الله يرحمك ويجمعني معاك
بالجنة[
هم كبير يريد شق صدري ليخرج!!... فأضطررت إلى الغناء كي أواسي
نفسي...
]تجربة كانت حياتي وأنا جربتها معاج
للأسف جرحتي ذاتي للأسف خنتي هواج
كنتي لي كل الوجود وأنا ما خنت الوعود
كان يهمني بس رضاج[
ثم صار صوتي يعلوا أكثر وأنا أخرج كل ما في جوفي...
]كم من مرة أتسامح ولج ياخذني الحنين
للأسف ما فهمتيني وجرحتي قلبي الحزين
يكفيني غش وخداع ضيعتي حلمي ضياع
روحي عن هذا وذاااك[
)من أغاني أحمد مشيمع(
نظرت إليه... فلاحظ دمعتي بين جفني... فأدركت رغبته الشديدة لمعرفة
قصتي...
وفجأة!... صرت أسمع صوت هتافات وتصفيق كبير من مجموعة كبيرة من
الطلاب...
قال ميحد: ]أحمد... لك صوت يكسر الدنيا!![
<><><><><><><><><><><>





الفصل الرابع عشر:-
مضت الأيام, وميحد يحاول معرفة ما يدور في قلبي كل يوم, فيحدثني عن أي
شيء يحدث معه بالبيت من قسوة عمه –زوج أمه- وعدم أكتراث أمه له...
دائماً أحاول أن أسكته ولكنه سرعان ما يعود إلي...
ففي أحد الأيام... دخلت الصف والمطر يهطل بغزارة... والجو بارد جد اً...
ولم يكن ميحد موجود اً!... إنها المرة الأولى التي آتي بها الصف ولا أجده
فيها... ربما ذهب إلى الحمام... جلست على كرس ي الذي كان آخر كرسي في
الجهة اليسار... ووضعت كتبي في الدرج... وانتظرت عودة ميحد ليبدأ
ثرثرته... فدخل أحد الطلاب وسلم... ولكنه ليس ميحد...
انتظرت وانتظرت... ولكنه لم يأتي!... هل هو مصاب بالزكام؟!... أعتقد أنها
المرة الأولى التي يغيب فيها... وبدأت الحصة الأولى... وكالعادة معظم
الطلاب موجودين والبقية غائبين... ولكن أين ميحد؟!... هل يعقل أن يغيب
حقاً؟!...
هيه لحظة!... لماذا هذا القلق؟!... وما علاقتي أنا به؟!... فاليذهب إلى الجحيم
مع فرعون وأعوانه!... جيد أنه لم يأتي كي أرتاح من ثرثرته... أتمنى أن
يظل الحال هكذا إلى الأبد...
كلا... أنا قلق... قلق عليه... لكن لماذا أقلق؟!... لقد كان يزعجني بحديثه...
فلماذا أشعر بالحنين إليه؟!... هل لأنه الوحيد الذي تجرأ وحدثني؟!...
يا إلهي لا أشعر بالراحة مطلق اً... تباً لك يا ميحد!!... كيف تمكنت من فعل هذا
بي؟!...
مضت الثلاث حصص بسرعة... وجميعها ممله بدون يده التي ترفع كل دقيقة
ليجيب على أسئلة الأستاذ البسيطة والصعبة والمعقدة أيضاً...
والفسحة مملة... أين ميحد كي يملي فراغي؟!...
فجأة دخل الصف ومعه كتبه... شعرت بالسعادة حين رأيته...
فصرخ: ]أحمد!!!...[
رمى كتبه على الطاولة وركض إلي!!... وجلس على الكرسي الذي بقربي...
وقال بلهفة وسعادة: ]أول مرة أشوفك تبتسم!![
]شنو؟![
]ليش رجعت شكلك الحزين؟!... أنت أجمل وأحلى بوايد وأنت سعيد[
]أنت شو تقول؟!... أنا ابتسمت؟؟!![
ضرب على يدي الأيسر بلطف التي كانت على الطاولة, وقال: ]أكيد كنت
مشتاق لي... وخفت علي بعد[
]أنا؟؟... من قال؟؟... وبعد ليش ما حضرت أول ثلاث حصص؟[
] سؤالك هذا وتهلل ويهك وبسمتك البريئة هي الدليل على كلامي...[
نظر إلي بسعادة, ومسك يسراي... وصار يضمها بين كفيه اللذان كانا أصغر
وأنحف من كفاي...
ثم قال بهدوء وبسمة أمل منقوشة على وجهه: ]أحمد... ويهك يعكس كل ألي
بداخلك... لما شفتني قلبك فرح!... فانعكست الفرحة في ويهك!...[
أخذ ينظر إلى عيني مطولاً ثم قال: ]أنت حابس نفسك في سجن الأحزان
والهموم... فلازم تكسر كل قيودك وتطلع من الأسر... صدقني أن الدنيا أبد ما
تسوى... وفي النهاية نحن بنتركها... والأهم أن محد يستاهل أنك تحزن عليه
هالكثر![
لأول مرة أشعر أن ما يقوله واقعي جد اً... لماذا هذا الحزن كله؟!... هل لأن
أمي وأبي خذلاني كثيراً وشوها سمعتي؟!... أم لأن سلوى جرحتني بعد أن
تعلق قلبي بها؟!... أم لأنني حاولت الأعتداء عليها؟!... أم لأن محمد لم يفي
بوعده؟!... أو ربما لأن خالد تخلى عني عندما عرف حقيقتي...
وربما السبب يكمن فيني أنا...
قطع سؤاله خيطان شرودي: ]أحمد... ما تبي شي من المقصف؟![
]لا ما أبي شي...[
فغيرت رأي وأخرجت من جيبي عشرون درهم اً, وقلت: ]هات لي أي شي...
وأنت خذ لك أي شي... ولو ما كفتك البيزات خبرني...[
]عشرين درهم وما بتكفي؟!... باخذها منك لأنها بداية تغيرك... لكن باجر
بيكون على حسابي... أتفقنا؟![
أومأت بنعم... فأنطلق مسرعاً إلى المقصف والسعادة تملئ عينيه...
معه حق... رغم أنه أصغر مني بخمس سنوات تقريب اً... إلا أنه يفهم أكثر
مني... إلى متى سأظل هكذا؟!... حزيناً لا أعطي فرصة لنفسي كي أعيش من
جديد... صحيح أن ما حدث لي أثر في نفسيتي كثيراً ولكن هذا لا يعني أن
أيأس وأستسلم للقدر!... علي أن أغير من نفسي حتى أعود كما كنت...
ولكن يبقى السؤال... كيف سأغير من نفسي؟!...

انتهت الفسحة... ولم يعد ميحد بعد... هل المقصف مزدحم إلى هذا الحد؟!...
دخل الطلاب وحتى الأستاذ الفيزياء الذي بدأ الدرس مباشرة... وسرت أنتظر
قدومه... ولكنه تأخر... هل حدث له شيء؟!...
ثم سأل الأستاذ: ]وينه ميحد؟... أول مرة ما يكون موجود[
أجاب أحدهم: ]غايب من الصبح[
ثم قال آخر: ]لا هو حضر وكتبه على الطاولة... بس ما أدري شو ألي صار
بالضبط... بس طاح في الماي وتخيست ملابسه[
]وينه هو الحين؟[
]في الحمام على ما أعتقد...[
وقفت من على الكرسي وقلت: ]أستاذ بسير الحمام...[
]غريبة!!... أحمد يتكلم!!!... الشمس من وين طالعه!!![
ضحك الطلاب, ولكني لم أكترث, فقال الأستاذ: ]تفضل...[
عندما مررت ببعض الطلاب سمعت أحدهم يقول: ]هيه لازم... الحب
الحب...[
ضحك بعضهم, وخرجت من الصف... أسرعت إلى أقرب دورة المياه ولكني
لم أعثر عليه... فاتجهت إلى دورة أخرى... التي هي بالقرب من المقصف...
فعثرت عليه جالساً في الزاوية يضم ركبتيه ويدفن وجهه بينهما وملابسه
متسخة...
فسألت بعد أن أقتربت منه: ]شو صار معاك؟[
رفع رأسه وقال بحزن: ]كنت فرحان... فجأة...[
انتظرت إجابته... ولكني قلت له: ]أوقف كلمني...[
وقف على قدميه... ثم سألته من جديد: ]ليش يالس هني؟![
كان ينظر إلى الأرض, وقال: ]صدق... مرات أحس أني صدق ما أنفع
لشي... لكن لما طلبت مني أني أشتري لك من المقصف... فرحت وايد...
وكنت متحمس لها الشي...[
]وشو ألي صار عقب؟[
رفع رأسه وبدأ بالصراخ: ]كنت أبي أسوي شي يحسسني أني صدق ريال
يعتمد عليه... كنت أبي أسوي شي صح في حياتي يخليني فخور بنفسي!!...[
نظرت إلى عينيه ولاحظت دمعة, ولكني لم أجبه بشيء... حتى قال بحزن:
]أنا لا يمكن أسوي شي لحد... لا يمكن لحد أن يعتمد علي...[
شعرت بأن أمله في تلبية طلبي قد خاب... إنه محطم ويشعر بالتحسر... فكان
لا بد لي من تشجيعه كي لا يعود إلى ذاك الشعور...
فقلت له بعد أن ضربت على صدره بلطف: ]ميحد... مب كل شي نحن نقدر
نسويه... والمفروض أنك ما تتأثر بألي صار لك...[
نظر إلي عيني, فقلت له: ]أنا أشوف مستقبل عظيم يترياك... أنت مجتهد ولك
طموح تبي توصل لها... وأنا متأكد أن في يوم من الأيام أحلامك كلها
بتتحقق... وبيكون لك ربع وناس يحبونك ويثقون فيك...[
ثم تنهدت وأكملت حديثي: ]أنت علمتني اليوم وايد أشياء... نحن لازم ما
نستسلم أبد...[
لم تمضي سوى لحظة حتى ألصق جبهته على صدري... شعرت بالشفقة
عليه... وفاة والده وأنانية والدته وقسوة زوجها قد أثروا فيه كثير اً... إنه صغير
على هذه الأمور... فطوقته بذراع ي وضممته بقوة كي يشعر بأن هناك حقاً من
يتمنى وجوده في الحياة...
فبدأت أغني... كي أذوب كل آلامه...
]كم لون منك يا ذا الزمان... قاسي ومالك أي أمان
للحب ما مروا عليك... ما عاد باقي لي مكان
آآآآآآآآآه هذا الوقت صار... في زحمة أشواقي أحب
يكفيني من هالدنيا قلب... والباقي خليته عليك
الدمع أحبه والجراح... يا ليل ما يعرف صباح
لو طالت أغصانك شوي... أو صار لأحزاني جناح[
)من أغاني فرقة الأخوة(
قبلت رأسه... وقد بدأ عليه الراحة... ثم قلت له: ]كون أخوي الصغير...[
ابتعد عن صدري كي يرى عيني, وتسائل: ]أكون أخوك الصغير؟[
]نعم... كون أخوي الصغير...[
<><><><><><><><><><>




