الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين هذا جمع ييسير جمعته لطلب بعض الإخوة والأخوات لهذا الموضوع: إن موضوع بحثنا اليوم ليس مجرد كونه دراسة لفرقة كبيرة من الفرق الاعتقادية الخوارج - كان لها أثرها في تاريخ الفكر الإسلامي ، بل ترجع أهميته إلى كونه دراسة لفرقة كانت ولا تزال تمثل حركة ثورية في تاريخ الإسلام السياسي ، والتي لا يزال لها وجود إلى اليوم . فموضوع هذا البحث هو الأباضية : تاريخاً لهم ، و بياناً لآرائهم الاعتقادية ، وإبرازاً لموقف الإسلام منها .
مقدمة :
يختلف المؤرخون في تحديد بدء نشأة الخوارج هل كان ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟ أو في عهد عثمان أو في عهد علي رضي الله عنهما ، أو أن نشأتهم لم تبدأ إلا بظهور نافع بن الأزرق و خروجه عام 64 هـ ؟ و سوف نتناول أقوال المؤرخين في هذا المقام بشيء من الاختصار مع ذكر الدليل و اختيار ما نراه صحيحاً منها ..
القول الأول : يرى أن ألو الخوارج هو ذو الخويصرة التميمي الذي بدأ الخروج بالاعتراض على النبي صلى الله عليه وسلم في قسمة الفيء ، واتهامه إياه بعدم العدل . راجع الحديث في صحيح البخاري (8/52 53 ) . حيث يفهم من تبويب البخاري لهذا الحديث بقوله : ( باب من ترك قتال الخوارج للتأليف وأن لا ينفر الناس عنه ) و أورد تحته حديث ذو الخويصرة .. أنه أي البخاري يرى أن ذا الخويصرة هو أول الخوارج ، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ترك قتله للتأليف .
و قد ذهب إلى القول بأن أول الخوارج هو ذو الخويصرة كثير من العلماء منهم ابن الجوزي رحمه الله و ذلك في قوله : ( أن أول الخوارج وأقبحهم حالة ذو الخويصرة ) . و قوله : ( فهذا أول خارجي خرج في الإسلام وآفته أنه رضي برأي نفسه ، و لو وقف لعلم أنه لا رأي فوق رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأتباع هذا الرجل هم الذين قاتلوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه . تلبيس إبليس (ص 90 ) .
و منهم ابن حزم رحمه الله كما في الفصل في الملل و النحل ( 4/157 ) و هو رأي الشهرستاني أيضاً كما في الملل والنحل (1/116 ) ، و ينقل الطالبي عن أبي بكر محمد بن الحسن الآجري رحمه الله أنه يرى أو أول الخوارج كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . آراء الخوارج ( ص 45 ) . القول الثاني : و هو للقاضي ابن أبي العز الحنفي شارح الطحاوية ، حيث يرى أن نشأة الخوراج بدأت بالخروج على عثمان رضي الله عنه في تلك الفتنة التي انتهت بقتله و تسمى الفتنة الأولى . شرح الطحاوية ( ص 472 ) . و ويفهم من كلام لابن كثير رحمه الله كما في البداية والنهاية (7/189 ) أنه يرى أن بداية ظهور الخوارج كان في الفتنة التي حدثت على عهد عثمان رضي الله عنه ، فيقول : ( وجاء الخوارج فأخذوا مال بيت المال و كان فيه شيء كثير جداً ) . القول الثالث : و هو للورجلاني حيث يعتبر أن نشأة الخوارج بدأت منذ أن فارق طلحة والزبير علياً رضي الله عنه و خرجا عليه بعد مبايعتهما له . الدليل لأهل العقول (ص 15 ) . القول الرابع : أن نشأة الخوارج بدأت سنة 64 هـ بقيادة نافع بن الأزرق في أواخر ولاية ابن زياد ، و هذا الرأي لعلي يحيى معمر الأباضي . انظر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 377 ) و الإباضية في موكب التاريخ ( ص 33 ) . و قال مثل هذا القول أبو إسحاق أطفيش الإمام الإباضي . انظر : عمان تاريخ يتكلم ( ص 103 ) . القول الخامس : أن نشأتهم بدأت بانفصالهم عن جيش الإمام علي رضي الله عنه و خروجهم عليه ، و هذا الرأي هو الذي عليه الكثرة الغالبة من العلماء إذ يعرّفون الخوارج بأنهم هم الذين خرجوا على علي بعد التحكيم ، و هم هؤلاء الأشعري في المقالات (1/207 ) ، و البغدادي في الفرق بين الفرق ( ص 74 ) و الملطي في التنبيه والرد ( ص 15 ) ، و قد سار على هذا الرأي أصحاب المعاجم ودوائر المعارف في مادة الخروج ، والكتاب المحدثون الذين كتبوا عن الفرق الإسلامية ، و المؤرخون في تأريخهم لأحداث الفتنة الكبرى .
و قد أصبح إطلاق اسم الخوارج على الخارجين على الإمام علي رضي الله عنه أمراً مشتهراً بحيث لا يكاد ينصرف إلى غيرهم بمجرد ذكره .
هذه هي مختصر ما ورد في بدء ظهور الخوارج و نشأتهم ، وعلينا اختيار ما نراه صحيحاً منها ، بحيث نفرق بين بدء نزعة الخروج على صورة ما ، و ظهور الخوارج كفرقة لها آراؤها الخاصة ، و لها تجمعها الذي تحافظ عليه وتعمل به على نصرة هذه الآراء ..
والواقع أن نزعة الخروج - أو بتعبير أدق بدء نزعة الخروج قد بدأت بذرتها الأولى على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتراض ذي الخويصرة عليه ، لكن هل كان خروجاً حقيقياً أم كان مجرد حادثة فردية اعترض فيها واحد من المسلمين على طريقة تقسيم الفيء طمعاً في أن يأخذ منه نصيباً أكبر ؟ الراجح والله أعلم أنه كانت حادثة فردية ، واعتراض على طريقة تقسيم الفيء ؛ حيث أنه مضى عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ، و لم يكن لذي الخويصرة ذكر في هذه العهود بعد تلك الحادثة لا بنفسه ولا مع من يمكن أن يكونوا على شاكلته ، و لهذا لم تعرف له آراء خاصة يتميز بها ولم يكن له حزباً سياسياً معارضاً .
أما القول بأن نشأتهم تبدأ بثورة الثائرين على عثمان رضي الله عنه ، فلا شك أن ما حدث كان خروجاً عن طاعة الإمام ، إلا أنه لم يكن يتميز بأنه خروج فرقة ذات طابع عقائدي خاص لها آراء و أحكام في الدين ، و غاية ما هنالك أن قوماً غضبوا على عثمان واستحوذ عليهم الشيطان حتى أدى بهم إلى ارتكاب جريمتهم ، ثم دخلوا في صفوف المسلمين كأفراد منهم .
و فيما يتعلق بالقول بأن طلحة و الزبير رضي الله عنهما كانا أول الخارجين على علي - كما يقول الورجلاني ، فمن الصعب عليه إثبات ذلك ، فقد كان معهما أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها و غيرهم من الصحابة ، وعلى كل فقد انتهت موقعة الجمل و اندمج من بقي منها في صفوف المسلمين دون أن تجمعهم رابطة فكرية معينة كتلك التي حدثت بين الخوارج و علي في جيشه فيما بعد ، و طلحة والزبير رضي الله عنهما من العشرة المبشرين بالجنة فكيف يجوز أن يعتبرا من الخوارج و يطبق عليهما أحاديث المروق من الدين الواردة في الخوارج ؟!
أما القول بأن نشأتهم تبدأ من قيام نافع بن الأزرق ، فإنه لم يقل به غير علي يحيى معمر تبعاً لقطب الأئمة الإباضية أبي إسحاق أطفيش لنفيهم وجود صلة ما بين المحكمة و من ثار على طريقتهم وبين الأزارقة بعدهم ، و هو قول غير مقبول لوجود تسلسل الأحداث وارتباطها من المحكمة إلى ظهور نافع بن الأزرق ، بحيث يظهر أن الأولين هم سلف الخوارج جميعاً .
يتكون موضوعنا من مقدمة و صلب الموضوع وخاتمة :-
المقدمة : و هي عبارة عن تمهيد للموضوع ، أذكر فيه بشكل مختصر بداية ظهور الخوارج ، ثم ذكر مباحث الموضع .
المبحث الأول : سيكون الحديث فيه عن المراحل التي مرت بها فرقة الأباضية في عُمان .
المبحث الثاني : ترجمة للتابعي الجليل جابر بن زيد رحمه الله ، مع الحديث عن سبب انتساب الأباضية إلى عبد الله بن أباض ، و عن علاقة جابر بن زيد بالأباضية .
المبحث الثالث : مسند الربيع بن حبيب في ميزان النقد العلمي .
المبحث الرابع : الحديث عن مدى العلاقة بين الأباضية و الخوارج ..
المبحث الخامس : الأباضية في التاريخ المعاصر ، موقفها من أهل السنة ، وموقف أهل السنة منها ، و الحكم عليها ..
الخاتمة : و فيها نتائج البحث .
و لا يعد هذا البحث في عداد البحوث ، ولا أذكره مصنفاً بين المصنفات ، فلم أرِدْ به وضعاً بين هذا أو ذلك ، و ما هو إلا ما تيسر من التقدير ، و تقدر من التيسير ، و حفظ لما نذكر ، و ذكر لما نحفظ ، و الله أسأل صدق النية و حسن القصد .
و بالله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل .
أولا : المراحل التي مرت بها فرقة الأباضية في عُمان .
هناك خلاف بين الأباضية حول فتح همزة أباض أو كسرها ، فالأباضية في عُمان يفتحون الهمزة ، و بذلك تصبح النسبة إلى أباض ( الأباضية ) ، و في شمال أفريقيا يكسرون الهمزة ، فتصبح النسبة إلى إباض ( الإباضية ) ، فتاريخ هذه الفرقة طويل ، و من الصعب الإحاطة به من جميع جوانبه ، لذا سأختصر الحديث فيه بعض الشيء :- بعد أن انقسم الخوارج إلى فرق عدة ، تميزت الأباضية بآرائها ، و هذا جعلها تختلف مع باقي فرق الخوارج ، وأما عن مواطن استقرار الأباضية فهي استقرت في موطنين ، أحدهما في المغرب العربي في أجزاء من ليبيا و تونس والجزائر ، و قسم في سلطنة عُمان الحالية ، والذي يهمنا من هذه المواطن القسم الذي استقر في عُمان .
أما استقرارهم في عُمان على الساحل الشرقي الجنوبي من جزيرة العرب ، فتذكر بعض المصادر الأباضية وغيرهم أن أول من نشر مبادئهم في عُمان هو عمران بن حطان الشاعر المشهور بعدما خرج من حبس الحجاج بن يوسف الثقفي سنة (75 هـ ) . انظر : طبقات المشايخ بالمغرب لأحمد الدرحيني (2/227-228 ) . والكامل للمبرد (2/193) والفرق بين الفرق (ص 93) .
كما أن مصادرهم تذكر أن الحجاج نفى جابر بن زيد (ت 93 هـ ) إلى عُمان فأسس مذهب الخوارج هناك بين قبائل الأزد . انظر : العقود الفضية ( ص 145) و إزالة الوعثاء للسمائلي (ص 38 ) .