الفصل الخامس عشر:-
دخلت البيت, وقلت له: ]حياك تفضل...[
قال لي: ]مو فشلة أدخل بدون موعد مسبق؟[
]افا عليك... أنت أخوي الحينه... وأنا متأكد أن أهلي بيفرحون بوجودك[
قال بأمل: ]الوقت الحين وقت الغدا... والله أعلم كيف وافقت أمي أني أتم
عندكم بعد المدرسة...[
دخل معي أخير اً, ثم تحركنا حتى وصلنا إلى الصالة, فصرخت: ]أمي
تعالي!... عندنا ضيف...[
خرجت أمي ويلحقها أبي اللذان تعجبا من وجود ميحد, فقلت لهما: ]هذا
ميحد... أخوي الصغير...[
فهم أبي مغزى كلامي فابتسم وقال بسرور: ]حياك الله ميحد... تفضل الغدا
زاهب[
ابتسمت أمي وسألت: ]من متى وأنت مخاويه؟[
أجبتها: ]من اليوم... واتصل بأمه وقال لها أنه بيتغدا عندنا...[
دخل ميحد الصالة ليجد أمينة وزوجها عبدالعزيز يتناولون الطعام الذي كان
دجاج بالرز وسلطة وتمر... سلم عليهما وتفاجئا منه, فأخبرتهم أمي أنه أخي
الصغير... وسيكون جزءاً من العائلة...
جلس ميحد بقربي, ثم أخذوا يتحاورون معه...
سأل أبي: ]أنت معاه بنفس الصف...؟[
]هيه عمي أنا معاه بنفس الصف...[
قال أبي: ]قول أبوي لو ما عندك مانع...[
قالت أمي: ]دام أنك أخو أحمد... تقدر تنادينا أمي وأبوي عادي... بنكون
سعداء بها الشي...[
شعرت بسعادته... فقال لها: ]يشرفني هذا الشيء...[
لا أعتقد أنه سيسعد بذلك حين يعرف حقيقتهما... عموماً أنا لن أكذب عليه...
سأخبره الحقيقة عندما نكون لوحدنا في الغرفة...
سألت أمينة: ]شو أسم أمك؟[
أجاب: ]عبير...[
]عيل خليتها تيي نتعرف عليها...[
]ما أنصح بهذا الشي...[
تعجبنا جميع اً, ثم أردف ليرد على تعجبات أعيننا: ]أمي تحب الفلوس حتى
الموت... وهمها الماركات العالمية واللبس والساعات ومن هالخرابيط... وما
ترافج أحد... إلا إذا كانت غنية...[
قالت أمينة: ]أمك غير شكل بعد...[
]لهذا السبب كانت تكره أبوي لأنه كان فقير... وأهملتني لأن زوجها ما
يحبني...[
لاحظت نظرات شفقة على أعين أبي وأمي... فقال أبي: ]نحن أهلك... وبيتنا
مفتوح لك بأي وقت...[
قالت أمي: ]نحن يسعدنا يكون لنا ولد ثاني غير أحمد...[
ابتسم ميحد وقال: ]أشكر حسن تعاملكم معاي... وأنا متأكد أنكم ما بتقصرون[
قلت لهما: ]ميحد الأول بالصف... درجاته الأعلى دايم اً...[
قالت أمي التي شقت على وجهها ابتسامة عريضة: ]زين والله!!... عيل
بيدرسك وقت الامتحانات...[
قال ميحد: ]أكيد... ليش لا...[
قال أبي: ]أنا فخور فيك يا ميحد... ولو طلعت الأول... بشتري لك ألي تبيه...[
عرفت أن كلمات والدي أدخلت السعادة في قلبه... أدركت ذلك عندما رأيت
أحمرار وجهه...
فقال: ]أنا أوعدك أني بشد حيلي...[
سألت أمي: ]في شي ثاني بعد حاب تعرفه عنا؟[
قال وهو ينظر إلي: ]حزن أحمد وكآبته... أبي أعرف سر هالعيون الحزينة...
وليش ما يقدر يبتسم...[
هدئ الجميع!... وشعرت برعشة في قلبي... فقال أبي: ]عزيزي... في
أمور... الواحد...[
قاطعت أبي قائلا : ]بتعرف كل شي...[
نظر إلي الجميع... فأكملت: ]كل شي بوقته حلو... واليوم بتعرف كل شي فلا
تستعجل...[
بعد الغداء... أتجهنا أنا وميحد إلى غرفتي... دخلها وأعجب بها كثير اً...
فدعوته للجلوس على السرير بقربي...
قلت له: ]ميحد... يمكن بتكرهني لو عرفت كل شي عني...[
]وشو السبب ألي يخليني أكرهك؟[
]غيرك كرهني ونساني للأبد...[
]أحمد... أنا أبي أعرف قصتك كاملة...[
تنهدت من قلبي... فأستسلمت لمطلبه...
قلت له: ]هناك أسباب كثيرة خلتني أكره نفسي حتى الموت...[
نظرت إلى أصابعي ونطقت بشجاعة: ]أمي وأبوي عندهم فرقة يترزقون
منها... أبوي يغني ويدق طبل... وأمي ترقص يدام الناس... ومعاهم بالفرقة
عبدالعزيز وحرمته...[
نظرت إليه وقلت: ]هذا السبب ألي خلاني أستحي منهم وأجذب على كل الناس
وأسوي عمري ولد ناس... وألي يسألني عن شغل أبوي أقول له دكتور
كبير...[
عدت بنظري إلى أصابعي, وأكملت: ]عشت حياتي ذليل... بين الأكاذيب...
لكن كان هناك واحد معاي بالمدرسة أسمه محمد... يعرف عني كل شي...
وأن ما نفذت ألي يبيه بيفضحني في كل مكان...[
قال لي ميحد: ]فكنت تسمع كلامه... وتنفذ أوامره...[
]بالضبط... وصارت وايد مشاحنات بيني وبينه... وكان عندي صديق أسمه
خالد... كنت أحبه وايد... وهو كان يعزني... دووم كنا مع بعض بالصف
وبرع المدرسة... ما يعرف عن حقيقة أمي وأبوي... وفي يوم من الأيام
تضاربت مع محمد... وخبر العالم كله عني وخالد عرف وزعل مني
وتركني...[
لم أرد أن أخبره عن موضوع سلوى... لكنني نطقت... ولاحظت شروده في
قصتي...
فأكملت كي أريح صدري: ]وصارت معاي قصة حب... أول قصة حب في
حياتي... خلتني أعيش في أحلام وردية... وفي سعادة محدودة... ما توقعت
أبداً أنها بتنتهي بهذي الطريقة...[
سأل ميحد: ]ممكن أعرف شو صار بالضبط؟[
]كانت مثل الأميرة... كنت أتحرى أنها لي للأبد... كنت أروح لها البيت...
تطبخ لي العشا... تلقمني بيدها... والله العظيم أن كل شي كان يبين أنها
تحبني... لكن ما أدري...[
تنهدت تنهيدة أخرجت كل شيء في داخلي, وأردفت: ]فجأة تقولي أنها بتتزوج
من واحد سمعته طيبة... والسعادة في عيونها... حسيت وقتها أنها خانتني...
طعنتني في الظهر... وما أدري شو صار فيني بالضبط... صرت مثل
المينون[
لم أستطع أن أخبره عن محاولتي الأعتداء عليها... شعرت أنه لا يزال صغيراً
على هذه الأمور...
بعد أن أستعدت توازني, قلت له: ]لها السبب أصريت على أهلي حتى انتقلنا
لهالمكان... أبي أنسى ألي صار لي... لكن كيف أنسى وأنا كل شوي أحصل
حد يذكرني فيهم؟![
خيم الصمت علينا... كنا هادئان لأكثر من دقيقة... حتى مسك يدي ووضع
ذراعي حوله ثم حط رأسه على صدري وقال: ]أنا ما بتخلى عنك... نحن
أخوة... والأخوة يساعدون بعض... أنت انقذتني من أشواك كثيرة... وأنا سعيد
لأني ضمن عائلتك...[
بعدها بلحظات... دخل أبي إلى غرفتي... وابتسم بسعادة حين قال: ]ما شاء
الله, تأقلمتوا مع بعض بسرعة...[
سأل ميحد: ]ما عندكم كمبيوتر؟... أبي أدخل المسن أشوف الرسايل[
قلت له: ]أسمع عن هذا الكمبيوتر لكن عمري ما أستخدمته...[
]ما عندكم كمبيوتر؟؟!!... ما أعتقد أن في بيت في هالعالم ما فيه كمبيوتر!![
سأل أبي: ]إذا تحتاجونه بشتريه لكم... أنا خلاص صار عندي ولدين ألحينه...[
]إذا تبي تشتريه... تقدر تسير أي محل كمبيوترات وتشتري واحد... طبعاً
سعره غالي وايد[
]ليش كم سعره؟[
]هممم... 0999 درهم تقريب اً...[
]بس؟؟!!... 0999 درهم غالي؟؟!![
]هو غالي بالنسبة لي...[
نظر إلي وقال: ]ابتسم يا أحمد... عق كل شي ورا ظهرك وابتسم... ما في شي
في هالدنيا يستاهل هالحزن كله...[
حاولت التبسم ولكن عضلات وجهي لا تستجيب أبد اً... فقلت له: ]صدقني ما
أقدر...[
]أكيد بتقدر... لازم يكون عندك الأرادة لنسيان هذي القصص القديمة... نحن
ألحين عيال اليوم مب عيال أمس...[
نظر أبي إليه ولم تتغير ابتسامته: ]كلامك كبير يا ميحد على سنك الصغير[
قال بكل سعادة: ]القراءة غذاء العقل... كلما قريت أكثر... تعلمت عن هالدنيا
أكثر...[
نظر إلى ساعة يده... وقال: ]الساعة الحين 0... تأخرت لازم أرجع...[
قال أبي: ]تم عندنا... ما شبعنا منك...[
]خلها المرة الثانية عمي...[
]شو قلنا؟؟... قول لي أبوي...[
ابتسم ميحد, وقال: ]المرة اليايه يا أبوي بقعد معاكم أكثر...[
أوصلت ميحد إلى بيته وثم اتجهت إلى البحر كي أفكر بكلام ميحد... حق اً...
علي أن أرمي كل شيء خلفي وأن أعيش هذه الأيام... إلى متى سأظل على
هذه الحالة الغبية... أنا كبير الآن وعلي أن أنسى كل شيء...
عدت إلى البيت الساعة السابعة مساءً ... فقرأت الورقة التي كانت على السرير
كالعادة...
]شفت الولد ألي يبته... هذا أول واحد تيبه البيت... شي طيب ودليل على أنك
قاعد تتحدى حزنك... أحسنت وأتمنى لك الخير والسعادة[
بعد هذه الرسالة... قررت أن أقتحم تلك الغرفة... لقد وصل الموضوع حده...
من يكون ذاك الشخص الغامض...؟؟..
اتجهت بسرعة إلى الغرفة... طبعاً لم يكن هناك أحد بالبيت... أهلي في العرس
الآن... وحميدة... صديقة أمينة غادرت البيت أيض اً... أستغليت وحدتنا
بالبيت... وسأكتشف من خلف هذا الباب الذي أقف أمامه الآن...
<><><><><><><><><><>





الفصل السادس عشر:-
]أعتقد أن الموضوع وصل حده يا غامض...[
صرحت للباب... ولم يكن المكان مضيئ اً... فقط الأنوار الخافتة الآتية من باب
الصالة هي التي تضيء المكان قليلا ...
وأكملت: ]راسلنا بعض وايد... وكلامنا كله على الورق... يا دور اللسان هاي
المرة...[
لم أحصل على أي إجابة, فقلت: ]لكل منا قصة... وأعرف أنك متشوق حتى
تعرف قصتي مثل ما أنا متحمس لقصتك...[
نظرت إلى باب, فأردفت: ]أن تحبس نفسك في الغرفة... هذا مو معناته أنك
حصلت السعادة فيها... كلما أغلقت على نفسك أي باب .. كلما زاد الهم
عليك... فأفتح لي حتى أعرف منك كل شي... أنا مستعد أسمعك من البداية
للنهاية... وبكون سعيد بهذا الشي...[
نظرت إلى قفل الباب وأكملت: ]على الأقل... بحس أن لي فايدة في هالعالم...[
انتظرت قليلا ... ولكني لم ألحظ أي إجابة... فشعرت بسخافة ما تفوهت به
فقررت أن أعود أدراجي... وعندما استدرت... فتح الباب...!
نظرت إلى داخل الغرفة المظلمة كالليل الأسود... ولاحظت طيفاً يقترب
مني... خفت منه وتعجبت...!
]أنتي بنت!![
كانت بطولي تمام اً... ترتدي ثوباً أسوداً وتضع الشيلة على رأسها...
قالت بملامح عادية: ]كنت متوقعة أنك تعتقدني ولد[
نظرت إلى عينيها... لم أستطع رؤية ملامحها جيد اً... ولم أستطع أن أنطق من
شدة تفاجئي بها...
أكملت: ]صح كلامك... ما بحصل السعادة في الغرفة... لازم أطلع...[
قلت لها: ]الجو حلو... خلينا نيلس على الدرج...[
جلست أنا أولاً ثم جلست هي بمسافة متر تقريب اً...
سألت: ]ليش ما خبرتيني أنج بنت؟[
]فكرت أنك ما بتهتم بي لو عرفت[
نظرت إليها... وساد الصمت لفترة وجيزة... ثم بدأت أسأل: ]ممكن أعرف
السبب ألي خلاج تحبسين نفسج؟[
نظرت إلى القمر... وتنهدت... فشعرت أنها على وشك البكاء...
وقالت بنبرة تفكير: ]كنت متزوجة... وسعيدة في حياتي... لأن أمي وأبوي
كانوا يدللوني وايد... خصوصاً بعد وفاة أخوي الكبير... وزوجي ما كان
يقصر معاي...[
نظرت إلي فأكملت: ]عشنا قصة حب ما لها مثيل... ولما خطبني... الكل
حسدني عليه لأن أهله أغنياء... وعندهم خير... ما كان يهمني هذا كله... كان
يهمني هو... لأنه كان كل شي بالنسبه لي...[
لم أكن أريد مقاطعتها... أردت أن أسمعها حتى النهاية... يبدو أن ما حدث قد
دمرها بالكامل... فقد بدأت بالأشياء السعيدة...
]ما كنت أتصور أن كل هذا بيصير... كان الجو عواصف وأمطار... كنا أنا
وزوجي وأمي نتعشى بالبيت... وفجأة وصل لنا اتصال... هذا الاتصال الي
دمر حياتنا بالكامل!![
تنهدت... وأخرجت كل ما في جوفها: ]أبوي كان المتصل... من مركز
الشرطة... شاف واحد بالشارع وقال له وصلني على دربك... وأبوي ركبه
وما مضت إلا شوي حتى زختهم الشرطة... وشافت أن الريال معاه
مخدرات... وللأسف أبوي ما كان يعرف هذا الشي والشرطة ما صدقته...[
بكت... متألمة...: ]أنا متأكدة أنه بريء... وما يخصه أبد في هالسوالف...
أبوي طيب وسمعته أطيب... بس حسبي الله على ألي كان السبب!!!...[
مسحت دموعها وقال: ]للأسف محد صدقنا... والفريج مو مستوعب ألي
صار... وحكموا على أبوي 90 سنة سجن!... هذا الشي دمرنا تدمير... وأهل
زوجي من عرفوا بألي صار لأبوي... طلبوا من زوجي يطلقني... بس لأنه
كان يحبني... تردد وايد... بيني وبين أهله ألي أصروا على الطلاق بسبب
سمعة أبوي ألي طاحت في القاع[
تنهدت وأفرزت دموعاً كالجداول, وقالت بصوت مخنوق: ]كان بيطلقني...
لكن حصل شي منعه...[
مسحت دموعها: ]كنت حامل... وفرحنا بهذا الحمل... فتمسك فيني وايد...
وتحدى أهله عشاني... لكن أحس أني صدق منحوسة...[
أكملت بحزن: ]وكأن مكتوب علي الحزن للأبد... ما كملت أسبوع حتى طاح
الحمل... بروحه طاح!! ما أعرف شو صار بالضبط لكنه طاح من غير
سبب!!... حسيت أن الدنيا أظلمت في عيني... وأمي تحاول تهديني... وقلت
لها لا تخبرينه... لكنها خبرته قبل لا أنا أحذرها... وهو حط اللوم علي أنا...[
صارت تبكي بألم... تدفن وجهها بين يديها... وتحاول تهدئة أعصابها...
شعرت بالأسى من أجلها... مسكينة حق اً... لا عجب من حبس نفسها إذن...
قالت بعد أن هدأت قليلا : ]وبعدها طلقني... ومن ذاك اليوم ما شفته... لكن
الخبر القاتل كان... وفاة أبوي بالسجن... مات بالسجن وهو مظلوم...![
نظرت إلي حين أردفت: ]لها الأسباب أنا حبست نفسي بالغرفة... ورفضت
مقابلة أي حد...!... وبعدها بشهر أنتوا انتقلتوا هني...[
إن ما حدث معها كان أقوى بكثير ليجعلني انتحر... وقد كان في نفس الفترة
التي حدثت فيها قصتي مع خالد ومحمد وسلوى...
أكملت: ]عقبها شفتك... ولاحظت أن عيونك مثل عيوني بالضبط... مليانه
حزن... محد يعرف هذا الشي إلا ألي عانى مثلي... فكنت أراقبك بالليل
وأسمعك وأنت تغني وتبكي... فكنت أبكي معاك... وأحس في آلامك...[
تبادلنا الأنظار تحت ضوء القمر, وكأن نظرتها تقول... حان دورك لتخبرني
بقصتك... لاحظت ذلك رغم قلة النور المنبعث من الصالة...
فنطقت لأرضي فضولها: ]باختصار شديد... أمي وأبوي عندهم فرقة
معلاية... مع عبدالعزيز وأمينة... أعتقد تعرفين ها الشي...[
]نعم أعرف... أمي خبرتني...[
تنهدت كي أرتب أفكاري: ]كنت أستحي أقول لأحد بالمدرسة ولا بأي مكان
عن حقيقتي... فكنت أكذب وأقول أن أبوي دكتور في مستشفى كبير... لأني ما
كنت أقدر أتخيل كيف بتكون نظراتهم لي... الشعور بالعار ذبحني...[
سألت: ]أنزين ليش ما كلمتهم؟[
]بح صوتي وأنا أصارخ فيهم... مع أنهم ما يرفضون لي أي طلب... إلا هذا
ما يقدرون ينفذونه[
شعرت بنسيم بارد يتغلغل في شعري... فأزحت غترتي عن رأسي... فتلاعب
الهواء البارد بخصلات شعري الناعمة... فشعرت بالانتعاش... نظرنا إلى
الأعلى ولاحظنا تجمع الغيوم التي تدل على المطر الغزير... خصوصاً في هذا
الوقت من السنة...
ثم أكملت حديثي: ]تعرفت على واحد بالمدرسة... أسمه خالد... كان ولد
حبوب... وأحب أقول أني دايماً أكون الأكبر في الصف في كل مرحلة
دراسية... طبعاً أنا متأخر سنة ورسبت سنتين...[
سألت: ]كم عمرك ألحين؟[
]عشرين... بصراحة من أسبوعين مكمل 09 سنة...[
]... ]اها... أنت أصغر عني بسنتين... أنا 00
إنها أكبر مني!!... فاجأتني حق اً!!... مظهرها يبين بأنها أصغر بثلاث
سنوات!...
]إنزين.. كمل... شو صار عقب؟...[
]تعرفت على هذا ألي أسمه خالد... كان حبوب وايد وطيب... وراعي
سوالف... حبيته من قلبي وكأنه أخوي... وطبعاً هو ما يعرف عن مهنة أبوي
الصدقية... والمشكلة الكبرى بالصف كانت محمد... واحد من فريجنا...
يعرف كل شي عني...[
تنهدت بحسرة, ثم أردفت: ]كان يهددني... إن ما نفذت طلباته... وما عطيته
مصروفي... بيفتن علي... وبيخبر الكل عن حقيقتي ألي أنا خاشنها عن
الكل...[
قالت: ]مب حلوة منه صراحةً ...[
ثم أكملت: ]في هذي اللحظات كانت بيني وبين أهلي مشاحنات بالهبل بسبب
فرقتهم الخايسة... ووايد كنت أنضرب... أنا كنت فاهم وضعهم أن ما عندهم
شهايد وما يقدرون يشتغلون برواتب حلوة... لكنهم ما كانوا يفهموني... كيف
أنا كنت عايش بسبب شغلهم...[
تنهدت ووقفت على قدمي... وتقدمت بخطاي إلى الأمام... وقلت لها: ]عشت
قصة حب... حلوة... ويمكن أحلى من قصتج...[
نظرت إلى عينيها... ولاحظت الفضول في معرفة أحداث هذه القصة...
بدأت بالحديث: ]أبوي قال لي تعال العرس ألي بيروحون ويستعرضون فيه
فرقتهم... وأنا ما أدري كيف سمعت كلامه ورحت معاهم... وهناك بالعرس
شفت خالد... سولفنا مع بعض شوي عقب طلعت وسرت أتمشى بين
البيوت...[
صرت أرتب أفكاري في عقلي... باحثاً عن الذكريات المنسية أو بالأحرى
الذكريات التي أحاول أن انساها...
]عقب شفت بنت تصيح عن باب بيتهم... لما سرت لها قالت لي أن حرمه
أبوها وخواتها من أبوها ساروا العرس وخلوها بروحها بالبيت تنظف
وتغسل... فسميتها سندريلا... وهي سمتني الساحر... لأني كنت الوحيد ألي
تعرفه وتهتم فيه...[
أخذت نفساً طويلاً جداً حتى كادت رئتاي أن تخرج من صدري...
وأكملت: ]عشت معاها أيام وايد حلوة... أنا حبيتها من قلبي وما أرتاح إلا
معاها... وكلامها لي وأسلوبها اللطيف معاي... ومعاملتها الحنونة... خلتني
أحس أنها تبادلني الأحاسيس...[
جلست على الدرج من جديد, محاولاً جمع ذكرياتي...: ]فمرة هي عزمتني
على بيتهم... وكانت طابخة وايد أكل... ولما سرت لها أكلت كل شي وكانت
تلقمني وتضحك... كنت أحس أني فراشة... أطير مني ومناك... بين الورود...
وبعد ما خلصنا... قررت أني أصارحها بألي بداخلي... وهي قالت أن عندها
خبر حلو لي... وكان الخبر مثل الصاعقة بالنسبة لي...[
نظرت إلى عينيها الحائرتين... اللتان تريدان معرفة البقية... لكني كنت
متردد اً... هل أخبرها الحقيقة كاملة؟... هل أخبرها عن محاولتي في الأعتداء
عليها؟... لا أعتقد أن هذا ضروري اً...
فقلت: ]قالت أنها بتتزوج... تقدم لها ريال محترم... ولد ناس وأياويد... مو
مثلي .. ولد رقاصة...[
صرفت ناظري إلى الأعلى... إلى القمر والنجوم... وأكملت: ]حسيت وكأنها
خانتني... وخبرتها بحبي لها... لكنها قالت أنها ما تحبني... ولما سألتها ليش
كنتي تأكليني بيدج... قالت أن شكلي كان يضحكها... يعني كانت تضحك علي
طول الوقت...[
ثم نظرت إلى أصابعي: ]عقبها ما أعرف شو صار فيني بالضبط... كنت
معصب ومجروح... فحاولت... حاولت...[
نظرت إليها... وأردفت حين سقط المطر: ]كنت برتكب فيها جريمة... لكن من
عرفت ألي كنت أحاول أسويه... هربت!... ورجعت لأحضان أمي وأبوي
على أمل أن يرتاح صدري من هالعوار ألي قطع قلبي...[
حضنت ركبتي... وضممتهما إلى صدري كي يختفي هذا الشعور...
فقلت: ]وبعدها بفترة... فضحني محمد عند خالد... والكل عرف أن أمي
ترقص وأبوي يدق طبل... فشرطت عليهم ننتقل من الفريج... فينا هني[
سألتني: ]وليش فتن عليك؟[
]كنا نلعب كرة طايرة على البحر... فحاول يستفزني... فضربته من خاطر...
ففتن علي[
نظرت إليها وقلت: ]وانتقلنا هني... وتعرفت على ميحد... الولد الي يبته
هني... وقررت أن أرضى بالواقع وأعترف بالحقيقة لو حد سألني عن وظيفة
أبوي...[
فقالت: ]هني تنتهي قصتك...[
]هذا هو سبب حزني... والمصيبة أني ما أقدر ابتسم لما حد يطلب مني...
أحس أني نسيت كيف ابتسم... أمي وأبوي هم سبب هالمصايب[
مدت يمناها لتمسك بيمناي... وضمت يدي بين يديها رغم ثخانتها وأخذت
ترتب عليها...
وقالت: ]غني... صوتك روعة لما تغني... أحسه يطلع من الخاطر...[
أخذت نفساً عميق اً... وبدأت بالغناء...
]كل من تغلى وراح... هالوطر مدري به
دايم حزن وجراح... لا أحساس ولا طيبه
أهل الوفى راحوا... زمن الوفى ذله
صاروا بليا قلب... خلن يبيع خله
شفت البشر أجناس... وسط الغدر غرقوا
شفت بعيون الناس... بعد الوفى أفترقوا
لا لا تظن يا صاح... وطر السعد يرجع
ما أشوف أحد مرتاح... والعين دوم تدمع
شفت القلوب ألوان... أسود سواد الليل
شيبه وصغير شقيان... كلن يذوق الويل
إنسان زمان راح... وتذكر أحبابه
هالوطر كله جراح... ما ندري شو أسبابه[
)من أغاني فرقة الأخوة وفرقة الشموع(
نظرت إلي... ويدي لا تزال بين يديها... فشعرت بدفئها وحنانها... واخيراً
ابتسمت من قلبها... وقالت لي: ]أسمي مريم...[
قلت لها: ]وأنا أحمد...[
ضحك ضحكة خفيفة وقالت: ]أدري[
<><><><><><><><><><>





الفصل السابع عشر:-
في عطلة نهاية الأسبوع, ذهبنا أنا وميحد إلى السينما لنشاهد فيلماً بوليسي اً,
ولكني حتى الآن لم أفهم أي شيء منه, فقد كان مليء بالغموض... وها نحن
الآن عائدون إلى المنزل... أوصلته ثم عدت إلى قريتي... حيث يوجد بها بيتي
الكئيب...
وعندما وصلت... رأيت تجمع الناس في العرس المجاور لمنزلي, كنت أرى
أنوار العرس طيلة الأسبوع ولم أتخيل أني سأرى هذا التجمع اليوم... يبدو
أنهم يحتفلون بالزفاف لأني بدأت أسمع الطبل والبيانو...
أنتابني فضول لمعرفة ماذا يجري هناك, وفي نفس الوقت لا أريد العودة إلى
المنزل فهو ممل جد اً... ولا يوجد به أي شيء مسلي... جيد أنني أرتدي
الكندورة البيضاء والغترة الحمراء...
وصلت إلى هناك لألاحظ تمركز حدقات العيون إلي, وكأنهم يرون مخلوقاً
فضائي اً... ثم أزاحوا نظرهم عني بعد لحظات عندما تأكدوا أنني إنسان
مثلهم... أو هكذا ظننت...
للأسف... لا أعرف أحد هنا... وبعد لحظات عادت الأعين إلي... ولم أشعر
بالراحة وأنا أسمع همساتهم دون أن أفهم شيء... وكأني نجم مشهور قد تم
تلويث سمعته...
تحركت إلى الفرقة لأرى أعضاءها... توقعت أن تكون فرقة أبي... ولكنها
ليست كذلك... ولاحظت أيضاً أنها فرقة عادية وليست معلاية...
وقف الرجل الذي كان يفحص المعدات والأسلاك الكهربائية واتجه بسرعة إلى
الماكروفون... وسأل ببهجة: ]شو حابين تسموع؟![
وأزداد أصوات الجماهير وكل منهم يطلب أغنية معينة... وعن نفسي لا أبالي
أي أغنية سيختار... المهم أنني سأسمع وأرى رقصاتهم السخيفة وأضيع الوقت
حتى يغلبني النعاس...
وافق الجميع على أغنية لفرقة ميامي... لم أسمع عنها قبلا ... وبدأ بالغناء وأخذ
الجميع بالتصفيق والرقص...
في الحقيقة... أعجبني صوته قليلا ... ولكن أداءه سيء جد اً... يغني كما لو أنه
يقرأ من كتاب أو ما شابه...
وبعد أن انتهى, وهدأ الجميع قليلاً لأن العشاء سيحضر بعد قليل... ورأيتهم
يفرشون السفرة النايلونية... ثم سألت نفسي... ما الذي أفعله هنا بالضبط؟!...
كان علي الذهاب إلى البيت...
]ه ي أنت!![
التفت إلى مصدر الصوت لأرى رجل كبير يجلس على الأرض مع
أصحابه...
قال: ]تعال[
]أنا؟![
]هيه أنت تعال[
غريب!!... ما الذي يريده هذا الرجل مني؟!... حتى أنني لا أعرفه!
جلست قربه حين سألت: ]آمر عمي... حاب أساعدك بشي؟[
]ولد من أنت؟[
أشرت إلى منزلنا حين قلت: ]هذاك بيتي[
نظروا جميع اً, ثم قال لي: ]أنت ولد بو أحمد..؟[
]هيه... أنا هو...[
]أول مرة أشوفك[
سأله صاحبه: ]منو هذا بو أحمد؟[
أجابه صاحبهما الثالث: ]هذا ألي عنده فرقة معلاية... ألي ساكن بذاك البيت[
]أعوذ بالله!!!... فرقة معلاية!!![
نهضت وابتعدت عنهم بسرعة وهم ينادوني وأنا لا أكترث لهم أبد اً... فصادفت
الرجل الذي غنى قبل قليل يجلس على السفرة... فجلست قربه... ولم أتكلم
وعندما قدم الطعام بدأنا نأكل... وأشعر بأن الجميع يراني... لكن لما؟!...
لحظة!... هل لوجهي علاقة بالأمر؟!... هل ملامحي الحزينة تشدهم؟!... يا
إلهي لقد مللت من هذا الوضع!!
]أسلوبك بالغنا سيء صراحة... ما تعرف تغني...[
]ليش؟... صوتي مب حلو؟[
]بلى صوتك حلو... لكن أسلوبك أحسه سيء وايد[
أخذا يتجادلان في الموضوع... ولكني كنت مع الآخر... أداءه سيء حق اً...
ينقصه الأحساس...
قال ثالث ليسكت الثاني: ]ما عليك منه... كل شي فيك حلو... هو أصلاً يغار
منك[
بدون إرادة قلت: ]ما أعتقد...[
نظروا ثلاثتهم إلي, فقلت بعد أن أدركت ما تفوهت به: ]ألي قاله ربيعكم
صحيح... الأخ صوته ممتاز لكن أسلوبه بالغنا سيء... ينقصه الأحساس...[
قال الثالث: ]سوي عمرك خبير علينا... حسستني أنك مغني محترف...[
ثم غير نظره إلى المغني: ]ما عليك من رمسة الناس... خلك واثق من نفسك[
قلت للمغني: ]هذي الأشياء ما بتساعدك إذا أنت ما طورت من نفسك... تدرب
على نقل الأغنية للناس بصورة تحسسهم بكلماتها... مو بس تقول الكلمات على
نمط اللحن وخلاص...[
قال الثالث لي بوقاحة: ]أنت راز ويهك عندنا شحقه؟!... ومن أصلاً عسب
تقوله شو يسوي وشو ما يسوي...[
]أنا بس بغيت أساعده عسب يحسن من مستواه... ومو لازم تقول لي مثل
هالكلام[
]لو أنت ريال غني مثله عقب تعال أرمس...[
نظرت إلى الثالث بتحدي: ]أولاً أنا ريال وغصباً عنك... وثانياً لا تتحداني لأنك
مو قد التحدي...[
]كيف؟![
]قلت لا تتحداني... أنا أعرف أغني أحسن عنه... مو مثله...[
أخيراً نطق الحجر... المغني: ]لا والله!!... عيل تعال غني وسمعنا صوتك...[
قلت له: ]إذا تحديتني بتندم... من ألحين أقولك...[
قال لي بجرأة: ]يلا تعال... كل واحد يغني أغنية وبنشوف راي الجمهور[
]أوكي... موافق[
قبلت التحدي... وكنت واثقاً من الفوز... ولكن ماذا سأختار؟!... أي أغنية
سأغني...؟!
بعد العشاء, عاد رجع أعضاء الفرقة إلى آلاتهم... ثم بدأ المغني بأعلان
المسابقة بإبتسامة عريضة...
]أعزائي الحضور... واحد من الجماهير يتحداني في الغنا... فقررنا نتحدى
منو يغني أحسن اً... شو رايكم؟![
علت صرخات الجماهير... وهذا معناة أن التحدي قد راق لهم... نظر إلي
وكأنه يسأل... هل تبدأ أنت؟!...
قلت بعد أن هدأ الجمهور قليلا : ]لا أنت أبدأ... أحسن...[
توترت!... لا أعرف ما الذي حدث لي!... إنها المرة الأولى التي سأغني فيها
أمام هذا الجمهور الكبير... ومع لحن أيض اً...
سألني صاحب المغني... الثالث: ]شكلك مرتبك... أنت متأكد أنك بتتحدى؟[
نظرت إليه بثقة: ]متأكد...[
عزف العازف... إنه لحن أغنية قديمة... ولا أعرف من يغنيها أيضاً ولكني
أعرف اللحن جيد اً...
وغنى الرجل, ولم يتغير أسلوبه... نفس الأسلوب تمام اً... فشعرت أن هزيمته
ستكون سهلة... وبعد الغناء... جاء دوري أخير اً...
أخذت أتصفح دفتر الأغاني الموجود في عقلي... فأخترت أغنية... سألت
العازف: ]تقدر تعزف أغنية الطير لحسين الجسمي؟[
]هيه أقدر...[
]خلاص عيل... يلا أبدأ...[... قلتها وأنا آخذ الماكروفون من المغني...
بدأ العزف... وبدأ المغنين الفرعين بالغناء... ثم أغمضت عيني... أخرجت ما
في قلبي... حين جاء دوري فمسكت الماكروفون بإحكام...
]عمرك سمعت بطير ويحب سجانه
من شافك انت نسى وش تعني جنحانه
انا تراني طيرك اللي يحبك موت
لو حب قلبي غيرك بدعي عليه يموت
في قربك انت نسى انه ياعمري طير
ماتشد عينه السما ولا يريد يطير
هذا الغلا و الحب من الله سبحانه
عمرك سمعت بطير ويحب سجانه ؟
انت الوحيد الذي احيا علشانه
انت زرعت الوفا و امسيت هدانه
انت زرعت الوفا اومسيت هدانه
انت وانت الوحيد الذي احيا علشانه
ما اقدر اعيش بدونك يادنيتي والكون
والله وغلات عيونك ما انسام مهما يكون
قربك لقيت الدفا لأنك يا حبي غير
كل ماحلمت بوفا القاك له تفسير
هذا الغلا والحب من الله سبحانه
عمرك سمعت بطير ويحب سجانه ؟
قبلك فؤادي انا غرق في احزانه
واليوم حبك ترى نساه حرمانه
يا تاج راسي محبك يا تاج فوق الراس
تحلا الحياة في قربك يا سيد الإحساس
ما عمر قلبي شكى في دنيتك تقصير
مهما يا ذخري حكا يعجز عن التعبير
هذا الغلا والحب من الله سبحانه
عمرك سمعت بطير ويحب سجانه؟[
)من أغاني حسين الجسمي(
فتحت عيني... لأرى أن الهدوء قد نزل عليهم... محدقين بي بعيون مفتوحة
متعجبة من ما سمعوا... حدقت بهم... وخفت أن يكون أدائي أسوأ بكثير من
ذاك المغني... وقلبي يدق أكثر وأكثر وأنا أراقب وجوههم الملطخة بطلاء
التعجب...
ثم أخيراً صفق أحدهم... ليصفق الجميع ويحيوني على هذه الأغنية... ثم
ناولت الماكروفون للمغني... الذي قال لي: ]يبالي سنين حتى أوصل
لمستواك... أنت مبدع بمعنى الكلمة... صدق تغني بإحساس... وصوتك
خياالي جد اً[
شكرته وشكرت الجميع... وعدت إلى البيت...
فتحت باب المنزل, لأجد مريم تجلس على الدرج... فسألتني: ]أنت ألي كنت
تغني؟!... آخر أغنية[
]هيه أنا...[
]روعة!!... والله روعة!![
]ليش ما رحتي العرس...؟![
]تعرف أني ما بروح...[
جلست بقربها... فهمست لها: ]أطلعي من قوقعتج... شوفي الناس[
ابتسمت, ومسكت يمناي ووضعته بين يديها الباردتين, ثم قال: ]إذا أنت ما
طلعت من قوقعتك... تبيني أنا أطلع؟[
نظرت إلى الأعلى, ثم قلت: ]النجوم حلوة اليوم[
]تتمصخر؟؟... النجوم دومها حلوة...[
أخذت نفساً عميق اً... وزفرت بسرعة... ثم سألت وأنا انظر إلى عينيها: ]ليش
زاخه يدي؟[
]عسب أحسسك بالحنان...[
كانت إجابتها مباشرة... فقلت: ]ألي يسمعج الحين يقول أن فيني نقص حنان...[
لم ترد... نظرت إلى الأعلى, غنت...
]مدري بحبيبي وين... خلاني وحداني
غايب له يومين... مشتاق وأعاني[
نظرت إليها حين قلت: ]قمنا نغني علي بحر... يا عيني[
قالت: ]أحب أغانيه القديمة... صراحة كلمات أغانيه أحسها واقعية
الصراحة... أحس أني أمر بهالمرحلة بهالأغنية بالذات[
فغنيت لتغني معي...
]يمكن تطول غيبته... ويمكن بعد ما يعود
مدري شسوي بالوله... صبري أنا بحدود
غايب حبيبي بعيد... عني وعن أشجاني
ضحيت له بعمري... وألحين ينساني
لو كلمة منك يالقمر... أطفي نيراني
أحاول انسى السهر... وأساير أحزاني[
)من أغاني فرقة الأخوة(
تنهدت ثم قالت: ]تعرف... بعد الصلاة والدعاء لله... أحس أنه أستجاب
لدعائي... وحطك في طريجي...[
]يمكن...[
ابتسمت وقالت: ]ممكن طلب يا الحزين؟[
]أكيد... تفضلي...[
]أنسى كل الي صار لك قبل... وأفتح مع نفسك صفحة يديدة[
<><><><><><><><><><>