غير أننا أهل السنة نشك أن يكون جابر بن زيد و هو من أئمة التابعين أن يكون خارجياً أباضياً خالصاً ، حيث لم يثبت ذلك بنقل صحيح ، بل ثبت العكس ، حيث ثبت أن جابر بن زيد أعلن البراءة من الخوارج كما ذكر ذلك ابن حجر في التهذيب (2/38) و طبقات ابن سعد (7/181-182) . و هاك موجز لتاريخ الأباضية : و بما أن تاريخ الأباضية جزء لا يتجزأ من تاريخ الخوارج ، فعلى هذا يمكن تقسيمه إلى مرحلتين :-
مرحلة ما قبل تميز الأباضية عن بقية الخوارج ، و هي المرحلة التي بدأها الخوارج الغلاة حركاتهم في الدولة الإسلامية منذ أن قاتلوا عليلاً رضي الله عنه حتى انتهاء حركة ابن الزبير . المرحلة الثانية : و هي المرحلة التي صاحبت ظهورهم ، و ذلك منذ عهد عبد الملك بن مروان ، غير أنهم في هذه الفترة لم يكن لهم دولة مستقلة ، إلا أنهم كانوا يشكلون جبهة معارضة لإمامة بني أمية .
أما عن فترة تكوين الدولة ، فقد انقسم الأباضيون إلى قسمين قسم اتجه إلى شمال أفريقيا مع بداية القرن الثاني في خلافة مروان بن محمد .
أما بالنسبة لنشأة الأباضية في عُمان فقد بدأت في البصرة و ما حولها ثم عُمان و خراسان تبعاً لفلول الخوارج في عهد بني أمية ، و لكنها تركزت فيما بعد في عُمان ، بل إن الأباضية حتى اليوم يزعمون أن عُمان لم تدخل في السلطة الشرعية للأمويين و من بعدهم ، ولم تخضع للخلافة إلا بالقوة أيام عبد الملك بن مروان ثم استقلت فيما بعد عن الخلافة . انظر : مختصر تاريخ الأباضية ( ص 52) .
و في أول الدولة العباسية وبالأخص في أيام السفاح خرج الأباضية في عمان بقيادة الجلندى ضد جيوش الدولة العباسية ، و راح ضحية هذه الحرب قرابة العشرة آلاف نفس . تاريخ الطبري (7/462-463) .
و في عهد المنصور عقد الأباضية البيعة لأول إمام لهم بعُمان عام (134 هـ ) واسمه الجلندى بن مسعود ، و بذلك سطروا على أنفسهم وصمة تاريخية بخروجهم على أئمة المسلمين وجماعتهم .
و رغم أن هذا في أصل الدين خروج عن الطاعة و خروج عن الجماعة و نكث للبيعة ، إلا أن الأباضية قديماً و حديثاً يعدون ذلك في مفاخرهم ومواقفهم الدينية والسياسية والتاريخية التي يبنون عليها أصولهم وأمجادهم .
و قد سير المنصور جيشاً لقتالهم فهزموا وقتل الجلندى ، و بعده عقدوا الإمامة لمحمد بن عفان ، ثم عزلوه وأقروا الوارث بن كعب الخروصي عام (177 هـ ) فقاتله هارون الرشيد ، لكنهم هزموا جيش الخلافة وبقي الوارث إماماً لهم حتى مات وبايعوا بعده غسان بن عبد الله إلى سنة (207 هـ ) حيث توفي وتوالى الأئمة عندهم بعده على النحو التالي :-
- عبد الملك بن حميد ، بدأت إمامته سنة ( 208 هـ ) وتوفي سنة (226 هـ ) .
- مهنا بن جيفر ، بدأت إمامته سنة (226 هـ ) و توفي سنة (237 هـ ) .
- الصلت بن مالك الخروصي ، بدأت إمامته سنة (237 هـ ) و خلع سنة (272 هـ ) .
و بعده وقع الشقاق بين الأباضية ، و كان ممن بويع على شقاق : عزان بن تميم الذي قتله محمد بن نور عامل الخليفة المعتضد العباسي ، و بقيت بعده عُمان على حد تعبيرهم أربعين عاماً تحت النفوذ العباسي . !! ملخص من كتاب : مختصر تاريخ الأباضية لأبي الربيع الباروني .
وتأمل أخي تعبيرهم عن حكم الخلافة العباسية بالنفوذ العباسي ، سبحان الله ! و مع ذلك يزعمون أنهم لا يخالفون المسلمين من أهل السنة .
ثم تذكر مصادرهم أنه في سنة ( 300 هـ ) عقدوا الإمامة لسعيد بن عبد الله القرشي ، و قتل سنة (328 هـ ) فعقدوا البيعة لراشد بن الوليد بعد سنة ( 328 هـ ) و في عهده ظهرت دولة بني نبهان ، و بظهورها يعتقد الأباضية بسقوط الإمامة وقيام ملك بني نبهان إلى سنة ( 445 هـ ) حيث عقدت الإمامة لخليل بن شاذان الخروصي ، ثم بعده راشد بن سعيد وتوفي سنة (513 هـ ) ، ثم تغلب نبو نبهان مرة أخرى على عُمان و بقي الصراع بينهم دائراً مع دولة بني بويه التي سيطرت على سواحل عُمان ، و في سنة ( 885 هـ ) عقدت الإمامة لمن يسمونه عمر بن الخطاب الخروصي ، لكن انتزعها منه بنو نبهان و بقي الملك منقسم بينه و بينهم كل له جهته من عُمان ، و خلال هذه الفترة وقع الاحتلال البرتغالي لسواحل عُمان ، و في سنة ( 1034 هـ ) عقدت إمامة الأباضية لناصر بن مرشد اليعربي ، أول ملوك آل يعرب و بقيت الإمامة في هذه الأسرة التي صارعت البرتغاليين و بقيت بين مد و جزر وفي صراع أيضاً مع الفرس من جهة و مع الدولة السعودية الأولى من جهة أخرى ، و في سنة ( 1161 هـ ) بايع الأباضية أحمد بن سعيد و انتقلت الإمامة من آل يعرب إلى آل سعيد ، ولا تزال دولتهم قائمة حتى اليوم .
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم وعُمان تعد من معاقل الأباضية يحكمها حكام أو سلاطين أو ولاة أباضيون ، إلا فترات يسيرة من التاريخ كانت فيها تحت سلطات إسلامية غير أباضية أو استعمارية ، لكنها بقيت أباضية من حيث المعتقد والسكان غالباً ولا يزال لهم وجود في حضرموت و اليمن . راجع : الأباضية دراسة مركزة ( ص 33-34 ) والموسوعة الميسرة في الأديان والمذاهب المعاصرة ( ص 19) .
و لأباضية عُمان امتداد في الساحل الشرقي للخليج العربي ( جهة إيران حالياً ) والساحل الشرقي لأفريقيا في زنجبار ، أو تنزانيا كما تسمى حالياً ، حيث إن سلاطينها أباضيون حتى بعد وجود الاستعمار ، و يظهر أنه بعد الوجود الشيوعي في تنزانيا و ضمها إلى تنجانيقا لم يعد للأباضية وجود كبير ، بسبب الاضطهاد الشيوعي الخانق . انظر: دراسات عن الفرق في تاريخ المسلمين (ص 90) والأباضية دراسة مركزة ( ص 34-35) .ومختصر تاريخ الأباضية للباروني (ص 26-27 ، 61 ) .
ثانيا : جابر بن زيد حياته .. و مكانته العلمية ، و سبب انتساب الأباضية إلى عبد الله بن أباض ، و علاقة جابر بن زيد بالأباضية .
يُعد جابر بن زيد الأزدي العماني أحد أبرز أعلام التابعين العمانيين الذين برعوا في علم الفقه ، كما يُعد من بين كبار العلماء في الفترة التي عاصرها ، حتى أن كبار علماء الرجال وعلماء الجرح والتعديل قد ترجموا له ، و أفاضوا في الحديث عنه شخصيته و مكانته العلمية ..فمن المتقدمين الذين ترجموا لجابر بن زيد : محمد بن سعد في طبقاته (7/179) و خليفة بن خياط في طبقاته ترجمة رقم ( 1729 ) ، و البخاري في التاريخ الكبير (2/204 ) و أبو زرعة الرازي ، كما قال مؤلف كتاب : أبو زرعة الرازي و جهودة في السنة النبوية (3/852 ) و ابن قتيبة في المعارف ( ص 453 ) و البسوي في المعرفة والتأريخ ( 2/12 ) و ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/495) و ابن حبان في الثقات (4/102 102 ) و أبو نعيم في الحلية (3/85 ) و الشيرازي في طبقات الفقهاء ( ص 88 ) و النووي في تهذيب الأسماء و اللغات (1/141 ) و (2/244 ) و المزي في تهذيب الكمال ( 4/434 437 ) و الذهبي في تذكرة الحفاظ ( 1/67 ) و سير أعلام النبلاء (4/481 482 ) و العبر في خبر من غبر (1/108) ، و ابن كثير في البداية و النهاية (9/39) و ابن الجزري في غاية النهاية في طبقات القراء ترجمة رقم (868 ) و ابن حجر في تقريب التهذيب (1/122 ) و تهذيب التهذيب (1/38) و ابن تغري بردي في النجوم الزاهرة (1/252 ) و السيوطي في طبقات الحفاظ ( ص 28 ) و الخزرجي الأنصاري في خلاصة تهذيب الكمال ( ص 59 ) و ابن العماد الحنبلي في شذرات الذهب ( 1/101 ) .
أما عن المحدثين فأبرز من ترجم له ، الدكتور محيي هلال السرحان في تحقيق مخطوطات العلوم الشرعية ( ص 98 99 ) و فؤاد سيزكين في تاريخ التراث العربي ( 3/385 386 ) ، و كثير غيرهما .
و لقد تناولت هذه المصادر مختلف جوانب حياته ابتداءً من تسميته وانتهاءً بوفاته ، و لم تترك قضية أساسية تتعلق بحياته إلا و تناولتها من زاوية معينة ، كل حسب اختصاصه واهتمامه ، بحيث كونت هذه المصادر بمجملها صورة رائعة عن جابر بن زيد ، إضافة إلى ذلك نجد أن كثيراً من هؤلاء العلماء يختلفون عن بعضهم في أمور ، إلا أنهم يكادون يجمعون على ما كتبوه عن جابر بن زيد ، و بيان مدى توثيقه و مكانته العلمية ، كما أن هذه المصادر تُعد هي المصادر الأساسية للباحثين و الدارسين في التراجم والشخصيات الفكرية ، وأن هذا الحشد الكبير من العلماء الذين ترجموا له ، يُعد خير دليل على مكانة وأهمية جابر بن زيد في نظر هؤلاء العلماء ..
و من جملة ما سبق يمكننا أن نسوق هذه الترجمة الموجزة لجابر بن زيد ، فنقول هو : أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي ، اليَحْمَديُّ ، الجَوْفيُّ ، العُمانيُّ ، البَصْريُّ . سير أعلام النبلاء (4/481 ) و تهذيب الكمال (4/434-435 ) .
و اليَحْمَديُّ : بفتح الياء و سكون الحاء و فتح الميم ، بعدها دال مهملة ، هذه النسبة إلى يَحْمَد ، و هو بطن من الأزد ، و هو يَحمد بن حِمى بن جشم بن نصر بن زهران . اللباب في تهذيب الأنساب لابن الأثير (3/408 ) .