الفصل الثامن عشرة:-
كانت المفاجأة كبيرة حق اً... لم أتوقع أن أرى هذا الشيء في غرفتي قط... حتى
أن ميحد فوجئ بوجوده أيض اً... لم نتخيل أننا سنعود من المدرسة حتى نعثر
عليه في الغرفتي...
قال أبي بابتسامة عريضة: ]شو رايكم بالمفاجأة؟...[
سألت من شدة الدهشة: ]متى شريته؟!... وكيف دخلته هني؟!... وبكم أصلاً
شريته؟![
]ألحين على أي سؤال تبيني أجاوب؟... عموماً هذا كله ما يهم... المهم هو
أنت... ما أبي أحس أني مقصر معاك[
قال ميحد بسعادة: ]منو قدك يا أحمد؟... ها أنت تحصل كمبيوتر يديد ومن
طراز عالي الدقة...[
سألت: ]كيف أشغله...؟[
ميحد: ]أنا بشغله لك... أنا خبير في هالسوالف...[
كانت الشاشة كبيرة وفاخرة... والجهاز نفسه أسود اللون... وظهرت منه
أضواء حمراء وخضراء حين ضغط ميحد على الزر الموجود في وسط
الجهاز... ثم جلس على الكرسي... وسحب درج الطاولة لتظهر لوحة
سوداء... وكائن غريب...
سألت: ]شو ها؟[
قال ميحد وهو ينظر إليها: ]هذا الكيبورد... وأما عن هذا هو الماوس...[
نظر إلي حين أكمل: ]الكيبورد يستخدم للكتابة وأحياناً لأغراض ثانية...
والماوس يستخدم لتحريك السهم ألي يظهر في الشاشة... عسب تتنقل من
صفحة لصفحة... أو من مجلد لمجلد... أو لتشغيل الملفات والبرامج... وله
أستخدامات كثيرة... بتفهمها لو أستخدمتها كل يوم...[
ثم نظر إلى أبي وسأل: ]ركبتوا انترنت؟؟...[
قال أبي: ]سمعت الريال يتكلم عن الانترنت... بس ما عرفت كيف أركبه...[
أخذ ميحد يفحص الجهاز ولا أعلم ما الذي يفعله... ولكنني شعرت أنه يعرف
كيف يتعامل مع هذا الحاسوب... وقد بدا مذهولاً منه... حتى أن عيناه فتحتا
حتى أقصى حد...
قال: ]أبو أحمد... ممكن أعرف أنت بكم خذت هالكمبيوتر؟![
]ليش؟؟[
قال متفاجئ اً: ]هذا الجهاز خارق!![
لم أفهم ما قاله, فسألته: ]كيف يعني؟[
قال: ]الرام روحه 90 جيجا... وغير أن بطاقة الشاشة من قطع شركة أنفيديا
الغالية... وسعره ما يقل عن 91 ألف درهم!!... وغير سرعة الكمبيوتر!![
نظرت إلى أبي, وميحد كذلك... فسألته بجدية: ]أبوي... بكم خذته؟[
قال: ]الهدية ما ينقال عن سعرها...[
]غالي... صح؟[
]الغالي دوم يرخص للغالي...[
مد يمناه إلى وجهي, ليداعب ملامحي ولحيتي... وقال: ]وأنا ما عندي أغلى
منك... أنت وحيدي... آآآآآخخخ!![
مسك قلبه وصار يتألم... خفت: ]أبوي شو فيك؟؟؟!!![
ضحك وقال: ]ما فيني شي... بس حسيت بقرصه... المهم بخليكم مع
الكومبيوتر...[
لم يكن وجهه طبيعي اً... تغير 919 درجة...
أذن!!... سمعنا أنا وميحد الأذان... بعد أن مضت فترة طويلة ونحن على
الكمبيوتر...
قلت: ]مر الوقت بسرعة...[
]صدقك... عموماً مبروك عليك الكمبيوتر... ناقص لك الانترنت بس[
]الله يبارك في حياتك... بس ما أعرف كيف أستخدمه؟[
]أنا بعلمك... أنا أعرف أنك بتحبه ويمكن ما بتتركه بعد[
جلست قربه... وأخذ يعلمني خطوة خطوة... كيف أفتح البرامج وأغلقها...
وأنسخ الملفات وأقصها وانقلها إلى مجلدات أخرى... والأهم من ذلك... علمني
على برنامج الوورد والرسام... وطلب مني أن أكتب كثيراً حتى أحفظ مواقع
المفاتيح...
قامت الصلاة!... قال ميحد: ]يلا نروح نصلي...[
نهضت معه... وأنا متوتر... فأنا منذ نعومة أظافري... لم أصلي... رغم أنني
تعلمت الصلاة في المدرسة إلا أني نسيت كل شيء...
خرجنا من بيت, فسأل: ]ليش أبوك ما يصلي معانا؟[
قررت أن أعترف بالحقيقة... هذا أفضل لي... فقلت: ]أبوي ما يصلي
أصلا ...[
]كيف؟![
]محد بالبيت يصلي... لا أنا ولا أمي ولا أبوي... محد...[
]ليش؟!... شو السبب؟![
]ما أدري...[
]كيف ما تدري؟!... شي ما يدخل المخ أصلا ...!![
]ما أعرف شو أقول...[
نظرت إلى عينيه الحائرتين... فنطقت لا إرادي اً: ]علمني يا ميحد...[
توقف فجأة... وكأنه لم يعي ما لفظت به... أو كأنه يسأل نفسه أمعقول أن
هناك أناس مثلي؟!
سأل من جديد: ]كلامك ما يدخل المخ... مو قادر أستوعب... أنت صدق ما
تصلي؟![
]هيه صدق...[
]من ترك الصلاة فقد كفر!!... ما سمعت عن هالحديث؟![
]لا...[
ثم قلت له وكأني طائر جريح: ]أهلي ما علموني أي شي يخص الدين... وكأني
مسلم على فاضي...[
]بس ليش؟[
]ما عندي الإجابة لأني أنا بعد ما أعرف السبب[
نظر إلى المسجد الأبيض الذي كان يبعد عنا 99 أمتار تقريب اً... ثم أعاد نظره
إلي... لاحظت في تحديق عينيه عدم التصديق...
فقال: ]لو ألي تقوله صحيح... عيل هذا سبب تعاستك يا أحمد...[
]كيف يعني؟[
]أنت بعيد وايد عن الله... لها السبب تحس بالهم والتعاسة...[
وضع يده على كتفي الأيمن... وقال: ]أنا بعلمك... وما بتركك لين ما تتعلم...[
<><><><><><><><><><>