والجَوْفيُّ : نسبة إلى ناحية بعُمان ، قال ياقوت الحموي : الجوف هو المطمئن من الأرض ، و هي موضع بأرض عُمان هلك فيه سامة بن لؤي . معجم البلدان (2/188 ) .
أما الذهبي فأشار إلى الخوفي ، بخاء معجمة و ليس بحاء ، و قال : والخُوفُ ناحية من عُمان . و نص عليه أيضاً في تاريخ الإسلام و تبعه ابن حجر في التبصير ، واختلف في ضبط الخوف التي في عُمان فقيل : بالحاء والجيم والخاء . السير (4/481 ) .
و ضعف المزي في تهذيب الكمال (4/435 ) رأي من قال بنسبته إلى موضع درب الجوف بالبصرة ، و ذلك من خلال استخدامه عبارة ( و قيل ) ، حيث أكد أن نسبة الجوفي إلى محلة الجَوف بعمان و ليس البصرة ، و قال ابن حبان : أصله من الجوف ناحية بعمان ، و كان ينزل البصرة في الأزد ، في موضع يقال له درب الجوف . الثقات (4/101 102 ) .
ولد جابر بن زيد في عُمان ، رغم أن المصادر لا تذكر تأريخاً محدداً لولادته ، إلا أن نشأته فيما يبدو كانت في عُمان قبل أن يبدأ رحلاته في طلب العلم ، حيث يؤكد صاحب مختصر تاريخ الإباضية (ص 24 ) أنه ولد سنة ( 18 هـ ) في خلافة عمر بن الخطاب .
فابتدأ بالتنقل والترحال طلباً للعلم و طمعاً فيه ، إلى أن أصبح أحد أكبر الرموز في تاريخ الفكر الإسلامي ، و قد أثْرَتْ المصادر التي ترجمت له جانباً من طبيعة حياته التي تميزت بالتواضع والزهد والتقشف . راجع بعض الصور التي وردت عنه في كتاب حلية الأولياء لأبي نعيم (3/ 86 88 ) .
و قد أخذ جابر بن زيد العلم عن جملة من العلماء ، فمن أبرز من أخذ مروياته عنهم :- 1 شيوخه في الحجاز :- - عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم الرسول صلى الله عليه وسلم .
كان عبد الله بن عباس من كبار شيوخ جابر بن زيد ، قال سفيان الثوري وعلي بن المديني : كان أصحاب ابن عباس ستة ، عطاء و طاووس و مجاهد و سعيد بن جبير ، و جابر بن زيد ، و عكرمة . المعرفة والتأريخ للبسوي (1/713 714 ) . و قال أبو نعيم عن جابر بن زيد : أنه أسند الكثير من الحديث عن ابن عباس . الحلية (3/90 ) .
و ممن أكد رواية جابر بن زيد عن عبد الله بن عباس ، كلٌّ من : ابن أبي حاتم و ابن حبان و المزي والذهبي و ابن حجر و الخزرجي الأنصاري و ياقوت الحموي . انظر : الجرح والتعديل (1/494) و الثقات (1/101 ) و تهذيب الكمال (4/435 ) و تذكرة الحفاظ (1/72 ) و تهذيب التهذيب (2/38 ) و الخلاصة ( ص 59 ) و معجم البلدان (2/187 ) . - عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما .
و قد أكد كل من ابن أبي حاتم و ابن حبان والمزي و ابن حجر والخزرجي الأنصاري ، أن جابر بن زيد قد روى عن ابن عمر . انظر : الجرح والتعديل (1/494 ) و الثقات (4/101 ) و تهذيب الكمال (4/435 ) و تهذيب التهذيب (2/38 ) و الخلاصة (ص 59 ) . - أبو بكر عبد الله بن الزبير بن العوام رضي الله عنهما .
و قد أكد كل من المزي و ابن حجر رواية جابر بن زيد عنه . انظر : تهذيب الكمال (4/435) و تهذيب التهذيب (2/38 ) . - عكرمة بن عبد الله ، مولى عبد الله بن عباس رضي الله عنهم .
و قد أكد كل من المزي وابن حجر رواية جابر بن زيد عنه . انظر : تهذيب الكمال (4/435) و تهذيب التهذيب (2/38 ) .
2 شيوخه بالبصرة .. - الحكم بن عمرو الغفاري ( ت 105 هـ ) و يقال له الحكم بن الأقرع ، و هو صحابي نزل البصرة . التقريب (1/192) .
و قد أكد ابن أبي حاتم و المزي رواية جابر بن زيد عنه . انظر : الجرح والتعديل (1/494) و تهذيب الكمال (4/435 ) .
أما عن عقيدة جابر بن زيد ، فقد أكدت معظم الروايات كون جابر بن زيد إباضي العقيدة ، قال يحيى بن معين : ( كان جابر بن زيد إباضياً ) . راجع تهذيب التهذيب (2/38 ) ، وقال ابن حبان : ( كانت الإباضية تنتحله .. و كان من أعلم الناس بكتاب الله ) ، و كذلك في رواية داود بن أبي هند عن عَزْرَة أن الإباضية كانت تنتحله . راجع : تهذيب الكمال (4/436 ) .
وأن ما ذهب إليه ابن معين وابن حبان والمزي يؤكد بما لا يقبل الشك كونه كان إباضياً ، و ذلك لمكانة هؤلاء العلمية ، و لعدم وجود من ردّ على آرائهم أو عارضها ، إضافة إلى ذلك ، فإن مصادر معلومات جابر بن زيد هي من شخصية عبد الله بن عباس ، و شيوخه الآخرين ، إلا أن أغلب المصادر ذكرت بأنه كان من أكبر رواة ابن عباس ، وأكثر من مروياته عنه ، كما أن مصادر عبد الله بن إباض هي مصادر جابر بن زيد ذاتها ، إضافة إلى اعتماده مصدراً من مصادر الفقه الإباضي .
و أما بالنسبة لموقفه من بعض الخوارج ، فقد كان موقفاً سلبياً ، فعندما دخل عليه أبو هلال الراسبي و قال له في رأي الخوارج ، أجابه جابر بن زيد : إني أبرأ إلى الله منه . راجع : تاريخ يحيى بن معين (2/73) . و يورد ابن حجر عن داود بن أبي هند عن عزرة قوله : دخلت على جابر بن زيد فقلت : إن هؤلاء القوم ينتحلونك يعني الإباضية قال أبرأ إلى الله من ذلك . انظر : تهذيب التهذيب (2/38 ) .
أما عن توثيقه ، فقد أشاد العلماء بمكانة جابر ببن زيد و خاصة في ميدان الفقه ، حيث برع فيه بشكل متميز واضح ، وأبرز من أشاد به في هذا الميدان شيخه عبد الله بن عباس ، فقد قال عنه : ( هو أحد العلماء ) ، و في رواية ( من العلماء ) . راجع : الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (1/495) و الخلاصة للخزرجي الأنصاري (ص 59 ) . و روى تميم بن حُدير عن الرّباب قال : سألت ابن عباس رضي الله عنهما عن شيء فقال : تسألني و فيكم جابر بن زيد ؟ و قال ابن عباس : لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر بن زيد لأوسعهم علماً من كتاب الله عز وجل . انظر : الطبقات لابن سعد (7/179 180) و الجرح والتعديل (1/495 ) و المعرفة والتأريخ للبسوي (2/12 ) و تذكرة الحفاظ للذهبي (1/72 ) و في غيرهما من الكتب التي ترجمت له .
أما عبد الله بن عمر فقد قال لجابر بن زيد : يا جابر إنك من فقهاء أهل البصرة .. الحلية (3/83) .
أما الصحابي جابر بن عبد الله الأنصاري فإنه قال لزياد بن جبير لما سأله عن مسألة ، فقال فيها ، ثم قال : كيف تسألوننا و فيكم جابر أبو الشعثاء ؟ . انظر : الحلية (3/86 ) . و هناك أقوال أخرى لمحمد بن سيرين و إياس بن معاوية البصري و عمرو بن دينار . انظر : الحلية (3/89) و طبقات ابن سعد (7/180 ) و المعرفة والتأريخ (2/48 ) و تذكرة الحفاظ للذهبي (1/72) .
قال عنه يحيى بن معين : ثقة . انظر : التاريخ (2/73 ) ، و قال عنه العجلي : تابعي ثقة . انظر : التهذيب (2/38) ، و قال أبو زرعة : أزدي ثقة . انظر : تهذيب الكمال (4/436) و قال أبو حاتم الرازي : ممن روى عن الصحابة و التابعين و شافههم . انظر : الثقات لابن حبان (4/101) ، و قال ابن حبان : كان من أعلم الناس بكتاب الله .. و كان فقيها . انظر : الثقات (4/101 102 ) ، قال عنه الذهبي : أحد الأعلام ، و قال أيضاً : كان عالم أهل البصرة في زمانه يعد مع الحسن وابن سيرين . انظر : تذكرة الحفاظ (1/72 ) و سير أعلام النبلاء (4/481-482 ) ، قال عنه ابن حجر : هو ثقة فقيه ، وقال : هو أعلم الناس بكتاب الله . انظر : تقريب التهيب (1/122 ) و التهذيب (2/38) .
أما عن وفاته ، فقد اختلفت المصادر في هذا التاريخ ، و رغم أن أغلبها يجمع على أن وفاته كانت سنة ثلاث و تسعين للهجرة ، كما ذكر ذلك قتادة بن دعامة السدوسي البصري و خليفة بن خياط و البخاري وابن حبان ، وتابع رأي هؤلاء كل من الشيرازي و المزي والذهبي والخزرجي الأنصاري وابن حجر . إلا أن هناك من يقول أنه توفي سنة ( 103 هـ ) كما ذهب إلى ذلك الواقدي و ابن سعد . انظر : تهذيب الكمال (4/436 ) ، وانفرد البسوي بجعل وفاته سنة ( 90 هـ ) . انظر : المعرفة والتاريخ (2/54 ) . و شد الهيثم بن عدي برأيه عندما قال : إن وفاته كانت سنة مائتين و أربعين هجرية . انظر : تهذيب الكمال (4/436) . و قد انتقد الذهبي هذه الآراء و أكد أن وفاته كانت سنة ( 93 هـ ) ، حيث قال : و شذ من قال إنه توفي سنة ثلاث و مئة . انظر : التذكرة (1/72 ) .
والإباضية يعتبرون جابر بن زيد المؤسس الحقيقي للمذهب ، إذ أنه كان الإمام الروحي و فقيه الإباضية و مفتيهم ، و كان بالفعل الشخص الذي بلور الفكر الإباضي بحيث أصبح متميزاً عن غيره من المذاهب ، بينما كان ابن إباض المسؤول عن الدعوة في شتى الأقطار .
انظر : الأصول التاريخية للفرقة الإباضية لعوض محمد خليفات ( ص 29 ) .
و إذا كان جابر بن زيد بهذه المكانة العلمية ، فلماذا نسبت الفرقة إلى ابن إباض ولم تنسب إليه ؟ للإجابة على هذا السؤال ذهب أحد الإباضية المعاصرين إلى انه لا يدري السبب في عدم نسبة المذهب إلى جابر مع أنه أفقه وأعلم أهل زمانه ، و قد قيل أن ابن إباض يصدر في كل شؤونه عن فتواه ولا يبت في أمر من الأمور إلا بمشورته ورضاه . انظر : مختصر تاريخ الإباضية للباروني ( ص 24 ) . بينما ذهب كاتب آخر في تفسير ذلك إلى أن نسبة المذهب إلى ابن إباض نسبة عرضية كان سببها بعض المواقف الكلامية والسياسية التي اشتهر بها ابن إباض و تميز بها ، فنسب المذهب الإباضي إليه ، ولم يستعمل الإباضية في تأريخهم المبكر هذه النسبة فكانوا يستعملون عبارة ( جماعة المسلمين ) أو ( أهل الدعوة ) أو ( أهل الاستقامة ) وأول ما ظهر استعمالهم لكلمة الإباضية كان في آخر القرن الثالث الهجري . انظر : أجوبة ابن خلفون (ص 9 ) هامش ( 1 ) .
و هذا القول لايتفق مع نشأة الإباضية بزعامة جابر بن زيد أو عبد الله بن إباض ..
يتبع ......... نكمل غدا وأسأل الله التيسير[/color]
ثالثا : مسند الربيع بن حبيب في ميزان النقد العلمي .
سأذكر أولاً المسند هذا و ما فيه ، ثم أتبعه بالتعليق عليه و كلام أهل العلم فيه ..
للربيع بن حبيب مسند في الحديث يسمى : الجامع الصحيح . روى فيه عن جابر بن زيد عن ابن عباس عن عائشة أم المؤمنين وابن عمر وأبي هريرة وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري ومعاوية وعلي بن أبي طالب ومروان بن الحكم وغيرهم . انظر : العقود الفضية ( ص 94 ) و للمعة المرضية من أشعة الإباضية لنور الدين السالمي ( ص 18-19 ) ، و يذهب صاحب هذا الكتاب إلى أن مسند الربيع أصح الكتب عند الإباضية بعد كتاب الله تعالى لأن فيه سند الأحاديث عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس أو غيره من الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كما يزعم بأنه أعلا سنداً من صحيح البخاري !!
و يعد الإباضية مسند الربيع هذا من أقدم كتب الحديث وأصحها ، و يذهبون إلى أن جل ما ورد فيه مذكور في الصحيحين و سائر الكتب الستة من كتبة السنة الأمر الذي يؤكد قرب مذهب الإباضية إلى أهل السنة !! كما يزعمون . انظر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 134 ) .
و قد أثار اسم الكتاب ، كما أثارت محتوياته بعض الشكوك حول قيمته ، و قد حاول الإباضية بيان وجه الحق منها .. فاسم الكتاب ( الجامع الصحيح و مسند الربيع بن حبيب ) و هما اسمان يختلفان في مدلولهما وفقاً لاصطلاح المحدثين إذ أن المسند اصطلاحاً ما رتبت أحاديثه على حسب الرواة بأن تذكر مرويات الصحابي الواحد كلها في مكان واحد ، كمسند الإمام أحمد ، فيبدأ مثلاً بمسند أبي بكر ، مسند عمر ... الخ .
و هذا هو المشهور لدى المحدثين ، و قد يطلق المسند لديهم أيضاً على كتاب مرتب على الأبواب والحروف لا على الصحابة ، و ذلك لأن أحاديثه مسندة ومرفوعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثل مسند بقي بن مخلد الأندلسي على أبواب الفقه . انظر : أصول التخريج و دراسة الأسانيد لمحمود الطحان ( ص 40 ) .
هذا بالنسبة للمسند ، أما الجامع فهو ما رتبت أحاديثه على أساس كتب وأبواب الحديث كالعلم والأحكام والسير والأدب .. والتفسير والفقه والزهد .. الخ مثل البخاري و مسلم .
فَلِمَ أُطلق على كتاب الربيع اسم المسند ؟ مع أنه لم يرتب على أساس الرواة ، و كيف رتب بهذه الطريقة و سمي الجامع ؟ مع أنه من ناحية تاريخه نجد أن طريقة المسانيد كانت أسبق من طريقة الجوامع و هي ملائمة للفترة التي كتب فيها الربيع مسنده .. و يعلل الإباضية هذا الاختلاف في التسمية بأن اسم المسند أطلق على كتاب الربيع باعتبار تاريخ تصنيفه من عهد الربيع إذ قد صنفه واضعه على أساس الرواة ولم يكن يعرف رجال الحديث آنذاك طريقة غيرها ، فأطلق عليه اسم المسند ، و لكن لصعوبة الاستفادة من المسانيد عمد مرتبه أبو يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجلاني إلى إعادة ترتيبه وفقاً لطريقة الجوامع على أساس كتب العلم وأبواب الفقه المعروفة المصطلح على ترتيبها بداية من كتاب العلم إلى العقائد وأصول الدين ، ثم العبادات ثم المعاملات وبعدها السير والأخلاق ، و بناء على ذلك أطلق عليه كتاب الجامع الصحيح ، فأطلق عليه مسند باعتبار نشأته و تدوينه ، والجامع باعتبار بروزه واستقراره . انظر : شبهة تدحضها حقائق للحاج محمد بن الشيخ المغربي ( ص 9 12 ) .
ولم يقتصر عمل الورجلاني على ترتيب المسند ، بل أنه استدرك على الربيع بن حبيب كثيراً من الأحاديث ، وقام بإضافة جملة من الآثار التي احتج بها الربيع على مخالفيه في مسائل الاعتقاد وغيرها إلى المسند . كما ضم إلى أصل المسند روايات محبوب بن الرحيل بن يوسف بن هبيرة القرشي عن الربيع ، و روايات أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني إضافة إلى مراسيل جابر بن زيد . انظر: مناهج المحدثين للدكتور أبو لبابة حسين ( ص 41 42 ) .
و في رأي الإباضية أن الورجلاني أدرج هذه الاستدراكات في كتاب الربيع ليستكمل بذلك أبواب الفقه المطلوب إكمالها فيه لإتمام النفع والفائدة ، غير أنه بدلاً من أن يفرد استدراكاته بتصنيف خاص ، أدرجها ضمن كتاب الربيع اعترافاً بالفضل والجميل وإنكار للذات واحتساباً للأجر !! انظر : شبهة تدحضها حقائق ( ص 13 14 ) .
طبع هذا المسند باسم ( الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي البصري ) في مجلد واحد في أربعة أجزاء :-
الجزء الأول : يتضمن مدخلاً يضم ثلاثة عشر باباً ، تناولت النية و ابتداء الوحي و ذكر القرآن والعلم وأمة محمد والولاية والإيمان والشرك ، ثم عقد كتاباً للطهارة و كتاباً للصوم وكتاباً للزكاة .
الجزء الثاني : و به عشرة كتب : كتاب الحج و الجهاد و الجنائز والأذكار والنكاح والطلاق والبيوع والأحكام والأشربة والإيمان والنذور .
الجزء الثالث : تضمن سبعة و ثلاثين باباً ضمنها الورجلاني الأحاديث التي احتج بها الربيع على مخالفيه . وهذا الجزء فقد خلت فيه مراجعات الورجلاني من الأسانيد تماماً بدعوى أن ما فيه من آثار احتج بها الربيع على مخالفيه و قد اعترف خصومه بصحتها .
الجزء الرابع : و قد ضمنه مرتب الكتاب الورجلاني روايات محبوب بن الرحيل بن هبيرة القرشي عن الربيع ، و ورايات أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي عن أبي غانم بشر بن غانم الخراساني ، و مراسيل جابر بن زيد ، و ضمنه أيضاً تراجم للأخبار المقاطيع عن جابر بن زيد و قد وردت جل أحاديثه بالسند التالي : عن جابر بن زيد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بداية من الحديث رقم ( 924 إلى 1005 ) كما أن هذا الجزء الرابع حافل بروايات الربيع بن حبيب عن الصحابة مباشرة مسقطاً الوسائط بينه و بينهم .
و مجموع الأحاديث التي يتضمنها المسند حوالي ( 1005 ) خمسة وألفا بما فيها المكرر الذي يزيد عن ثلاثين حديثاً . انظر : مناهج المحدثين ( ص 42 43 ) .
قيمة أحاديث المسند : أما عن قيمة أحاديث المسند ، فبالرغم من أن الكثير من متون أحاديثه صحيحة و قد أخرجها أصحاب الكتب المعتبرة كالبخاري و مسلم وأحمد و نحوهم ، و رغم أنه يضم كثيراً من الأحاديث التي وردت عن الطريقة التي تعتبرها الإباضية السلسلة الذهبية ( أبو عبيدة عن جابر بن زيد عن ابن عباس ، أو عن عائشة أو عن أبي هريرة أو عن ابن عمر .. الخ ) فأغلب أحاديث الكتاب منقطعة ، فهي بلاغات ينسبونها لجابر بن زيد وتلميذه أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة والربيع نفسه .
كقول جابر : بلغني عن معاوية ، عن طلحة .. و قول أبي عبيدة : بلغني أن عمر بن الخطاب قال .. والربيع يقول : بلغني عن أبي مسعود الأنصاري ، و بلغني أن عبادة بن الصامت قال ..
و هذه الأمثلة التي ذكرت في أثناء الحديث عن أجزاء المسند يقول عنها الدكتور أبو لبابة حسين : تثبت الانقطاع الواضح الجلي ( مرسل منقطع معضل ) وهو دليل كاف لرد الحديث بغض النظر عن إظهار الانقطاعات الخفية عند التنقيب ، و غيرها من ألوان الجرح التي ترد الحديث و تسقطه . انظر : مناهج المحدثين ( ص 46 49 ) .
و يدافع الإباضية المعاصرون عن مسند الربيع الذي يعتبرونه أصح كتب الحديث بأن تضمنه لكثير من المراسيل لا يقدح فيه لأنه قيل : مراسيل جابر أصح وأقوى من مسانيده ، لأنه غالباً ما يرسل الحديث فيحذف اسم الصحابي من السند إذا تعدد الصحابة الذين يروي عنهم ، و بدل أن يذكرهم جميعاً فيطول بذلك السند فإنه يحذفهم جميعاً و يكتفي بإرسال الحديث إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، و قد حصل له من القطع واليقين بصحة الحديث حتى كأنه سمعه من الرسول صلى الله عليه وسلم مباشرة !! . انظر : شبهة تدحضها حقائق ( ص 40 ) .
و بعد هذا الذي ذكرت نتسائل بدونا ونقول : من الربيع بن حبيب هذا حتى نحتج به و بمروياته و بمسنده ؟
مؤلف المسند هذا نكرة مجهول غير معروف على الرغم من أنه قد سطر على غلاف هذا الكتاب عنه ( أحد أفراد النبغاء من علماء آخر قرن البعثة ) !!
ولم أعثر له على ترجمة إلا في كتاب الأعلام للزركلي (3/14 ) ، و قد أخذها من مطلع هذا الكتاب ! و لذا ؛ قال شيخنا الألباني رحمه الله في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ( ص 188 ) : ( .. و رواه ربيعهم في مسنده المجهول ) ، وقال أيضاً في رده على الأستاذ عز الدين بليق عند قوله ( ص 8 ) في كتابه منهاج الصالحين : ( و قد انتقيت أكثر الأحاديث من كتب الحديث الستة والجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب .. ) قال شيخنا رحمه الله : ( .. الربيع هذا ليس إماماً من أئمتنا ، وإنما هو إمام لبعض الفرق الإسلامية من الخوارج ، و هو نكرة لا يعرف هو ولا مسنده عند علمائنا ) .