الفصل التاسع عشر:-
أوصلت ميحد إلى منزلهم بعد أن صلينا المغرب سوية... علمني كيف
أصلي... وكيف أتوضأ جيد اً... وأخذ مني وقتاً طويلاً لأحفظ آخر عشرة سور
من القرآن حتى أقرأهم في أثناء الصلاة... وأستغرق الوقت من صلاة العصر
حتى المغرب...
لم يقصر ميحد معي أبد اً... وأشعر بالراحة الآن... فقد قال لي أن ابتعادي من
الله هو سبب تعاستي... وأعتقد أن كلامه صحيح فأنا الآن أشعر بالراحة... أو
ربما أتوهم ذلك...
وصلت إلى البيت ولم أجد الحافلة الصغيرة... فعرفت أن أهلي قد ذهبوا إلى
أحد الأعراس ليؤدوا عروضهم المخلة للآداب...
لكن لحظة!... لما لم أفكر بذلك من قبل؟!... لماذا لم يعلمني أبي أو حتى أمي
عن الصلاة والدين؟!... ربما لأن الحياة قد ألهتهم...
دخلت المنزل, لأجدها تجلس على الدرج وحدها... فسألت: ]يالسه
بروحج؟؟... الظاهر أمج مو موجودة...[
]قبل شوي طلعت... جان أيلس برع[
]انزين أدخلي داخل الجو بارد[
]صدقك... تعال الصالة نشوف التلفزيون[
دخلنا الصالة واشعلنا التلفاز وأخذت مريم تقلب بين القنوات حتى وضعت قناة
للأطفال... تعرض فيها الرسوم المتحركة...
صرخت: ]الله!! .. أنا وأخي!!... زمان ما شفت هذا الرسوم!![
]قديمة أنتي... يبي الريموت[
]لا ما بعطيك... بتغير القناة...[
شعرت وكأنها تريد مشاكستي... فقلت: ]بتييبين ولا شلون؟![
]لا ما بيب... خلني أطالع[
وقفت على قدمي واتجهت إليها فأخفته خلف ظهرها... حاولت أخذ جهاز
التحكم "الريموت" منها... ولكنها تهرب مني بسهولة...
]أقولج يبيه بسرعة ولا باخذه بالقوة![
قالت متحدية: ]يلا تعال خذه لو تقدر[
هربت إلى باحة المنزل فلحقتها... ولكنها أسرع مني... وآلمتني مفاصلي من
الركض خلفها... وصرت ألهث...
قالت: ]يا الدب... تعبت بسرعة يا التعبان[
]شو أسوي؟... زماان ما ركضت..![
]خف وزنك يا الدرام!... تر بتتعب عقب... يلا أركض وراي عسب تخف...[
حاولت اللحاق بها ولكني تعبت كثيراً وآلمتني مفاصل قدمي وخصوصاً
ركبتاي... اتجهت إلى الصالة ورميت بجثتي على الأرض وأنا ألهث من
التعب... ودخلت هي الأخرى ضاحكة...
قالت: ]أنا المنتصرة دائم اً[
آلام مفاصلي زادت كثير اً... وصرت أتألم ولكن بصمت...
تغيرت ملامحها ونحت القلق على وجهها حين سألت: ]أحمد بلاك؟... شو
فيك؟[
قلت لها بتألم: ]ريولي... وركبتي... آخ! الجو البارد أثر علي...![
وضعت يدها برقة على جبيني, فقالت: ]ما شي حرارة...[
]قلت ريولي تعورني... ما قلت أنا مريض[
]تريا علي ثواني خلك هني لا تتحرك![
ركضت إلى الخارج... أعتقد إلى المطبخ أن لم يخب ظني... آآخخخ!! إنها
تؤلمني كثير اً!!... كان علي أن لا أركض... ولكن معها حق... علي أن
أركض وأمارس الرياضة بشكل دائم لأزيل هذه الدهون التي تكاثرت في
أرجاء جسمي...
عادت إلي وقالت: ]دقايق وبيسخن الزيت...[
ودخلت إلى المخزن وأحضرت وسادة ووضعتها تحت رأسي... وسألت: ]لين
ألحين يعورك؟[
]غريبة!... شو هالأهتمام؟!... صار لنا شهر يمكن نكلم بعض وما شفت
هالاهتمام الزايد إلا ألحين[
]لا تبالغ... كلها أسبوع...[
]آآآخخخ ريولي!... كله منج... قلت لج يبي الريموت[
سحبت كندورتي للأعلى حين سألت: ]ركبتك تعورك صح؟[
أخذت تضغط على ساقي وركبتي بخفة وتدلكهما بحنية... ثم خرجت إلى
المطبخ وعادت ومعها أناء صغير وأغلقت الباب بسبب البرد وأشعلت أضواء
الثريات لتدفئنا... وضعت يدها في الأناء ثم وضعت السائل الأخضر على
رجلي...
]أوووف!!!... حار!!![
]آسفة وايد سخنته...[
]شو انزين؟![
]دوا... كنت أحطيه لأمي قبل... لأن مفاصلها كانت تعورها وايد...[
]يمكن هالدوا مب زين حقي... [
]لا أوكي هذا... أنا مجربتنه وأعرف فوايده...[
أغمضت عيني... والدواء الساخن ينزلق على رجلي وأشعر بأن الألم يتطاير
بعيداً عن مفاصلي...
]شكر اً... ما قصرتي...[
أخذت جهاز التحكم وأغلقت التلفاز ووضعته فوق الطاولة... ثم أحضرت
البطانية وغطتني به وكأني طفلها المدلل...
وغنت...
]لو كان في قبضة يدي... غضبي العدو الأوحدي
لرميته ونثرته... بكل ما في قوتي[
عجب اً!!... إنها المرة الأولى التي أسمعها تغني فيها...!!
]أول مرة أسمعج تغنين[
]أحب أغاني حسين الجسمي... وأحب أسمع لراشد الماجد بعد...[
نظرت إلى السقف, وقلت لها: ]يلا نغني مع بعض[
بدأت أغني... حتى غنت معي بسرعة...
]يقول اللي قضى ليله حريب النعاس
جفاه النوم ما غضى بالأنعاسي
حليف الهم بات بخاطره وسواس
وناته تهد الشامخ الراسي
أنا الشاكي أنا الباكي أنا الحساس
أنا اللي في المحبة خاضع راسي
وأنا لغير المحبة لا ما خضعت لراس
وكم في كم غيري في الهوى يجاسي
بلاني حب من في القلب حبه ساس
حبيب ممتلك روحي مع إحساسي
أحبه حب صافي ما وراه إغلاس
وأشاوقله وشوقي يزيد نوماسي
يقول اللي وصف في الناس ناس أجناس
صدق وصفه وراعي الوصف حساسي
تجلت حكمة الخالق في بعض الناس
وسبحان الذي فند في الأجناسي[
)من أغاني حسين الجسمي(
<><><><><><><><><><>





الفصل العشرين:-
انتهت الحصة الأخيرة وها أنا الآن أعود إلى البيت مع سيارتي وأنا أسمع
أغنية لحسين الجسمي...
فتحت باب المنزل لأجد أبي على الأرض بدون حراك!... رميت كتبي على
الأرض وركضت إليه!!
صرخت: ]أبوي أشفيك!!... شو صار لك؟؟!![
ولكنه لم يجب علي أبد اً... فصرخت: ]أمي!!... عزوز!!... تعالوا بسرعة...!![
خرجت أمي من المطبخ وركض إليها وتبعها عبدالعزيز الذي خرج من
الصالة...
صرخ: ]بو أحمد!!... بلاك على الأرض!![
حاولنا معه كثيراً ولكنه لا يستجيب فأخذناه إلى المستشفى بسرعة بدون أي
تردد... وأخذنا ننتظر خروج الطبيب لنعرف ما سبب فقدانه لوعيه...
وأمي تهذي كثير اً: ]كان بخير... والله أنه كان بخير!!... قال لي بسير السيارة
وبرجع!!... ما دريت أنه بيطيح...!![
وعبدالعزيز يحاول تهدئتها: ]خلاص خلاص يا أم أحمد... إن شاء الله يقوم
بالسلامة...[
لأول مرة أشعر بالقلق على أبي... لا أعرف لما أنا خائف عليه هكذا... ربما
لأنها المرة الأولى التي يقع فيها على الأرض بدون حراك... أشعر بقلق
رهيب حيال ذلك...
قالت لي أمي: ]حبيبي... سير أقعد على الكرسي عند الرياييل هناك... أعرفك
تعبان... ياي من المدرسة...[
اتجهت بسرعة إلى الكراسي –مكان انتظار الرجال- ربما أرتاح قليلاً من هذا
القلق... وجلست بقرب من رجلان يتحدثان ويثرثران عن النساء...
الأول قال بحماس: ]كيف جي؟؟... وكيف عرفت أنها تحبك أصلاً؟؟..[
بدا الأول غير مصدق, فرد الثاني بجدية: ]هناك أكثر من طريقة تعرف فيها
إذا كانت البنت تحبك ولالا... وأنا أستخدمت طريقتي الخاصة...[
]ما شاء الله... عندنا ناس تفكر بس بالحب... يا عيني!!... المهم... كيف
عرفت أنها تحبك؟... خبرنا عن طريقتك يا محتال...[
قال الثاني بثقة وهو يغمز بعينه للأول: ]بوسه على الخد تكفي...[
تسائلت كما تسائل الأول: ]كيف يعني؟؟... ما فهمت...[
قال: ]البنت ألي تحبك... ما ترفض منك ولا شي... وأحلى شي عندها البوسه
والحضن... ولو قالت لا... معناتها البنت ما تحبك وما تبيك... ولو استجابت
لك... معناتها تحبك...[
]اااهااا... صدق أنك مب هين!... عرفت كيف تييبها يا مجرم![
]افا عليك... قدها وقدود...[
الحب... إنه المرض الذي ليس له علاج... أو ربما له علاج ولكنه يختلف من
علاج لآخر... أني أتذكر سلوى وحبها الذي سلب عقلي وقلبي... لكن لما لا
أستطيع نسيانها؟!... متى يا ترى سأتخلص من خيالها الذي يداعب عيني في
كل لحظة اتذكرها... كانت لطيفة جداً معي... وأحترمتها كثيراً فبادلتني
الأحترام... لكنها لم تبادلني المشاعر... كنت أعيش في وهم ليس له وجود
أصلا ... ولا أعلم إلى متى سأظل هكذا عالقاً بحبها...
خرج الطبيب من الغرفة فأسرعت إليه مع أمي وعبدالعزيز, فسألت أمي بقلق
قاتل: ]بو أحمد شو فيه؟![
نظر إلينا الطبيب بصمت غير طبيعي ليزيد خوفنا, ثم قال: ]قلبه تعبان... من
الأرهاق والسهر... والجو البارد أثر عليه وايد...[
سألت: ]هو بخير الحينه؟؟...[
]هيه... بس يحتاج لراحة... ولو تعرض لنفس النوبة مرة ثانية... يمكن يروح
فيها[
فز قلبي وتسللت نسائم الفرع الباردة إلى صدورنا... ثم أكمل: ]خلوه يستريح
هني بالمستشفى كم يوم أحسن له... وبعد شوي بينقلونه لغرفته...[
إنها الساعة العاشرة مساءً ... وأبي لم يفتح عينه حتى الآن... وأمي جالسة على
الكرسي تستند رأسها على سريره, ثم وصلت أمينة بصحبة عبدالعزيز...
وأخذت تثرثر مع أمي عن صحة أبي... وألغاءهم لجميع الأعراس التي كانوا
سيعرضون فيها مهاراتهم القذرة...
ثم نظرت إلي أمي, وقالت: ]أحمد...[
]نعم أمي[
]سير البيت حبيبي ونام... باجر مدرسة[
]وأبوي...[
]نحن عنده... سير حبيبي البيت وأرتاح... من الظهر أنت هني[
قال عبدالعزيز ليطمئن نفسيتي: ]ما فيه إلا العافية... ونحن بنكون معاه[
لم اهمس بشيء... فتحت الباب وغادرت المشفى...
لم يرحل أبي من مخيلتي وأنا في طريقي... يا الله!!... لما يحصل معي كل
هذا؟!... هل لأنني لا أصلي كما قال ميحد؟؟!!... لحظة لحظة!!... أنا لم أصلي
أي صلاة هذا اليوم!!... علي أن أسرع إلى أقرب مسجد...!
دخلت المسجد... وكان هناك رجل وحيداً يقرأ القرآن... لم أكترث له وبدأت
بالصلاة... صليت أربع ركعات... وقرأت السور التي حفظتها... ولا أعرف
إن ما فعلته صحيح أم لا... علي أن أسأل ميحد غد اً...
وبعد أن سلمت, رفعت يدي إلى الله, وقلت: ]يا رب!... أشفي أبي... وأبعث
السعادة في نفسي... يا رب أرحمني... وأجعلني سعيد اً... يا رب... لقد
تعرضت لمصائب كثيرة في حياتي... دع هذه الذكريات ترحل عني... يا
رب!![
وخرجت من المسجد... وعدت مباشرة إلى البيت وأنا أشعر براحة قليلا ...
وعندما فتحت الباب... وجدتها تجلس على الدرج كالمعتاد...
سألتني: ]ها يالحزين... شو أخبار الوالد؟[
]الحمد الله[
]ليش صوتك جي وكأنك مخنوق؟![
وقفت على قدميها وأخذنا نتقدم من بعضنا... ووضعت يدها على جبيني ثم
قالت: ]شو صحة أبوك؟[
]قالوا نوبة قلبية... كيف صارت ما أعرف...[
نظرتُ إلى عينيها ودققت النظر إلي, ثم سألت: ]في شي مضايقك صح؟[
]كيف عرفتي؟![
]أنت ويهك حزين من عرفتك... لكن هاي المرة غير[
قلت لها: ]ليش أنا ألي يصير فيني كل هذا؟!... قبل سلوى راحت عني... عقب
خالد ابتعد عني... وألحين أبوي... ليش ألي أحبهم يروحون واحد ورا
الثاني؟![
وضعت كفها البارد على خدي, وتداعب بأبهامها وجهي, ثم قالت: ]يمكن يكون
أختبار من الله... يعلمك الصبر... مثل ما خذ مني كل ألي أحبهم...[
أخذنا نتبادل الأنظار مع بعضنا حتى أزاحت يدها عني, ثم همست: ]لكنه حط
يدامي إنسان... ما كنت أتوقع أن عواطفي بتميل له... وبينسيني كل آلامي[
همستُ : ]من تقصدين؟![
]لين ألحين ما لاحظت؟!...[
تنهدت ونظرت إلى الأرض, ثم تقدمت إلي ووضعت أذنها على صدري
وطوقت ذراعيها حولي... ثم همست: ]أبي يكون مكاني هني... لأن يكفيني في
هالدنيا قلب دافي...[
تصلبت كل ذرات جسدي, وارتعشت وتعرقت قليلا رغم البرودة التي
تحيطنا... لا أستطيع أستيعاب ما يحصل هنا... وفي نفس الوقت... أشعر بدفئ
غريب... دفئ ليس له مثيل أبداً أبد اً!!!... إنه دفئ رائع حق اً!!
وبعد دقيقة كاملة ابتعدت عني وعانقتني بقوة, فشعرت بحرارة جسدها يذ و ب
كل جليد في ي ... ولكني لم أبادلها العناق... وفي نفس الوقت... من شدة الشعور
بهذا الحنان العجيب... سالت من عيني اليمنى دمعة ثقيلة جد اً...
سألتها حين ابتعدت عني ووصلت الدمعة عند ذقني: ]تحبيني؟![
أجابتني: ]هيه أحبك... بديت أحبك بالتدريج حتى طيحتني في هواك... وكأن
مكتوب لنا هذي الأحاسيس[
لا أريد أن أخدع من جديد... لا أريد العيش في وهم آخر... !!... يكفي ما
حدث معي!!... لا أريد المزيد من الطعون...!!... موت يعذبني ولا قلب
يجرحني...
سألتها: ]شو الدليل على أنج تحبيني؟![
فجأة!... تذكرت حديث الرجلان في المستشفى اليوم... فأقتربت منها... يجب
أن أتأكد إذا كانت تحبني فعلاً أم لا... لكنني ذهلت حين ألصقت شفاهها بنفسها
على شفاهي... فانفجر قلبي!!... وأغمضت عيني لتخرج كل آلامي!!... وفي
تلك اللحظة بالذات!! نسيت كل شيء والدمع يروي وجهي... وتحركت يداي
بملئ إرادتهما وطوقتهما حول خصرها وسحبتها إلي كي لا تبتعد...!!
بعد فترة من تلاحمنا, ابتعدنا عن بعضنها... فنظرت إلى وجهي ومسحت
دمعتي... فابتسمت من قلبي... بسعادة...
فقالت: ]تغير ويهك 919 درجة... صارت ملامحك فرحة... وابتسامتك
مشرقة[
مسكت يدها, وقلت لها من أعماق قلبي: ]أحبج...[
<><><><><><><><><><>