قلت : و مما ينبغي ذكره بهذا الصدد أمور :-
الأول : جاء على غلاف المطبوع من هذا المسند : ( على ترتيب الشيخ المحقق صاحب التفسير الكبير والعدل والإنصاف والدليل والبرهان : أبي يوسف بن إبراهيم الورجلاني رضوان الله عليهما ) .
والورجلاني هذا إسناده منقطع إلى مؤلف هذا المسند .
الثاني : الورجلاني هذا رجل مغربي غير مشهور بالرواية .
الثالث : و من ثم كيف يكون ما في هذا الكتاب من تأليف الربيع و هو في أواخر قرن البعثة ، و قد روى فيه (3/23 ) قال : ( وأخبرنا بشر المريسي .. ) (ت 218 هـ ) .
الرابع : و منه تعلم ما في قول مصححه و هو عبد الله بن حميد السالمي من المغالطات عندما افتتح الكتاب بتنبيهات قال في التنبيه الأول (1/2 ) : ( اعلم أن هذا المسند الشريف أصح كتب الحديث رواية وأعلاها سنداً ، و جميع رجاله مشهورون بالعلم والورع والضبط والأمانة والعدالة والصيانة ، كلهم أئمة في الدين وقادة للمهتدين ) .
قلت : لا والله بل بشر المريسي هذا من المبتدعة الذين يدعون إلى مذهب الجهمية و هو من أئمة الضلال ، و انسلخ من الورع والتقوى كما قال الذهبي في السير (10/200 ) . و كثير من رجال هذا المسند حالهم كحال هذا المبتدع الضال .
والخلاصة : هذا المسند منحول .. و مؤلفه مجهول .. و لله عاقبة الأمور .. انظر : كتب حذر منها العلماء ( 2/295- 297 ) .
و قبل أن أختم أود أن أعلق على كلام لأحد الأباضية هداه الله، حيث أنه في الحلقة الماضية أحالني أحد الإخوة الأفاضل إلى موقع للحوار ..
http://ibadhiyah.net/cgi-bin/config-general.pl?read=C=2630=3=ALL
والموقع محجوب .. عندنا لكني دخلته دون أعرف الطريقة في أول الأمر .. و عندما حاولت دخوله مرة أخرى لم أستطع .. حيث تم حجبه ..
و خلاصة ما جاء في ذلك الحوار أن أحد طلبة العلم قام بالطعن في مسند الربيع بن حبيب ، و أظهر أنه منحول مكذوب ليس هناك دليل على صحته ، لكن الذي يهمنا من ذلك الحوار هو رد ذلك الإباضي الخارجي .. حيث استمات في الدفاع عن ربيعهم المزعوم و مسنده .. واستخدم جميع الأساليب التي يستخدمها أهل الأهواء و البدع من دس و تزييف و كذب من أجل إثبات حقيقة وجود الربيع بن حبيب و صحة مسنده ..
قلت : و قد اشتهر الرافضة بالكذب .. و لذلك قال أهل العلم : أكذب من رافضي . و قال أشهب : سئل مالك عن الرافضة ، فقال : لا تكلمهم و ترو عنهم ، فإنهم يكذبون . تهذيب الكمال (3/296) . و قال يزيد بن هارون : يكتب عن كل صاحب بدعة إذا لم يكن داعية ، إلا الرافضة فإنهم يكذبون . ميزان الاعتدال (4/229) . و يقول شريك القاضي : احمل العلم عن كل من لقيته إلا الرافضة ، فإنهم يضعون الحديث و يتخذونه ديناً . ميزان الاعتدال 1/ 27-28) . و هذه الأقوال من أهل العلم تدل على كثرة الكذب عندهم . لكن الشيء الغريب هو أن تجد خارجي و كذاب فهذه جديدة !! ومعلوم أن الخوارج يكفرون صاحب الكبيرة ، و الكذب عندهم من الأشياء المستقبحة .. فسبحان الله حين يناقضون أنفسهم .. ونقول نحن بدورنا ، قياساً على القول الأول : أكذب من إباضي خارجي ..
و سبب هذا القول هو أن ذلك الخارجي في رده على صاحب مقال : مسند الربيع بن حبيب في ميزان النقد العلمي ، قد استمات في الاستدلال بأقوال أهل العلم من علماء أهل السنة ، وأهل الجهل من علماء أهل البدعة ، في إيجاد ترجمة لربيعهم النكرة ومسنده ..
قال الخارجي بأن أهل العلم قد ترجموا للربيع بن حبيب و ذكروه في كتب الطبقات و ذكر قائمة طويلة عريضة فيها تلك الكتب بالجزء و الصفحة ، مشيراً بزعمه إلى أن هؤلاء قد ترجموا للربيع بن حبيب .. وعندما رجعنا إلى تلك الكتب و بالأخص كتب أهل السنة ؛ لأن كتب أهل البدعة لا يستشهد بها و لا يستدل على صحة ما جاء فيها ولا كرامة .. وجدنا ترجمتين لشخصيتين ، تدعيان بالربيع بن حبيب ، و سأنقل لكم الترجمة كاملةً حتى يتبين بعدها من الجاهل و من المكابر ..
الترجمة الأولى : الربيع بن حبيب بن الملاح العبسي ، مولاهم أبو هشام الكوفي الأحول ، وهو أخو عائذ بن حبيب في قول يحيى بن معين و غيره . انظر ترجمته في كل من : تاريخ يحيى بن معين (2/160) وعلل أحمد (1/378) و تاريخ البخاري الكبير ترجمة رقم (947) و تاريخه الصغير (2/147) و الضعفاء الصغير ترجمة رقم (115) و ضعفاء النسائي ترجمة رقم (197) و الجرح والتعديل ترجمة رقم (2064) والمجروحين لابن حبان (1/297 ) و تهذيب الكمال (9/67) و تهذيب التهذيب (3/240) و في غيرها من كتب الرجال .
روى عن : نوفل بن عبد الملك و يحيى بن قيس الطائفي . روى عنه : عبيد الله بن موسى و وكيع بن الجراح .
قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه : حدث عن عبيد الله بن موسى أحاديث مناكير . و قال عباس الدوري عن يحيى بن معين : الربيع بن حبيب أخو عائذ بن حبيب يقال لهما : بني الملاح ، و هما ثقتان . و كذلك قال يعقوب بن شيبة . و قال البخاري والنسائي : منكر الحديث . و قال أبو زرعة : كان شيعياً . و قال عبد الرحمن بن أبي حاتم عن أبيه : منكر الحديث ، قلت : يكتب حديثه ؟ قال : من شاء كتب ، هو ضعيف . انظر هذه الترجمة و هذه الأقوال في : تهذيب الكمال (9/67-69 ) .
و قول البخاري عن شخص بأنه منكر الحديث يعني لا تحل الرواية عنه . وأيضاً فإنه لا يمكن أن يكون الربيع بن حبيب خارجي و شيعي في نفس الوقت !!
الترجمة الثانية : الربيع بن حبيب الحنفي ، أبو سلمة البصري . انظر ترجمته في كل من : تاريخ يحيى بن معين (2/160) و العلل (1/231) و تاريخ البخاري الكبير ترجمة رقم (346) و سؤالآت الآجري لأبي داود ترجمة رقم (160) و الجرح والتعديل ترجمة رقم (2063) و ضعفاء الدارقطني ترجمة رقم (218 ) و تهذيب الكمال (9/69 ) و تهذيب التهذيب (3/241) و في غيرها من كتب الرجال .
يروي عن : الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير ومحمد بن سيرين ، و أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين ، وأبي سعيد الرقاشي . و يروي عنه : بهز بن أسد ، و حجاج بن المنهال ، وأبو داود سليمان بن داود الطيالسي و عبد الصمد بن عبد الوارث و موسى بن إسماعيل و يحيى بن سعيد القطان .
و هو ثقة ، وثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين وعلي بن المديني و غير واحد . ذكرناه للتمييز بينهما ، وقد خلط بعضهم إحدى هاتين الترجمتين بالأخرى و الصواب التفريق ، والله أعلم . انظر هذه الكلام في تهذيب الكمال (9/69-70 )
و من خلال ما ذكرنا نسأل الأباضية بدورنا و نقول : هل ذكر أي واحد من هؤلاء الذين ترجموا للربيع سواء الأول أو الثاني أن له مسنداً يدعى مسند الربيع أو الجامع الصحيح ؟ مع أن هذه من الأشياء البديهية التي تذكر في تراجم الشخصيات المهمة ..
أم هل ذكروا أن الربيع بن حبيب هذا و مسنده يعد من المراجع الأساسية عند الأباضية و بالأخص من العلماء المتأخرين الذين ذكروا خلاصة ما جاء به أهل العلم ممن سبقهم كابن حجر مثلاً ( ت 852 هـ ) ؟ ، ففي أثناء ترجمته للربيع بن حبيب سواء الأول أو الثاني الذي ذكره للتمييز بينهما لم يذكر أي شيء يخص ربيعكم المزعوم ، و المعروف عن ابن حجر رحمه الله أنه لا يدع الشخص مجهولاً في أغلب الأحيان إلا و يذكر أقوال أهل العلم فيه و ماله و ما عليه . انظر : التهذيب (3/216 ) .
و على فرض صحة ترجمة الربيع بن حبيب و طبعاً لن تكون الترجمة الأولى لأن الأول شيعي ، و ستقولون بأن ترجمته هي الترجمة الثانية لتوثيق أحمد و غيره من أهل العلم له .. نقول : فإن نسب الربيع بن حبيب كما تزعمون هو : الربيع بن حبيب بن عمر الأزدي البصري الفراهيدي ، في حين أننا إذا رجعنا إلى الترجمة الثانية نجد الآتي : هو الربيع بن حبيب الحنفي أبو سلمة البصري !! فأين باقي النسب المزعوم ؟؟!!
نكمل ما بدأناه من هذه السلسلة ..
رابعا: مدى العلاقة بين الأباضية و الخوارج ..
انطلاقاً من هذا الارتباط المذهبي للإباضية بأولئك التابعين ممن ذكرنا وممن لم نذكر ، فإن الأباضية ينكرون ارتباطهم بالخوارج و يستنكرون تصنيفهم مع الطوائف المارقة كالأزارقة والصفرية .
يقول صاحب شرح الجامع الصحيح : واعلم أن اسم الخوارج كان في الزمان الأول مدحاً ، لأنه جَمْعُ خارجة وهي الطائفة التي تخرج للغزو في سبيل الله تعالى ، قال عز وجل { ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة} ، ثم صار ذماً لكثرة تأويل المخالفين أحاديث الذم في من اتصف بذلك آخر الزمان ، ثم زاد استقباحه حين استبد به الأزارقة والصفرية ، فهو من الأسماء التي اختفى سببها و قبحت لغيرها ، فمن ثم ترى أصحابنا لا يتسمون بذلك ، وإنما يتسمون بأهل الاستقامة لاستقامتهم في الديانة . انظر الجزء الأول من شرح الجامع الصحيح ( ص 59 ) .
صحيح أن الإباضية قد اتخذوا موقفاً عدائياً متشدداً ضد الأزارقة وفارقوهم ، و لكن هناك ما يشير إلى وجود صلة وثيقة بين الإباضية و بين الخوارج الذين ظهروا في زمن علي رضي الله عنه بعد حرب صفين .
و يؤكد هذا ما ورد في الرسالة التي يقال أن ابن إباض بعث بها إلى عبد الملك بن مروان و فيها يصف سلفه من الخوارج بأنهم أصحاب عثمان الذين أنكروا عليه ما أحدث من تغيير السنة ، و فارقوه حين أحدث ما أحدث وترك حكم الله ، و فارقوه حين عصى ربه ، و هم أصحاب علي بن أبي طالب حتى حَكّم عمرو بن العاص و ترك حكم الله وأنكروه عليه و فارقوه فيه وأبوا أن يقروا الحكم لبشر دون حكم كتاب الله ، فهم لمن بعدهم أشد عداوة وأشد مفارقة ، و كانوا يتولون في دينهم وسنتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر و عمر بن الخطاب ، و يدعون إلى سبيلهم و يرضون بسنتهم ، على ذلك كانوا يخرجون وإليه يعودون وعليه يتفارقون ، فهذا خبر الخوارج نشهد الله والملائكة إنا لمن عاداهم أعداء ، وإنا لمن والاهم أولياء بأيدينا وألسنتنا و قلوبنا .. غير أنا نبرأ إلى الله من ابن الأزرق وأتباعه من الناس ، لقد كانوا خرجوا حين خرجوا على الإسلام فيما ظهر ، و لكنهم ارتدوا عنه وكفروا بعد إيمانهم ، فنبرأ إلى الله منهم . العقود الفضية ( ص 135) . ومن هذا يتبين أن ابن إباض يعتبر نفسه وأتباعه امتداداً للمحكمة الأولى فكراً و عملاً ، و هذا ما يثبته الإباضية المعاصرون الذين يقولون بأن الأباضية يجمعهم مع الخوارج الآخرين إنكار الحكومة بين علي ومعاوية ، بل إنهم يبررون الخروج و يفرقون بينه و بين الفتنة ، و حيث أن الفتنة ممنوعة و منهي عنها ، فإن الخروج لرفع الظلم ورد العدوان وإزالة الحاكم الظالم المفسد أمر مشروع وواجب . الأباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 133 ، 178 ) وانظر أيضاً : الإباضية في موكب التاريخ لعلي معمر (1/33-35 ) و العقود الفضية ( ص 45-46 ) ، يحث يدافع صاحب الكتاب عن الخوارج و يذكر من بين الخارجين خروجاً مشروعاً ، الخارجين على عثمان ، و يعد رؤوسهم من الصحابة ، كما يعد من الخارجين طلحة الزبير وأهل النهروان وأهل المدينة والحسين بن علي ، و كلهم صحابة ، و يذكر أيضاً سعيد بن جبير والشعبي و فقهاء العراق إذ خرجوا على الحجاج ، وكلهم تابعون صالحون .
هذا بالإضافة إلى أن الأباضية يعدون من بين من يعدون من أئمتهم ، حرقوص بن سعد التميمي ( ذو الخويصرة ) ، الذي اعترض على الرسول صلى الله عليه وسلم ، و أبي بلال مرداس بن جدير الذي أنكر التحكيم و فارق علياً مع أهل النهروان ، بل ويدافعون عن الخوارج الأُوَلْ و يعتذرون لهم في الخروج بما يأتي :- 1 إن إمامة الإمام علي لم تثبت بإجماع الصحابة ، حيث لم يدخل فيها طلحة والزبير وعبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص .
2 إن في خروج طلحة والزبير و من معهما أسوة لخروج هؤلاء ، فكيف يحل لأولئك الخروج و يحرم على هؤلاء ، و كذلك القول في معاوية و من معه .
3 إن الإمام علي أعطى الحكمين العهد والميثاق على قبول ما يحكمان به ، قد حكما بخلعه فلمن خرج عليه العذر إن تمسك بهذا .
4 ذكر الطبري أن الإمام علي قبل التحكيم مكرها خوفاً على نفسه ، و عليه فقد سقطت إمامته لضعفه .
5 على رأي بعض المسلمين ، و منهم الإمام علي أن كل مجتهد مصيب و هؤلاء اجتهدوا .
6 إن فيهم أي الخوارج صحابة و للصحابة مزية ليست لغيرهم .
7 لهم حرمة لا إله إلا الله .
و قد أنكر صاحب العقود الفضية أن الخوارج كانوا يكفرون علياً أو طلبوا منه الاعتراف بالكفر ، وإن صح هذا فالكفر المشار إليه كفر نعمة لا كفر شرك . انظر : العقود الفضية ( ص 64 65 ) .
و هذه الحجج ضعيفة واعتذار لا يليق ، و يرد على ذلك بما يلي :-
أولاً : إنه من الثابت أن بيعة علي قد انعقدت ببيعة عامة المسلمين وجمهورهم ، ماعدا أهل الشام ، والزعم بأن طلحة الزبير لم يدخلا فيها أو أنهما بايعا مكرهين ، يحتاج إلى إثبات ، و بالمثل فإن القول بعدم بيعة عبد الله بن عمر و سعد بن أبي وقاص لا سند له ولا حقيقة .
وهذه نبذة مختصرة عن بيعة علي رضي الله عنه ، و هي تمثل أصح ما وصل إلينا من روايات في هذا الشأن .
قال محمد بن الحنفية : كنت مع أبي حين قتل عثمان رضي الله عنه فقام فدخل منزله ، فأتاه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : إن هذا الرجل قد قتل و لا بد للناس من إمام و لا نجد اليوم أحد أحق بهذا الأمر منك ، لا أقدم سابقة و لا أقرب من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : لا تفعلوا ، فإني أكون وزيراً خير من أن أكون أميراً ، فقالوا : لا والله ! ما نحن بفاعلين حتى نبايعك ، قال : ففي المسجد فإنَّ بيعتي لا تكون خفياً و لا تكون إلا عن رضا المسلمين ، قال سالم بن أبي الجعد :فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما فلقد كرهت أن يأتي المسجد مخافة أن يُشغب عليه ، و أبى هو إلا المسجد ، فلما دخل المهاجرون و الأنصار فبايعوه ثم بايعه الناس . و هناك رواية عن أبي بشير العابدي يقول فيها : إن المهاجرين و الأنصار و فيهم طلحة و الزبير أتوا علياً فقالوا له : إنه لا يصلح الناس إلا بإمرة ، و قد طال الأمر . فقال لهم : إنكم اختلفتم إليَّ و أتيتم و إني قائل لكم قولاً إن قبلتموه قبلت أمركم ، و إلا فلا حاجة لي فيه . فقالوا : ما قلت من شيء قبلناه إن شاء الله . فبايعوه في المسجد . فضائل الصحابة لإمام أحمد ( 2 / 573 ) . بسند صحيح .
و في رواية : أن طلحة و الزبير قالا : يا علي ابسط يدك ، فبايعه طلحة و الزبير و هذا بعد مقتل عثمان لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة .
و هناك رواية أخرى عن عوف بن أبي جميلة العبدي قال : أمّا أنا فأشهد أني سمعت محمد بن سيرين يقول : إن علياً جاء فقال لطلحة : ابسط يدك يا طلحة لأبايعك فقال طلحة : أنت أحق و أنت أمير المؤمنين فابسط يدك فبسط عليّ يده فبايعه . الطبري في تاريخه ( 4/ 427 248 ) و ( 4 / 434 ) . و هذه الروايات صحيحة على شرط مسلم و رجالها ثقات رجال الشيخين .
و قد ذكر ابن سعد في الطبقات بيعة علي رضي الله عنه يوم الجمعة بالخلافة سنة خمس و ثلاثين و ذكر من جملة الصحابة الذين بايعوا طلحة و الزبير و جمع من الصحابة ممن كان في المدينة . الطبقات ( 3 / 31 ) .
ذكر المسعودي أن علياً بويع في اليوم الذي قتل فيه عثمان بن عفان رضي الله عنه يعني البيعة الخاصة ، ثم قال إنه بويع البيعة العامة بعد مقتل عثمان بأربعة أيام . مروج الذهب ( ص 358) .
و ذكر اليعقوبي في تاريخه : أن طلحة و الزبير بايعا علياً و كان أول من بايعه و صفق على يده يد طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه . تاريخ اليعقوبي (1/ 178) .
يقول الحافظ الذهبي في شأن البيعة : لما قتل عثمان سعى الناس إلى علي و قالوا : لابد للناس من إمام فحضر طلحة و الزبير و سعد بن أبي وقاص و الأعيان ، و كان أول من بايعه طلحة ثم سائر الناس . دول الإسلام للذهبي (1/ 28 ) .
و أما الروايات المخالفة التي نقلها الإمام الطبري فمنها من يقول بأن طلحة و الزبير بايعا كرها حيث روى من طريق الزهري قال : بايع الناس علي بن أبي طالب فأرسل إلى الزبير و طلحة فدعاهما إلى البيعة فتلكّأ طلحة فقام الأشتر و سل سيفه و قال : والله لتبايعن أو لأضربن بهما بين عينيك فقال طلحة : و أين المهرب عنه ! فبايعه و بايعه الزبير و الناس . و هناك روايات أخرى تبين أنهما بايعا و السيف فوق عنقيهما . تاريخ الطبري (4/429) و (4/431) و (4/435) .
هذه كلها لا تصح لأنها من روايات الواقدي و أبي مخنف الكذاب . يقول ابن العربي عن هذا الموضوع : فإن قال طلحة : بايعته و اللج على عنقي ، قلنا اخترع هذا الحديث من أراد أن يجعل في القفا لغة قفي ، كما يجعل في الهوى هوي ، و تلك لغة هذيل لا قريش فكانت كذبة لم تدبر . العواصم من القواصم (ص 148) .
و قول من قال : بايع علياً يد شلاّء أي يد طلحة - والله لا يتم هذا الأمر . قال ابن العربي عن ذلك : و أما من قال يد شلاء و أمر لا يتم ، فإن يداً شلت في وقاية رسول الله صلى الله عليه وسلم يتم لها كل أمر و يتوقى بها من كل مكروه . و قد تم الأمر على وجهه ، و نفذ القدر بعد ذلك على حكمه و جهلَ المبتدع ذلك فاخترع ما هو حجة عليه . نفس المصدر (ص 148-149) .
و في رواية ابن شبة عن محمد بن الحنفية قال : بايعت الأنصار علياً إلا نفير يسير . تاريخ الطبري (4/429)
و هم سعد بن أبي وقاص و ابن عمر و أسامة بن زيد و محمد بن مسلمة و غيرهم ، قلت : هذا غير صحيح فإن حضورهم لعلي و اعتذارهم عن الوقوف معه في حرب أهل الشام أو فيما يدور بينه وبين المسلمين من القتال في العراق ، لدليل واضح على أن في أعناقهم بيعة تلزمهم بطاعته حين اعتذروا ، و لو كان الأمر خلاف ذلك لتركوه يخرج دون أن يذهبوا إليه و يعتذروا له ، فهم حينئذ غير ملزمين بطاعته .