الفصل الواحد والعشرين:-
في الصباح الباكر, بدون سابق إنذار... بدون أن أتخيل أن يحدث هذا...
]يلا قم!!... راقد لين هالوقت ليش؟!... كنت متوقعة أنك ما بتنش للمدرسة...[
فتحت عيني بخوف ونظرت إليها... وهرعت من سريري... وكاد الخجل أن
يمزقني حين أدركت أنها تراني وأنا بدون فنيلة...
قالت وهي تغادر الغرفة: ]يلا اتجهز... دقايق والريوق يكون جاهز...[
أخذت أعصر الوسادة والبطانية من شدة الخجل!!... يا إلهي!!... كم كنت
غبي اً!!...
أغتسلت ولبست ثيابي بسرعة... وأخذت غترتي من الدولاب ونظرت إلى
التسريحة لأصعق!!... لقد تغيرت ملامحي 919 درجة...!!... لا أصدق إن
الذي يقف أمام المرآة هو أنا!!... بدأت ألمس وجهي غير مصدق ما أراه...
ثم صرخت مريم: ]حوووووو!!... ما تجهزت...[
]بلى بلى ياي...![
تغترت بسرعة... وخرجت إلى المطبخ ونظرت إلى الساعة... إنها
السابعة!!...
صرختُ حين دخلت: ]يا ربي تأخرت!!... باقي نص ساعة على الحصة
الأولى...!![
قالت بصرامة: ]كله منك!!... راقد رقااد الفيل...!!... المهم يلا أشرب ال...[
أخذت تنظر إلي بدهشة... ثم قالت: ]يا الله!!... شكلك تتتغير وايد!![
ابتسمت حين قلت: ]حتى أنا انبهرت[
أخذت تحدق بي وهي تقترب: ]ما كنت أدري أن عندك غمازات...[
وضعت كفها الأيمن على خدي حين قالت: ]أنت الحين أحلى وأجمل بواايد عن
قبل يا أحمد...[
وضعت يدي على يدها التي على خدي, فشعرت بسعادة... ثم وضعت رأسها
على صدري وقالت: ]إن شاء الله السعادة ما تفارقنا أبد...[
سألتها من جديد: ]تحبيني؟[
]طبع اً...[
]شو الدليل؟![
قالت: ]ما كفاك الدليل الأمسي[
ضحكت قليلاً ثم قلت: ]بلى... كان يكفي وزيادة... اوووبس!! تأخرت!![
خرجت من المطبخ حين سألت: ]وين ساير؟![
صرختُ : ]بشغل السيارة!![
أشعلت محرك سيارتي البيضاء –ألتيما- ورجعت إلى المطبخ... وشربت
الحليب وأكلت شطيرة البيض... وخرجت من المطبخ بسرعة وهي تودعني
بسعادة... وعندما وصلت إلى الباب... عدت إليها من جديد...
سألت متعجبة: ]ليش رجعت؟![
حضنتها بقوة حين قلت: ]أشتقت لج...[
ضحكت, ثم ودعتها بحرارة وغادرت إلى المدرسة بسرعة ووجهي مبتسم...
تماماً يعكس ما بقلبي...
وصلت الصف في الوقت المناسب تمام اً... والفرحة تغمرني كثير اً...
]السلام عليكم...[
اتجهت إلى طاولتي مباشرة ووضعت كتبي في الدرج فالتفتُ إلى الطلبة الذين
يروني بعيون لا أعرف كيف أوصفها...
سألت مباشرة: ]بلاكم؟...[
اسقط أحدهم القلم على الأرض... ثم دخل ميحد حين سلم... ونظروا إليه
فتعجب هو الآخر...
]بلاكم متسمرين جذي؟![
نظر إلي... فأسقط كتبه فجأة... وصرخ: ]أحمد!!!...[
]هاا شوو؟؟!![
اتجه إلي بسرعة, ثم قال حين وصل إلي: ]شو صار لك؟![
]ليش؟؟... شو بلاني؟[
قال أحد الطلاب: ]أول مرة في حياتي أشوفك فرحان جي...!![
ثم قال آخر: ]صدق اليوم أنت غير يا أحمد... مو مثل قبل[
قال ميحد بسعادة: ]إن شاء الله دووم فرحان وسعيد... بس خبرنا عن سبب
سعادتك[
قلت له في تفاؤل وسعادة: ]كلامك كان صحيح يا ميحد... السبب الأصلي
لتعاستي هو أني كنت بعيد من الله...[
وقفت على قدماي, ووضعت يمناي على كتفه... وشكرته: ]الشكر يعود لك...
لولا وقوفك معاي... ما كانت بتشوف بسمتي اليوم...[
قال ميحد بسعادة: ]يا الله!!!... سبحانك تغير وما تتغير!!... أحسنت يا أحمد...
أحسنت!![
فتحت له ذراعي... فعانقني مباشرة...
بعد أن خرجت من المدرسة... وبعد أن صدم الجميع... وبعد أن أصبحت
أتفاعل معهم أيض اً... ذهبت إلى المسجد لأصلي ثم اتصلت بأمي...
]شخبار أبوي الحينه...؟[
]الحمد الله... تعال اليوم بعد ما تتغدا...[
]أكيد بيي...[
أغلقت الهاتف عندما وصلت إلى البيت ودخلت بسرعة... ورحبت بي مريم
بسعادة...
]هلا وغلا بأحلى أحمد في العالم...[
لم أتمالك نفسي... فحضنتها بسرعة... ثم قلت: ]أنا يوعان... شو طبختي؟[
]أمي ألي طابخة...[
]أمج موجودة!!![
]هيه... بغرفتها...[
]تعرف أي شي عنا؟![
]لا طبع اً...[
دخلت الصالة لأجد صحنان فقط... صحن شبه ممتلئ... وصحن آخر لا يوجد
به سوى الخضار...
سألت: ]شو ها؟![
قالت وهي تجلس على السفرة: ]من اليوم وساير... أنا بسوي لك نظام غذائي
خاص... عسب تضعف وتتخلص من هالشحوم[
]وليش هالتعذيب؟؟!![
]شوف عمرك!!... صاير دبدوب!!...[
وأردفت حين رفعت حاجبها الأيمن: ]ورح تتبع هذا النظام غصباً عنك[
]لا ما أبي!!... أذبح عمري أشحقه...؟!![
وقفت على قدميها من جديد, ثم صرحت: ]بتضعف يعني بتضعف... تسمعني
ولالا!!... شوف جسمك كيف ينرفز!!... حتى طالعتلك ثديان!!... وألي يشوف
كرشتك يقول حامل بشهر التاسع!![
وضعت يدي على بطني ثم قلت مازح اً: ]أويه!! يرافس!![
ضحكنا بسعادة ثم قالت: ]مب زين تقول جي... تر تهز عرش الرحمن...[
قلت مستسلم اً: ]خلاص... بتبع الرجيم مالج... وأمري لله[
<><><><><><><><><><>





الفصل الثاني والعشرين:-
دخلت غرفة أبي في المستشفى وبيدي وردة حمراء... نظروا إلي وإلى
ابتسامتي السعيدة... حين وضعت الوردة بيد أبي الراقد على السرير الأبيض
وقبلت رأسه...
وقلت: ]الحمد الله على سلامتك يا الغالي[
صرخت أمينة: ]أحمد!!... زمان عن ابتسامتك وعن هالويه السمح[
قالت أمي: ]ماماتي شو صار؟!... ليش أنت فرحان جي؟![
قال أبي: ]أكيد لأني قمت من الغيبوبة... صح؟[
]هيه أكيد... ولو... أبوي يرجع لي سالم وغانم... ما أفرح؟![
قالت أمي: ]لا... ما أظن... أعترف شو صار؟[
وضعت يدي على قلبي... ثم قلت براحة: ]قلبي قام يدق مرة ثانية[
صرحت أمينة بابتسامة خبيثة: ]اوووووووووه... طلع يحب!!... هذا آخر ما
توقعته منك!![
سأل عبدالعزيز بخفة دم: ]منو هاي تعيسة الحظ ألي أمها وأبوها داعيين
عليها؟[
قلت: ]مب لازم تعرفونها الحين...[
قال أبي بسعادة: ]لو تشوفها مناسبة... عادي بنخطبها لك[
أخذنا نضحك ونتبادل أطراف الحديث... ثم وقفت على قدمي حين قلت: ]يلا
بروح أصلي العصر وأرجع...[
نظر الأربعة إلي, فسأل عبدالعزيز: ]وين رايح؟[
تعجب أبي: ]تصلي؟!... رايح تصلي؟![
قلت بابتسامة: ]هيه ساير أصلي عسب الله يوفقني في دنيتي وآخرتي...[
سألت أمينة بتعجب: ]ومن متى قمت تصلي؟![
نظرت إليهم جميع اً... ثم عاتبتهم: ]طول حياتي وأنا عايش تحت جنحانكم...
محد فيكم خبرني عن الصلاة... وعن الدين الإسلام... وكأننا مسلمين أسم
بس...[
ثم خرجت لأجعلهم يحتارون بأمري... وذهبت لمصلى المستشفى... وطمأنت
بالي...
لم أكن أريد الخروج من المصلى... كنت أشعر براحة عظيمة جداً عندما
أصلي... بدون سبب... عيناي تدمع... ربما من شدة السعادة والراحة... فقد
كنت أتلذذ بالسجود والركوع حتى أنني أطول كثيراً بهما... آآآآآآآآآه!!... لما لم
أكن أصلي من قبل... لجعلت تلك الهموم تختفي تماماً في ثواني قليلة...
عندما سلمت... جلس بقربي رجل طاعن بالسن... وسألني: ]ليش طولت
هالكثر؟[
نظرت إليه وثغري مبتسم من شدة الارتياح... ثم قلت: ]من عظمة ما حسيت
فيه[
نظرت إلى السقف حين قلت: ]تعرف... لو أن أبوي مطوع... كان بيعيشني
بجنة...[
ثم نظرت إليه: ]تعلمت الصلاة من ربيعي... أمسات علمني... والحمد الله أنه
يا في الوقت المناسب...[
قال الرجل الذي لم يفهم أي شيء مني: ]يزاك الله خير ولدي... ثابر على
الصلاة... فهي تنهى عن الفحشاء والمنكر...[
سألته بتفاؤل: ]حافظ القرآن؟[
]يعني... كم سورة... طبعاً حافظ جزء عم كامل... وإما عن باقي الأجزاء...
شوية بس...[
ثم سألته بشغف: ]كيف ممكن أرضي الله تعالى؟[
ضحك وكأني قلت نكته... ثم قال: ]يمكن تستعبط علي... عموم اً... رضا
الوالدين من رضا الله... يعني الأبوين هم أهم شي... لازم تبر بهم وتكون قرة
عينهم...[
خرجت من المصلى وعدت إلى أبي بسرعة... فتحت الباب بسرعة وأغلقته...
فرأيت أعينهم المرسومة بفرشاة الحيرة...
سألت أمي بسرعة: ]أمي... أنتِ راضية عني صح؟[
]بسم الله!!... شو فيك؟![
قالت أمينة بتعجب: ]الحب يسوي جي؟![
]أمي!!!... أنتِ راضية عني ولالا؟!![
]هيه... أكيد راضية عنك...[
ثم وجهت نظري إلى أبي: ]وأنت؟... راضي عني ولالا؟؟؟[
قال بعد أن ضحك قليلاً بسبب الصدمة: ]أكيد راضي عنك[
قلت بابتسامة أمل: ]يعني الله راضي عني أنا بعد!![
لم يفهم أحد أي عبارة نطقتها... عرفت ذلك من عيونهم وأفواههم المفتوحة...
ثم ابتسم أبي... وقال: ]تعال أيلس جمبي[
جلست على السرير قربه... ومسك يدي اليسرى لأنها الأقرب...
وسألني: ]ألحين... خبرني... شو صار معاك بالضبط؟[
أخبرته القصة... منذ البداية حتى النهاية... كيف تعلمت الصلاة... ومن
علمني... وعن حفظي للقرآن الكريم... بعض السور طبع اً... وأخيراً أخبرتهم
عن الرجل العجوز الذي صادفته بالمسجد...
ثم بدأت أتحدث عن مريم... الفتاة الغامضة... حيث قلت بخجل: ]وهناك...
بنت دشت حياتي...[
صرخت أمينة: ]ااهااا!!... مثل ما قلت لكم... السالفة فيها بنت... ولا هالتغير
ما بيي أصلا [
سألتني أمي بسعادة: ]ومن هذي سعيدة الحظ؟[
قال عبدالعزيز مازح اً: ]إلا تعيسة الحظ...[
نظرت إلى أبي: ]أنت قلت أنك بتخطبها لي صح؟[
أومأ بابتسامة تفاؤل وسعادة... ثم قال: ]يلا خبرنا عنها...[
قلت وأنا انظر إلى أصابعي: ]أنتوا يمكن تعرفونها... هي ساكنة معانا بالبيت[
وقفت أمينة على قدمها حين قالت: ]لا يكون قصدك مريم!![
]هيه... هي...[
صرخت: ]كيف شفتها؟؟... كيف عرفتها؟؟... أهي تدري فيك؟![
سألت أمي بتعجب: ]منو هاي مريم؟![
أجابتها: ]بنت حميدة المطلقة... ألي خبرتج عنها...[
]مطلقة!!... لالالالالالا... مستحيل أعطي ولدي لوحده مطلقة[
نظرت إلى أمي بغضب: ]وليش لا...؟؟[
]شو تبي بوحدة مطلقة؟!... أنا بدور لك أحسن عنها[
زاد الأصرار في نفسي: ]وأنا ما أبي إلا مريم[
سأل أبي: ]متى شفتها؟!... ومتى كلمتها؟![
قلت لأبي على أمل أن يفهمني: ]كانت حابسة نفسها في غرفتها طول الوقت...
وكانت تشوفني كل ليلة بالحوي... عقب تمينا نراسل بعض بالرسايل...
وبعدها خليتها تطلع حتى أتعرف عليها أكثر...[
مسكت يد أبي بقوة حين قلت: ]أنا أحبها... وهي تحبني... وأنا أبيها...[
قالت أمينة عندما جلست على كرسيها: ]قصت عليك بكلمتين وأنت صدقتها؟...
يا أبوي هي أكبر عنك بكم سنة... وما تناسبك أصلا [
ثم قال عبدالعزيز: ]خلو الريال بحاله... دام أنه يبيها... خلاص توكلوا على الله[
فرحت قليلاً من حديثه, ولكن أمي قالت: ]لالالا... مطلقة وأكبر عنه
بسنوات؟؟... أنا بدور لك ألي أحلى عنها وأصغر بعد ومو مطلقة...[
قلت لأمي بإصرار: ]أكبر عني بسنتين تقريب اً... مو سنوات... ومثل ما قلت
لكم... أنا أحبها وأبيها...[
قال أبي: ]يا أبوي هاي مطلقة وكبيرة... شو تبي فيها؟[
نظرت إليه بغضب, فقلت: ]إذا هي مطلقة وكبيرة... عيل أنا شو أطلع؟![
انتظرت إجابتهم لوهلة ثم أعدت سؤالي بصوت أعلى: ]عيل أنا شو أطلع؟![
وقفت من على السرير وصرخت بأعلى صوتي: ]أنا ولد رقاصة ومحد يقدر
ينكر هالشي!!![
خرجت من الغرفة وأغلقت الباب حتى أعتقدت أنه تحطم... واتجهت إلى
سيارتي وأنا محروق الأعصاب... وأشعلت محركها وأخذت أضرب المقود
بقوة وأصفع نفسي من القهر والغضب...
بعد أن شعرت بالراحة والسعادة... يأتي إلي سيف حاد يمزق أحلامي أرباً
أرب اً... حق اً... يبدو أن السعادة أبداً لا تناسبني...
<><><><><><><><><><><>




الفصل الثالث والعشرين:-
عدت إلى البيت, وعندما فتحت الباب... رأيت حميدة تمسك مريم من كتفها
وتدفعها إلى غرفتها بشراسة وهي تقذفها بدعاوي قاسية... وأغلقت الباب
باحكام... ثم نظرت إلى وكأنها ستفترسني... واتجهت إلي بخطوات سريعة...
صرخت كزئير نمرة: ]هذا يزات الأحترام ألي أحترمناكم!!... دخلناكم بيتنا
وآخر شي تطعنونا بالظهر...؟!... بدل ما تحافظ على شرف هذا البيت تسير
تخونه يا عديم الشرف والضمير؟![
]أنتِ شو قاعدة تقولين؟![
]أمك أتصلت فيني... وقالت لي بنتي مو متربية... وقاعدة تهيني وتغلط
علي...[
كاد الغضب أن يمزقني: ]أمي أتصلت فيج!![
]وتقول بنتي تلاحك رياييل... حسبي الله ونعم الوكيل!![
اتصلت بأمي بسرعة... وعندما أجابت: ]ليش سويتي جذي؟؟!!... ليش؟؟!![
]نحن نبي مصلحتك![
]أي مصلحة!!!... أنتِ تعرفين المصلحة أصلا !![
قذفت بالهاتف على الجدار بقوة وأنا أصرخ كالمجنون لأفرغ غضبي... ومن
ثم خرجت من البيت اللعين وركبت سيارتي إلى أي مكان آخر... ولن أعود
لهم أبد اً!
سرت أقود بدون حذر... لا يهم ما سيحدث لي... قد يكون الموت أفضل حل
لراحتي...
أخذت أتجول بين الشوارع بلا هدف معين... فقط أريد أن أبتعد عنهم وعن
أذيتهم لي... أكرههم!!... أكرههم!!... إنهم لا يفهمون أي شيء عن
مشاعري... وكأنهم يقصدون ما يفعلونه بي... هل أنا منبوذ لهذه الدرجة؟!
وصلت إلى الكورنيش... أوقفت سيارتي... ووضعت غترتي فيها ونزلت منها
إلى الهواء الطبيعي والنسيم العليل... ربما تغير الهواء سيساعدني على
التفكير... لم يكن هناك الكثير من الناس... والشمس على وشك المغيب...
أخذت أمشي قرب الخور وأنا أفكر بما حصل اليوم... كنت في قمة قهري
وصدري يضيق أكثر وأكثر...
]ليش؟... ليش؟... ليش؟؟!![
قلتها بأقصى نفس لدي ففي قلبي آلام كثيرة... ولم أكترث للعيون التي تشاهد
جنوني...
أذن المغرب... واتجهت إلى أقرب مسجد مشياً على الأقدام... توضأت جيد اً...
ودخلته هذه المرة قاصداً مساعدة رب العالمين... ففي كل ركعة أصليها أدعوا
إلى الله لأتخلص من محنتي هذه... لا أحد سواه من سينجيني...
وبعد الصلاة... خرجت من المسجد لأعود إلى الكورنيش... وشعرت بألم في
رأسي من كثرة التفكير والهموم... لم أعد أحتمل أكثر!!... أريد أن أعيش
حياتي... أريد أن أعيش ما تبقى لي من عمر... أشعر وكأنني سأموت الآن...
جلست على أحد الكراسي العريضة والتي كانت تحت شجرة ليست بكبيرة...
ووضعت رأسي بين ذراعي ومددتُ رجلي إلى أقصى الكرسي... ولم أعرف
ما الذي حدث بعدها...
]عمي... يا الطيب... أخوي...[
من هذا الذي يريد إيقاظي؟!... إنه يضع يده الباردة على رأسي ويحركه
بازعاج... لم أحتمل ففتحت عيني... فرأيت الشمس قد أشرقت... مستحيل!!...
نهضت فجأة واعتدلت بالجلوس بسرعة... لم أعتقد أنني سأنام حتى الصباح
في هذا المكان...!
]الطيب أنت بخير؟![
نظرت إلى الرجل النحيل الذي جلس قربي وسألني: ]شو مرقدنك هني؟![
كان شديد البياض... ولحيته طويلة قليلا ... ويبدو أنه في الثلاثين من عمره...
وعيناه متسائلتان...
وضع يده على جبيني وقال: ]أنت مريض... ليش ما تروح المستشفى؟!...[
لا أريد التحدث إلى أحد... لا أريد حتى أصدار أي صوت... لا أريد أي
شيء...
ابتسم لي بحنية وقال: ]تعال معاي البيت... شكلك وايد تعبان...[
مسك يمناي وجرني معه إلى لا علم لي... وركبت سيارته بدون أي
اعتراض... علني أجد سعادتي معه... ولكن ما حصل بالأمس لا يزال يرن
في دماغي... وهو يسألني أسئلة لا تحصى ولكني لم أجبه بأي شيء حتى
صمت أخير اً...
دخلت بيته الصغير والقديم... حتى أني ألاحظ وجود تشققات كثيرة على
جداره... دخلت الملحق... وطلب مني الانتظار هنا... ثم أخذ يصرخ بأسم
إمرأة ما... أعتقد أنها زوجته... أغلقت الباب وجلست على الكرسي... ولم
تمضي سوى لحظات حتى عاد من جديد بابتسامته الطيبة ومعه منشفة
بيضاء...
قال لي بود: ]سير الحمام وتسبح...[
لكني لم اتحرك انشاً واحد اً... فتقدم نحوي... وسحبني لأقف... وعرف أن
الحديث معي لن يساعد بشيء... ففتح أزرار كندورتي وساعدني في خلعها...
ثم خلع فانيلتي... ووضع يده على رقبتي ولمحت في عينه الشفقة...
قال بأسى: ]يا ربي!!... حرارتك مرتفعة!!... بس مو مشكلة ألحين بقولهم
يسون لك شوربة[
ساعدني بالدخول إلى الحمام... وأعارني المنشفة ووزاراً نظيف اً... شعرت بآلام
في مفاصلي وعضلاتي توخزني أيض اً... فتذكرت مريم حين وضعت على
رجلي الدواء الحار الذي خفف آلامي...
فتحت صنبور الماء الحار ليهطل علي الماء من الدش... وأخذت انظف جسمي
جيد اً... وخرجت من الماء بسرعة لأن آلامي وصلت إلى أقصاها... نشفت
جسدي جيداً ولبست الوزار الجديد وخرجت من الحمام... وكان الرجل
ينتظرني... وألبسني فانيلة ضيقة قليلا ...
ثم قال لي ولم تتغير بسمته: ]للأسف ما عندي كندورة على مقاسك... لها
السبب قلت للحرمه تغسله لك...[
رن هاتفه المتحرك فأخرجه من جيبه, ثم قال: ]أنا بتأخر لأن صار لي ظرف
طارئ... أوكي؟؟.... يلا حياك...[
أغلق الهاتف... ثم أزاح البطانية من على السرير وقال لي: ]دقايق بيب لك
شي تاكله...[
خرج وعاد بسرعة ومعه صينية من الخبز وزبدية مليئة بالحساء الساخن...
وأخذت آكلهم ومن ثم أعاطني الدواء... وقال لي: ]يلا أنا بروح الدوام... نام
أنت الحينه... وأنا بيي بعد صلاة الظهر أوكي؟[
ساعدني على مد جسمي على السرير وغطاني جيد اً... وودعني...
<><><><><><><><><><><>




الفصل الرابع والعشرين:-
عدت إلى المنزل... وكانت أمي تقف في الباحة مع والدي وأمينة
وعبدالعزيز... وكان الجميع ينظر إلي بابتسامة عريضة... وبيدهم ورود
سوداء...
قالت أمي بسعادة: ]خلاص نحن وافقنا على زواجك منها...[
فرحت!... فقلت بسعادة: ]صدق!!... أخيراً وافقتوا!![
قال أبي: ]طبع اً... نحن ما نقدر نرفض لك طلب...[
قالت أمينة: ]يلا سير عندها... تترياك في غرفتها من زمان...[
كان الجميع سعداء... لم أكن أعلم أن هروبي منهم سيغيرهم... وسيرضخون
بمطالبي عندما يعلمون أنني أفهم مصلحتي أكثر منهم... أخذت أمشي بخطوات
معتدلة حتى وصلت الدرج... وصعدته بسعادة... وشعرت برغبة كبيرة في
ضمها إلى صدري...
أمها تقف عن الباب مبتسمة الثغر... وقالت لي: ]ألف مبروك لكم... وأخيراً
حصلت الزوج المناسب لبنتي...[
]شكر اً...[
فتحت الغرفة... لأجدها سوداء كالكحل... ولا يوجد بها حتى شعاع بسيط من
النور... فأين هي مريم يا ترى؟!
]يا الطيب؟!... شيخي؟![
فتحت عيني... لأجد الرجل يجلس على السرير يناظرني...
قال حين وضع يده على جبيني: ]الحمد الله خفت الحرارة[
وساعدني على الجلوس, وسألني: ]شو كنت تسوي راقد بالكورنيش؟!... أكيد
مرضت لأن الجو كان بارد بالليل...[
ابتسمت للرجل بتكلف... بادلني البسمة سائلا : ]صليت الظهر؟[
أومأت برأني ب"لا"... فقال: ]يلا قم صل عسب أحط لك الغدا... ما شي غدا
بدون صلاة...[
ياليت لو كان أبي مثله!... يحثني على الصلاة والعبادة... حقاً لا يعرف معنى
هذه الأمور إلا الذي جرب الحرمان... ونهضت من السرير فشعرت
برعشة... ربما لأن ثيابي خفيفة جداً –فانيلة ووزار- لذا أشعر بالبرد.
صرت أفكر وأنا أتوضأ... إلى متى سأبقى عنده؟!... علي الخروج من منزله
بسرعة...طبعاً لن أعود إلى ذاك البيت حتى لا أشعر بالضيق... سأذهب إلى
أي مكان... ربما سأذهب إلى ميحد...
توضأت جيداً ثم خرجت من الحمام لأجده يحمل بيده سجادة بيضاء... وأمرني
أن أصلي عليها... فوضعها لي بإتجاه القبلة وأخذت أصلي بتركيز شديد... كما
قال لي ميحد... أن أركز بالصلاة...
وبعد أن انتهيت... دخل الرجل وبيده صينية كبيرة... وكان فيها صحن كبير
يحتوي على رز أبيض وأصفر وفوقه دجاجة كبيرة... وسلطة... وضعها على
الأرض وقال لي: ]يلا مد يدك وسم بالله[
لم أنطق بشيء... أكلت كالدب الجائع... فلم آكل سوى القليل منذ البارحة
بسبب الحمية التي نظمتها مريم لي... آآآآآآآآآآآآخ يا مريم... هل أنتِ بخير
الآن؟... إني مشتاق لكِ كثير اً...!
كسر زجاج تفكيري سؤال الرجل حين قال: ]أنت ليش مو راضي تتكلم؟... أنا
أبي أساعدك...[
أريد النطق... ولكني لا أريد التحدث... أصلاً بماذا سأناقشه؟!... هل أقول له
أنني ابن راقصة وعازف طبول؟!... هل أقول له أنني تركت المنزل بسبب
رفض أمي للفتاة التي أحبها؟!... ماذا يقول عني؟!
عرف أنني لن أهمس بشيء, فقال: ]نومتك أمس كرسي بارد يأكد لي أنك
مطرود من البيت... أو أنت ما تبي ترجع... واحد من الأثنين[
علق الطعام في حلقي... فضربت على صدري بقوة... وسكب لي الماء
بسرعة طالباً مني التمهل في الأكل... وشربته على عجل...
ثم قال لي بعيون متفائلة: ]لو أي شي يصير لك... لا تيأس من رحمة الله...
محد غيره ألي بيطلعك من كربك[
تماماً كما أشعر أنا... لا أحد غيره يستطيع أخراجي من هذه المصيبة...
بعد أن تناولنا الغداء مع اً, آتاني بالدواء نفسه الذي أعطاني أياه هذا الصباح...
فتناولته... ثم طلب مني أن أرتاح بالسرير... وعندما نمت وغطيت نفسي
بالبطانية, أخرج من جيبه كتيب صغير... بني اللون مكتوب عليه بالأبيض
"سورة الكهف"... وتلى علي آياتها... وكانت تلاوته ممتازة... وصوته جيد...
وبدون أن أشعر بنفسي... غفوت...
كان الجميع حولي... كثير من الناس... كان ينعتوني بابن راقصة حقير
ودنيئ... وأخذت أحاول تبرأة نفسي... ولكن أحدهم قال: ]أمك رقاصة وأبوك
يدق طبول... يعني أنت شو بتطلع؟؟... أكيد مثلهم[
ثم تقدم إلي أحدهم... إنها مريم... أتت قائلة: ]أنا آخذك أنت؟!... شو؟؟... قلوا
الرياييل؟!...[
سألتها بقلق: ]بس أنتِ قلتي أنج تحبيني؟!...[
]أنا؟؟!!... أحبك أنت؟!... هاااهاااي!!... أصلاً كنت ألعب عليك... تماماً مثل
ما سوت فيك سلوى... ولا يمكن تحصل حد يتمناك[
]لا... كلامج جذب...!!... أنتي تحبيني!!... لااااء!![
نهضت فازع اً!... وكنت خائفاً جداً فالمكان مظلم... ودخل علي الرجل...
فصرخت من الخوف... وأشعل الأضواء ومسكني من كتفي وهو يحاول
تهدئتي...
قال لي: ]قول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم[
قلتها عدة مرات... ثم جلس بقربي... وسأل: ]أرتحت ألحينه؟... دايماً أستعيذ
بالله...[
نظرت إليه... وصرت أبكي بصوت باهت... فأنا لست مرتاح اً... أريد أن
أبكي كي يستريح قلبي من هذه الآلام... وصارت دموعي ثقيلة جد اً... وقلبي
ينفطر تحسراً على حياتي التي تلوثت بماء أبي وأمي...
خرج من الغرفة وعاد ومعه قرآن... وأخذ يتلو على رأسي... وصرت أشعر
بالراحة العجيبة وتسلل الهدوء والطمأنينة إلى قلبي... لا أعلم أي سورة يتلو
الآن ولكنها أراحتني حق اً... هذا الرجل... ألن يتبناني؟!... سأكون سعيداً
بذلك...
نظرت من خلال النافذة فعرفت أن الليل قد حل... فأشتقت إلى تلك الليالي التي
كنت أقضيها مع مريم على الدرج... آآآآآآآآآآآه يا قلبي... ماذا تفعلين الآن أيتها
الغامضة؟... أني مشتاق لكِ كثير اً... وأتمنى أن يكون هذا الحلم مجرد حلم لا
أكثر... إنها تحبني... أنا متأكد... لكن ليس علينا سوى الصبر...
عندما انتهى الرجل ساعدني على وضع رأسي على الوسادة... ثم قبل
رأسي... ودعا لي بالنوم الهانئ... وغادر الغرفة...
في صباح اليوم التالي... كنت راقداً ولكن عيني مفتوحة... ولم أكن أشعر
بالنوم أبد اً... وجلست على السرير وأخذت أفكر بما حل معي... تلك الذكريات
التي لا تريد أن تفارق عقلي...
دخل الرجل ومعه فانيلة ووزار, فابتسم ابتسامة عريضة حين قال: ]ما شاء الله
عليك... واعي[
بادلته الابتسامة... فقال لي بحماس: ]يلا سير أسبح عسب تتجهز لصلاة
الجمعة...[
ناولني الثياب, فنهضت من السرير دون تردد... واتجهت إلى الحمام...
أخذت حماماً ساخناً جداً حتى أعتقد أنني قد طبخت وسوف يقدموني وليمة
لأحد المشاهير...
قال الرجل ونحن نتجه إلى المسجد البني الذي يبعد عن بيته 099 خطوة
تقريب اً وقد أرتديت كندورتي التي بدت لهم كخيمة بيضاء وقد تم تنظيفها
وغسلها جيد اً: ]ما كان لازم تتسبح بماي حار... الجو بارد وجسمك حار...
بتمرض أكثر![
ثم قال بنبرة أهتمام: ]بعد الصلاة... أنت لازم تخبرني شو صار معاك
بالتفصيل الممل عسب أقدر أساعدك... ما أقدر أخليك على هذي الحالة[
معه حق... لن يتمكن أحد من مساعدتي بدون أن يعرف من أكون أنا... وقد
مكثت في بيته كثير اً... علي أن أرحل... أشعر بأني ثقيل الظل... خصوصاً
أنني قد نمت في بيته بدون أي دعوة... وأنا رجل غريب وقد لا يثق بي أبد اً...
دخلنا المسجد... وكان شبه ممتلئ بالناس... وسجادته حمراء زاهية مرسوم
عليها رسومات إسلامية رائعة... وهناك عدة ثريات ملقة فيه تبعث السرور
لمن يراها... وكتب أيضاً فوق المنبر آيات قرآنية يصعب علي قراءتها لأنها
مكتوبة بخط عجيب والكلمات متداخلة في بعضها البعض... ونظرت إلى
الساعة... إنها تدق على 99 ... أشعر بأن الوقت مبكر جد اً... جلست قربه في
الصف الأول ثم سحب من الدرج الذي أمامنا مصحفين وناولني أحدهما.
قال لي: ]أقرا سورة الكهف...[
فتحت السورة بعد عناء في البحث عنها بين الصفحات وبدأت أتلو...وكانت
القراءة صعبة جد اً... حتى أنني لم استطع فهم طريقة نطق بعض الكلمات
ولكني أجتهدت بالتلاوة... وكنت أسمع تلاوة بعض الرجال... وكأنهم يغنون...
ولكن هل يجوز أن أغني بكلمات الله؟!...
الرجل الذي كان يبعد عنا ثلاثة أمتار... إنه يطربني بأسلوبه الفذ بالتلاوة...
جلعني ألقي بالي وتركيزي إليه... إنه مبدع حق اً... وقد أثار أعجابي!
وبعد ساعة تقريب اً... دخل رجل وقور بأبهى حُلة وألقى علينا خطبة عن
الأخلاق بشكل عام وقد تحدث كثيراً عن أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم
وأخلاقه مع الناس... لأول مرة في حياتي أحضر خطبة الجمعة... إنها مفيدة
حق اً... أنا محظوظ لأني أتيت إلى هذا المسجد...
<><><><><><><><><><><>