و يبرر الباقلاني موقف الصحابة الذين تأخروا عن نصرة علي فيقول في هذا الصدد : فإن قال قائل : فإن كانت إمامة علي من الصحة و الثبوت بحيث وصفتم ، فما تقولون في تأخر سعد و ابن عمر و ابن مسلمة و أسامة و غيرهم عن نصرته و الدخول في طاعته ؟ قيل له : ليس في جميع القاعدين ممن أسمينا أو ضربنا عن ذكره من طعن في إمامته و اعتقد فسادها ، و إنما قعدوا عن نصرته على حرب المسلمين لتخوفهم من ذلك و تجنب الإثم فيه . انظر هذا الخبر في التمهيد في الرد على الملحدة (ص 233-234) .
و يذكر ابن العربي : أن قوماً قالوا تخلف عنه من الصحابة جماعة منهم سعد و ابن مسلمة و ابن عمر و أسامة ، فيرد عليهم بقوله : قلنا أما بيعته فلم يتخلف عنها ، و أما نصرته فتخلف عنها قوم ؛ منهم من ذكرتم؛ لأنها كانت مسألة اجتهادية فاجتهد كل واحد و أعمل نظره و أصاب قدره . العواصم (ص 150) .
و خلاصة القول لئن كانت بعض الروايات تستثني من البيعة بعض الصحابة فإن ذلك لا يقدح في خلافة علي رضي الله عنه .
و إن ثبت امتناع معاوية عن مبايعته فإن ذلك لا يقدح في إجماع أهل الحل و العقد على خلافته ، كما لا يقدح في الإجماع على خلافة الصديق امتناع سعد بن عبادة عن مبايعته . على أن معاوية معترف بأن علي أحق بالإمامة منه و إنما حجّته في الامتناع هو طلبه تسليم الموجودين من قتلة عثمان فيقتص منم .و يخلص الماوردي إلى القول بأن فرض الإمامة أو البيعة يكون فرض كفاية كالجهاد و طلب العلم ، حيث إذا قام بها من هو أهلها سقط فرضها عن كافة الناس . الأحكام السلطانية للماوردي (ص 30) .
ثانياً : إن طلحة والزبير ومن معهما و كذلك معاوية لم يخرجوا طلباً للخلافة أو سعياً بالفتنة كما فعل الخوارج ، بل إنهم رأوا رأياً واجتهدوا فيه ، و لما تبين لطلحة والزبير وجهالحق قبلا وأذعنا له ، ولولا المؤامرات التي كانت تدبر في الخفاء لما وقعت موقعة الجمل ، وأما معاوية فإنه اجتهد في رأيه وأخطأ .
ثالثاً : إن الحكمين لم يحكما بخلع علي ، كما يزعم بعض المؤرخين ، بل إن الحق كما روى الدارقطني بسنده أن الحكمين قد اتفقا على رد ( الأمر ) إلى النفر الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راض ، ولاشك أن الأمر الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة أو إلى النفر ، ليس إلا أمر الخلاف بين علي و معاوية ، الخلاف حول الامتناع عن بيعة علي و من ثم حول عدم تنفيذ أوامره و هو الخليفة الشرعي . فالحكمان إذاً لم يحكمان بخلع علي عن الخلافة كما توهم بعض المؤرخين و ردد هذا الوهم صاحب العقود الفضية ، لأن مسألة الخلافة لم تكن موضوع النزاع بين علي ومعاوية .
رابعاً : إن علياً رضي الله عنه لم يقبل التحكيم خوفاً على نفسه كما تزعم رواية الطبري التي أوردها واستند عليها صاحب العقود الفضية ، بل الثابت من الروايات الموثوق بها أن علياً رضي بالتحكيم من تلقاء نفسه كما جاء في رواية الأمام أحمد ، و تقيداً بمبدأ الشورى بين الراعي و الرعية والاتزام به . و الرواية هي أخرج الإمام أحمد في المسند (3/485-486) عن أبي وائل قال : كنا بصفين فلما استحر القتل بأهل الشام اعتصموا بتل فقال عمرو بن العاص لمعاوية أرسل إلى علي بمصحف و ادعه إلى كتاب الله فإنه لن يأبى عليك ، فجاء به رجل فقال : بيننا و بينكم كتاب الله { ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون }آل عمران/23
، فقال علي نعم أنا أولى بذلك بيننا و بينكم كتاب الله . فجاءته الخوارج - و نحن ندعوهم يومئذ القراء و سيوفهم على عواتقهم - فقالوا : يا أمير المؤمنين ما ننتظر بهؤلاء القوم الذين على التل ألا نمشي إليهم بسيوفنا حتى يحكم الله بيننا و بينهم . فتكلم سهل بن حنيف فقال : يا أيها الناس اتهموا أنفسكم فلقد رأيتنا يوم الحديبية - يعني الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه وسلم و بين المشركين - و لو نرى قتالاً لقاتلنا فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال .. الخ .
خامساً : صحيح ما ذكره صاحب العقود الفضية من أن لكل مجتهد نصيب من الأجر ، و لكن المجتهد الذي له هذا النصيب هو الذي تتوفر له شروط الاجتهاد ، و يلتزم بأدب المجتهد ، فهذا له شيء من الأجر حتى ولو أخطأ ، أما الذي يُحكِّم هواه و يجهل أو يتجاهل النصوص الثابتة القطعية في قضية اجتهادية فلا أجر له .
سادساً : القول بأن من الخوارج بعض الصحابة فهذا ليس بصحيح ، و لم يعرف منهم من الصحابة إلا حرقوص بن زهير السعدي ، بناء على رواية الطبري ، هذا إلى أن الإباضية لم يجعلوا للصحابة الحرمة التي يطلبها صاحب العقود الفضية لسلفه ، بل إن الإباضية يذهبون إلى أن الصحابة كغيرهم في الأعمال و ليست لهم ميزة يتميزون بها .
سابعاً : إن للمسلم حرمة لا إله إلا الله ، و لكن هذا لا يمنع أن المسلم إذا بغى أو اعتدى أن يُقاتل و قتاله هذا لا يخرجه عن دائرة الإسلام ، كما ورد في قوله تعالى { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } فأمر الله سبحانه وتعالى بقتال الطائفة الباغية مع وصفها بالإيمان .
و بعد هذا الذي ذكرت نتأكد أن الإباضية يلتقون مع الخوارج في إنكار التحكيم وقولهم أن الإمامة لا تختص بقريش ، و عدم إقرارهم بشرعية الحكم الأموي ، و فيما عدا ذلك فإن مبادئ الطائفتين مختلفة ، لأن الخوارج ( الأزارقة والنجدات والصفرية ) قالوا : بأن دار مخالفيهم دار حرب و حكموا بشرك من خالفهم ، وأحلوا سفك دمائهم ، و غنيمة أموالهم و سبي ذراريهم إلى غير ذلك من الآراء .. بينما الإباضية لا قرون بشيء من ذلك ولا يقولون به ، فلا يقولون بأن دار مخالفيهم دار حرب ولا يحكمون بالشرك على من خالفهم ، و من ثم لا يجيزون قتال من لم يقاتلهم ، و من قاتلهم لا يستبيحون أخذ أموالهم كغنائم ولا قتل نسائهم وأطفالهم ولا سبيهم ، ولا يعتبرون الخروج فرضاً لازماً ، بل أباحوا لأفراد جماعتهم العيش في ظل حكم الطغاة تقية للضرورة ..
و لكن في الوقت ذاته يقر الإباضية بأن سلفهم هم المحكمة الأولى ، بل و يعتبرون أنفسهم امتداداً للمعارضة التي أطاحت بالخليفة عثمان و تسببت في مقتله ، واعتبروا تلك الحركة حركة إسلامية رفضت الأحداث التي أحدثها عثمان وحاشيته من الأمويين ، واعترفوا بخلافة علي واعتبروا طلحة والزبير وعائشة رضي الله عنهم من البغاة الذين خرجوا على الخليفة الشرعي ، وأنكروا قبول علي للتحكيم ، كما أنكروا قتله لأهل النهروان ، فالمحكمة في رأي الإباضية هم الجماعة الوحيدة التي ناضلت من أجل استعادة الخلافة الإسلامية العادية التي كانت على عهد أبي بكر و عمر و السنين الست من خلافة عثمان و خلافة علي قبل التحكيم ، و انهتى ذلك النضال بموقعة النهروان .
وهنا ينشأ إشكال و هو أنه إذا كان الإباضية يعترفون بأن المحكمة سلف لهم ، فهذا يعني أنهم يربطون أنفسهم تاريخياً بأصل الخوارج وأساسهم ، إذ أنه من المعلوم أن أهل النهروان هم بذور الخوارج ونواتهم ، يقول المبرد في ذلك : ظلت الخوارج على رأي واحد منذ أن فارقوا علياً إلى أن كان من أمرهم ما كان مع ابن الزبير و تفرقهم عنه ، فقد كانوا حتى ذلك الحين يتولون أهل النهر ومرداس بن أدية ولا يختلفون إلا في صغائر الأمور . الكامل للمبرد (2/202 ، 208 ) . ومن التناقض البين أن يعلن الإباضية براءتهم من الخوارج و في الوقت نفسه ينسبون أنفسهم إلى أصل الخوارج ، اللهم إلى إذا كان الإباضية يقولون : بأن الأزارقة والنجدات والصفرية لا تعود أصولهم إلى المحكمة ، و لكن إذا كان الأمر كذلك ، فإلى من ينسب هؤلاء ؟ هل كان هناك خوارج قبل خروج المحكمة من صف علي رضي الله عنه ؟!!
وخروجاً من هذا المأزق حاول الإباضية المعاصرون أن يثبتوا أن المحكمة أنفسهم لم يكونوا خوارج بالمفهوم المتطرف الذي عرف به الخوارج الغلاة فيما بعد ، ومن ثم صوروا خروجهم بأنه خروج من أجل إقرار الحق والتمسك به في البداية ، ثم سعياً مستمراً لإزالة الظلم والجور ، وأنهم انحازوا إلى النهروان من أجل إقامة الخلافة الإسلامية الصحيحة ، وأنهم بايعوا عبد الله بن وهب الراسبي على ما بويع عليه الأئمة من قبله ، و رأوا أنهم الحجة في ذلك العهد وأن لهم الحق في ذلك . راجع : صدق المناهج في تمييز الإباضية عن الخوارج لسالم بن حمود السمائلي ( ص 25 ) .كما أن الإباضية نفوا عن الخوارج المحكمة استعراض الناس و قتلهم المسلمين والحكم بكفرهم ، وغير ذلك من الأحكام والأفعال المنسوبة إلى حركة الخوارج الأولى في عمومها .
و هذه لاشك صورة عن المحكمة مخالفة تماماً لكل ما ورد في كتب التاريخ عنهم ، ولما ذكره أصحاب كتب الفرق عن مبادئهم ، ولا أعتقد أن الإباضية الآن يستطيعون أن ينفوا أن المحكمة خرجوا على علي واتهمته طائفة منهم على الأقل بالكفر ، وأنهم قتلوا عبد الله بن خباب بن الأرت ، أو حموا قاتليه ، وأنهم قتلوا رسول علي إليهم إبان هذه المحادثة ، وأنهم حكموا بالكفر على عثمان وأصحاب الجمل ومعاوية وعمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري و كل من قبل التحكيم أو شارك فيه .