الفصل الخامس والعشرين:-
]هذا كل الي صار...[
ضحك محمد... ثم قال: ]صدق دنيا... تصير فيها قصص عجيبة وغريبة...[
كنا نجلس على السرير الذي تم ترتيبه... وقد بدأنا الحديث بعد تناول الغداء...
نظر إلى عيني بابتسامة حنونة... ثم قال: ]قلت لي أسمك أحمد[
]هيه نعم...[
]تعرف يا أحمد... الواحد يتغربل وايد في الدنيا لكن تحصل أن عيونه تشع
بالأصرار والتحدي...[
تنهد ثم ضحك... وقال لي كأب ينصح ابنه: ]ألي أنت مريت فيه أعتقد أنها
أمور عادية جد اً... ويمكن تنحل بطرق بسيطة جد اً...[
قلت له بابتسامة: ]أنت تتكلم مثل واحد أعرفه... مثله بالضبط... وبعد أنت
عكس محمد ألي كنت أعرفه... ذاك كان نذل درجة أولى[
]ويمكن هذا الشخص ألي تتكلم عنه... يقدر يحل موضوعك بسرعة[
]هو قال لي أن سبب تعاستي هي ابتعادي من الله[
]كلامه صحيح... من ينسى الله ينساه...[
خربط شعري بيده بسرعة ثم قال لي: ]تعرف... في مثل يقول... رب ضارة
نافعة... تعرف شو معناه؟[
]يعني في أمور تضرنا ولكنها تنفعنا[
]همممم... ليش سرت الكورنيش ونمت هناك؟[
أخذت أفكر قليلا ... ثم قلت: ]لأني كنت متضايق من هلي[
]ولو ما سرت للكورنيش... أنا ما كنت بشوفك... ولا كنت بتي بيتي... صح
ولالا؟[
ابتسمت حين قلت: ]كلامك واقعي... صدق لو ما تضاربت مع هلي... ما كنت
بشوفك...[
حقاً إنها حياة غريبة... تأخذنا إلى أماكن ساحرة وتقابلنا أشخاص لا نعرف من
أين يأتون...
قال محمد ولم تتغير ملامحه النصوحة: ]ألي صار لك في حياتك... ما يساوي
حتى 9% من ألي للرسول عليه الصلاة والسلام... وفي ناس الله حط في
قلوبهم صبر... وناس الله يحط في طريقهم ناس يساعدونهم حتى يتغلبوا على
محنتهم...[
أخذنا نتبادل الانظار ثم سألته: ]شو لازم أسوي ألحينه؟[
مسك يدي وقال لي: ]أرجع لهم... وحبهم على راسهم... وقول لهم... مثل ما
أنتوا ما بتتركون الفرقة... أنا ما بترك مريم... ابتسم لهم... بين لهم كيف أنت
تحبهم... وكيف أنت بتجاهد عشان مريم...[
أخذت أفكر وأتخيل كيف يمكن أن أفعل هذا الشيء... إنه بسيط جد اً... ولكن
هل سيستجيبون لي كما قال...؟؟
التفت إليه ثم قلت له: ]أنا بسوي ألي قلت لي عليه... بس بشرط...[
قال حين خربط شعري من جديد: ]وشو هو شرطك يا أحمد؟[
قلت له وأنا انظر إلى عينيه مباشرة: ]تعلمني على القرآن... وكيف ممكن
أغني بكلمات القرآن[
]تغني!!... هههههههه ... قصدك كيف تتلو القرآن بصوت جميل[
]ساعدني أرجوك... أنا أبي أتعلم...[
وفي صباح اليوم التالي... أنزلني الرجل الطيب قرب سيارتي وكانت السعادة
تنبع من قلبينا... وأعطاني الكتيب الصغير –سورة الكهف- ثم ودعني
بحرارة...
ركبت سيارتي وأشعلت محركها البارد... وبعد أن ارتفعت حرارته اتجهت إلى
المستشفى مباشرةً ... كنت مرتبك اً... ماذا ستكون ردة فعلهم عندما يروني وأنا
قد غبت عنهم يومان... عموماً غبت فترة تكفي لتجعلهم مجانين فأنا أعلم كيف
يعشقونني...
دخلت المستشفى... وأشعر برهبة الموقف الذي سيحدث الآن حين ترى أمي
أنني مازلت بخير... فتحت باب الغرفة... ودخلت بخلسة... فوجدت أبي وحيداً
راقداً على السرير... أين الباقون؟!
جلست قرب أبي وقبلت رأسه ومسكت يده... ففتح عينيه... ونظر إلي بنظرات
غير مصدقة... وقال والنعاس يغلبه: ]أنت وين كنت؟![
قلت له باسم اً: ]كنت في حفظ الله...[
شعرت بأنه لم يفهم أي شيء... واستند على الوسادة ثم قال: ]أمك استخفت
وصارت تدور عليك في الشوارع مثل المينونه!![
قلت له وأنا انظر إلى يده: ]أبوي... في أشياء أنا ما أعرفها... وأبي أجوبتها
منك...[
جلس بأعتدال... شعرت وكأنه خائف مني... ثم ابتسم وداعب خدي الأيسر
بيمناه... ثم قال: ]تفضل...[
]ليش ما علمتني على الصلاة والقرآن؟[
بهتت ابتسامته, ثم أخذ يفكر... وأنا انتظر إجابته...
قال لي وهو يومئ بلا: ]ما أدري...[
]أنا أعرف السبب...[
أخذنا نتبادل الانظار, ثم قلت له بعد تنهيدة: ]أبوي... أهتمامك بالفرقة...
والأغاني... والأعراس... والبيزات التي كنت تربحها... هي ألي أبعدتك عن
الله...[
أكملت عندما أعدت نظري إلى يدي الممسكة بيد أبي: ]كنت عايش في ظلام
ما أقدر أوصفه لك... لكن لما أصلي... وأقرا قرآن... أحس أني على جنحان
النور...[
تنهدت براحة عميقة... ونظرت إلى الأعلى, ثم أردفت: ]تعلمت كيف أقرا
قرآن... وأرتل بعد...[
ثم نظرت إليه بحماسه: ]تبيني أقرا لك...؟[
أومأ بنعم ببسمة حنونة... فأخرجت الكتيب الصغير وبدأت بتلاوة سورة
الكهف... وعشت معه الأجواء الطاهرة وتمتعنا بقصصها المعبرة...
بعد أن انتهيت... لاحظت الدموع في عينيه... ثم قال لي وهو يتحسس رأسي:
]والله كبرت يا أحمد... والله كبرت...[
همس له: ]أترك الفرقة... وأكيد بنحصل طريقة نسترزق فيها من الله... لازم
ما نيأس من رحمته...[
قال لي: ]أصلاً خلاص... ما أقدر أكمل بالفرقة... حالتي ما تسمح[
]كيف يعني؟![
]قلبي تعبان... وأحس أني كبرت وايد...[
]عمرك ما تجاوز ال 09 ... تقول لي كبرت...؟؟[
تنهدت ثم قلت له بأصرار: ]ما عندك غير الله... لا تمد أيدك لأحد... بس مد
يدك لله... هو الرزاق...[
أومأ بنعم... فابتسمت بقلبي... شعرت أخيراً أنني تمكنت من تغيره...
فُتح الباب... دخلت أمي لتجدني مع أبي فاتجهت إلي وصفعتني بقوة!... خاف
أبي وغضب من أمي لهذا التصرف...
صرخت: ]تخليني طول الليل أدور عليك مثل المينونه!!... أنت شو؟!... بنت
تسوي فيك جذي؟![
صرخ أبي بغضب: ]أنتِ شفيج عليه؟!... ليش تضربينه؟!...[
]جب أنت أسكت!!... شوف دلالك شو يسوي فيه... محد مكبر راسه علينا
غيرك!![
وقفت على قدمي وحضنتها وقبلت رأسها... لاحظت بنظرات أستغراب على
أبي...
قلت لأمي: ]أنا آسف... ما بكررها مرة ثانية... خلاص...[
بكت بمرارة... وهي في حضني... وقالت بخنقة: ]والله ما أقدر أعيش من
دونك... والله ما أقدر أعيش...[
]خلاص الحين لا تصيحي... أنا هني معاج... بالله عليج أنا ريال كبير... بضيع
يعني... وبعد آخر شي أنا برجع... بكون برع للأبد مثلاً؟...[
ابتسم أبي بسعادة, ثم قال: ]خلاص حبيبي... وافقنا على البنت[
]صدق؟!... شو ألي غير رايكم؟![
]فرقاك طبع اً...[
ركضت مباشرة إلى المصلى... وصليت ركعتين من شدة السعادة... حق اً... ما
أروع أن يكون المرء قريباً من الله...
فتحت باب غرفتها بهدوء... وكان الوقت مساءً ... صوت بكاءها كان يزعج
أذني... حيث أنها كانت تجلس على السرير في الظلام تضم رجليها وتدفن
وجهها بينهما...
قالت بصوت مخنوق: ]خليني بروحي أرجوج... يكفي ألي صار...[
جلست على السرير... فقلت لها بنبرة حنان: ]ما أقدر أخليج[
نظرت إلي مباشرة... فقلت: ]تتوقعين أني بتخلى عنج؟[
مسكت يدها ومسحت دموعها... ثم قلت لها: ]ولو أبعدتنا المسافات... بنكون
قريبين من بعض... ما يجمعنا غير الحب...[
فتحت ذراعي حين قلت: ]تعالي...[
أتت إلى حضني دون تردد... قلت لها: ]خلاص كل شي تعدل أخير اً...[
تنهدت بسعادة, ثم أكملت: ]أبوي بيترك الفرقة أخيراً لأنه حالته الصحية ما
تسمح... وأمي بالتأكيد ما بترجع للرقص... وعبدالعزيز حصل له دوام في
شركة الأسمنت... راتبه تعبان بسبب شهادته... لكن الحمد الله يقدر يصرف
على أمينة وولدهم ألي ياي بالطريج... وبالتأكيد بخليهم يحافظون على
صلواتهم... ببذل جهدي بهذا الشي...[
هدأنا قليلا ... ثم أردفت: ]قررنا أنا وأمي أن تستغل موهبتها في الأشغال
اليدوية... وتصمم أشياء ونبيعها في السوق... وميحد بيعلمني على الانترنت
وبيساعدني في دروسي... وأنا بستمر في الدراسة... وإن شاء الله أحقق
أحلامي وأرفع راس أهلي كلهم...[
كنت سعيداً لأنني أفصحت عن كل شيء لها... ثم سألتها: ]مريم... أنت
تحبيني؟[
ابتعدت عني ونظرت إلى عيني مباشرة... وقالت: ]طبعاً أحبك...[
فأخرجت من جيبي علبة سوداء... وفتحتها... فأنبهرت بالخاتم الالماسي...
قلت لها: ]شريته وأنا راجع من المستشفى...[
نظرت إلى عينيها مباشرة: ]توافقين ولالا[
أومأت بنعم... فأخذت الخاتم من العلبة... فمدت يدها... ومررته في أصبعها...
وابتسمنا بسعادة...
فأقتربت منها... وقبلتها بسعادة...
<><><><><><><><><><>



الخاتمتي:-
هذه القصة من نسج الخيال قد لا ترتبط أبداً بالواقع الذي نعيشه...
تألمت كثيراً أثناء كتابتها... ولم أعتقد أنني سأطولها كثير اً... كنت أريد أن
أعيش حياة شخص أبواه سبب تعاسته... فقد رأيت الكثير من النساء اللائي
يرقصن في حفلات الزفاف... فتسائلت... ما مصير الطفل الذي يرى أمه
ترقص أمام الرجال؟!





تحياتي الحارة إلى كل من قرأ هذه الرواية... عبدالله حسن الفارسي...


م . ن
 
التعديل الأخير بواسطة المشرف:
عودة
أعلى