فإذا كان الأمر كذلك فسيكون من الصعب على الإباضية إثبات أن المحكمة لا صلة لهم بالخوارج ، أو أنهم حركة منفصلة عنهم ، و سيكون من الصعب أيضاً أن ينفوا انتماء الإباضية إلى الخوارج في الوقت الذي يثبتون فيه أن المحكمة الأولى أصل لهم .
و رغم تأكيد الإباضية و سعيهم إلى اعتبارهم مذهباً من المذاهب الإسلامية لا صلة له بجماعة الخوارج ، و رغم أن كثيراً من كتب الفرق قدماء و محدثين أقروا بأن الإباضية أكثر الفرق الخارجة اعتدالاً وأقربها تفكيراً و رأياً و سلوكاً إلى أهل السنة ، بالرغم من هذا فقد نسبت إلى الإباضية بعض الآراء التي تبدوا فيها التطرف ويحتمل ظاهرها الخروج ، و قد هبّ الإباضية المعاصرون إلى رد بعض هذه الآراء و تبرئة الإباضية منها ، أو إلى تفسيرها تفسيراً ينأى بهم عن التطرف والخروج .
فمما نسب إلى الإباضية القول بأن مخالفيهم من المسلمين ليسوا مشركين ولا مؤمنين بل سموهم كفاراً ويقولون إنهم كفار نعمة لا كفاراً في الاعتقاد . انظر : الفرق بين الفرق (ص 103 ) . وقد اعترض الإباضية المعاصرون على نسبة هذه العبارة إلى الإباضية رغم ورودها في معظم كتب الفرق الإسلامية ، وأكدوا أن الإباضية يستخدمون كلمة كفر بمعنى كفر النعمة أو المعصية أو الفسوق ، وأن كلمة كفر بهذا المعنى لا يطلها الإباضية على من خالفهم فحسب ، بل هي مصطلح يستخدمونه حتى بالنسبة للعصاة منهم ، فهم إذن لا يفرقون بين مخالفيهم و جماعتهم بل يعتبرون العصاة من الفريقين كفاراً أو عصاة أو فسقة لتقصيرهم في جنب الله . انظر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 89-91 ) و الإباضية في موكب التاريخ (1/89-92 ) و الجامع الصحيح - مسند الربيع بن حبيب (3/1-5 ) حيث أورد عدة أحاديث تثبت بها كما يقول الحجة على من قال أن أهل الكبائر ليسوا بكافرين ( كفر نعمة ) ويلاحظ أن هذه الأحاديث وردت من غير أسانيد ، رواية عن الربيع بن حبيب فحسب .
كذلك ينسب إلى الإباضية القول بأن دماء مخالفيهم حرام ودارهم دار توحيد و إسلام إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي . الملل والنحل للشهرستاني (1/134 ) .
والإباضية المعاصرون فصلوا القول في ذلك و ذهبوا إلى أنحكم الدار يتمثل في أربع صور هي كما يلي :-
1 الدار دار إسلام ومعسكر السلطان معسكر إسلام و ذلك عندما يكون الوطن مسلماً والأمة مسلمة تعمل بكتاب الله .
2 الدار دار إسلام ومعسكر السلطان معسكر إسلام إلا أنه معسكر بغي و ظلم و ذلك عندما يكون الوطن مسلماً والأمة مسلمة والدولة مسلمة لكنها لا تنتهج المنهج الإسلامي في الحكم سواء كانت من الإباضية أو من مخالفيهم .
3 الدار دار إسلام و معسكر السلطان معسكر كفر و شرك و ذلك عندما يكون الوطن مسلماً والأمة مسلمة والحاكم دولة مستعمرة مشركة كتابة أو غير كتابية .
4 الدار دار كفر ومعسكر السلطان معسكر كفر و ذلك عندما يكون الوطن للمشركين و تسكنه أمة مشركة و تتولى الحكم فيه دولة مشركة . راجع : الإباضية مذهب إسلامي معتدل ( ص 27 ) . و مما ينسب إليهم أيضاً : جواز مناكحة مخالفيهم وموارثتهم وقبول شهادتهم و حرموا قتله في السر غيلة إلا بعد نصب القتال وإقامة الحجة ، فإن قام قتال أباحوا من أموالهم غنيمة الخيل والسلام ، و يذهب البغدادي إلى أن الإباضية حرموا دماء مخالفيهم في السر واستحلوها في العلانية . الفرق بين الفرق ( ص 103 ) ، و ينسب الأشعري إلى الإباضية قولهم بأن مخالفيهم من أهل الصلاة كفار و ليسوا مشركين ، حلال مناكحتهم و موارثتهم ، حلال غنيمة أموالهم من السلاح والكراع عند الحرب ، حرام ما وراء ذلك و حرام قتلهم و سبيهم في السر إلا من دعا إلى الشرك في دار التقية ودان به . المقالات ( ص 104 ) . و لعل هذا النص يفسر عبارة البغدادي السابقة .
و قد رفض الإباضية المعاصرون أن ينسب إليهم القول باستباحة سلاح و خيل مقاتليهم من المسلمين ، وقالوا بأن الإباضية يعاملون مخالفيهم في القتال معاملة الفئة المسلمة الباغية ، و من ثم لا يستحلون شيئاً من أموالهم كغنيمة ، كما يقول أحد الإباضية : فمن عرف الحق وأقر به توليناه و حرمنا دمه ، و من أنكر حق الله منهم واستحب العمى على الهدى وفارق المسلمين و عاندهم فارقناه و قاتلناه حتى يفيء إلى أمر الله أ يهلك على ضلاله ، من غير أن ننزلهم منازل عبدة الأوثان ، فلا نستحل سباياهم ولا قتل ذراريهم ولا غنيمة أموالهم ولا قطع الميراث منهم . انظر : الإباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 311) و الإباضية مذهب إسلامي معتدل (ص 21 22 ) . والواقع أن الإباضية شديدو التمسك بمذهبهم يبغضون غيره من المذاهب و يرون أنها كلها باطلة ما عدا مذهبهم ، و في ذلك يقول العيزابي : الحمد لله الذي جعل الحق مع واحد في الديانات ، فنقول معشر الإباضية الوهبية : الحق ما نحن عيه و باطل ما عليه خصومنا ، لأن الحق عند الله واحد ، و مذهبنا في الفروع صواب يحتمل الخطأ ، و مذهب مخالفينا خطأ يحتمل الصدق . انظر : الحجة في بيان المحجة ( ص 37 ) . فهذا نموذج و للمزيد راجع : اللمعة المرضية من أشعة الإباضية (ص 54 67 ) و الدليل لأهل العقول ( ص 22 ، 35 ) .
أحبتي في الله نكمل اليوم ما بدأناه من هذه السلسلة ،
و قد رأيت أن أضيف خامسا: جديد يتحدث عن عقائد الإباضية ، و ذلك لتكتمل الصورة عن هذه الفرقة .. وقد انتهينا في الحلقة الماضية من الحديث عن هذه الفرقة ، و خرجنا بنتيجة واحدة وهي أن الأباضية فرقة من فرق الخوارج ، بشهادة أهل السنة و الأباضية أنفسهم .. و سواء رضي بذلك الأباضية أم أبوا .. يتفق العلماء والباحثون قديماً و حديثاً على أن الأباضية في أصولها العقدية فرع عن الخوارج ، و تلتقي معهم في أغلب الأصول التي خرجت بها الخوارج عن الأمة وأن الخلاف الذي انشعبت به عنهم كان في موقفهم من بقية المسلمين ، و حكم الإقامة معهم و متى يكون قتالهم ، وأحكامهم في السلم والحرب . انظر على سبيل المثال : مقالات الإسلاميين للأشعري (1/183 ) و الفرق بين الفرق (ص 103 ) والملل والنحل (1/133 ) . كما وأن عقائد الأباضية تبدو كثير من أوجه الشبه بين آرائهم وآراء المعتزلة ، كما و تلتقي بعض آرائهم مع آراء بعض الفرق الأخرى التي سوف نراها بعد قليل .. وهذا مختصر موجز لأصول ومعتقدات الأباضية ..
في مسألة الصفات : ذهبت الأباضية كما ذهبت المعتزلة إلى أن صفات الله تعالى هي ذاته ، ولا تدل على معان زائدة على الذات ، يقول أحد أئمة الأباضية : والأصل الذي ذهب إليه أصحابنا في هذا أن صفاته تعالى هي عين ذاته الأزلية ، ولا ينكشف هذا إلا بتجريد الذات المقدسة عن الصفات الكلية .. انظر : نثار الجوهر للرواجي (1/23 ) و الإباضية عقيدة و مذهباً لصابر طعيمة ( ص 95 96 ) و جامع أبي الحسن البسيوي (1/36 ) ومختصر تاريخ الأباضية (ص 65 ) و مشاق أنوار العقول ( ص 177 181 ) . و هم بهذا يخالفون أهل السنة والأشاعرة ، و يوافقون المعتزلة والشيعة الإمامية ، الذين قالوا بأن إثبات الصفات لله يستلزم إثبات قدماء مع الله تعالى ، و من ثم حاولوا تجنب ذلك بأن نفوا الصفات وأبقوا على الأوصاف أو قالوا بعدم التمييز بين الصفات و بين الله تعالى .
و سعياً لتنزيه الله تعالى كما يقولون ، نفى الأباضية كل الصفات التي توهم المشابهة بين الله تعالى و بين خلقه كالوجه واليد والدنو والتجلي والنزول ، وأولوا كل الآيات والأحاديث التي تثبت هذه الصفات ، بحجة أن ظاهر هذه الصفات يوجب التشبيه والتجسيم ، وأوردوا بعض التأويلات رواية عن جابر بن زيد عن ابن عباس رضي الله عنه ، سنداً لرأيهم هذا . انظر : مسند الربيع بن حبيب (3/36-37 ) و جامع أبي الحسن البسيوي (1/65-66 ) و قاموس الشريعة لجميل بن خميس السعدي (5/257-304 ) ، و بهجة أنوار العقول (1/85 ) . و أرجوزة أحمد بن النضر و هو من الأباضية في كتابه الدعائم ( ص 34 ) و كذلك أرجوزة السالمي في كتابه غاية المراد ( ص 7 ) . فهم يقولون بأن صفات الله توقيفية ، فهم بهذا يوافقون أهل السنة من وجه ( نظرياً ) لكنهم عند التفصيل يخوضون في التأويل وعلى هذا فهم عملياً مع الأشاعرة وأهل الكلام في مسألة الصفات .
ولاشك أن هذه التأويلات تتطابق مع ما ذهب إليه المعتزلة و الأشاعرة و الماتريدية والجهمية المريسية ، وهي لا تتفق مع آراء السلف الذين امتنعوا عن التأويل وأثبتوا هذه الصفات لله تعالى من غير تمثيل ولا تشبيه ولا تأويل ولا تعطيل . وأنكر الأباضية ما فهمه السلف من استواء الله تعالى على العرش ، و فسروا قول الله تعالى {الرحمن على العرش استوى } بأن المراد بالاستواء استواء أمره وقدرته و لطفه فوق خلقه و بريته . انظر : مسند الربيع (3/35 ) و قاموس الشريعة (5/305 ) و ما بعدها .
و هذا الرأي مخالف لعقيدة السلف الذين أثبتوا لله تعالى الاستواء من غير تكييف ولا تمثيل ، و عبر عن رأيهم إمام دار الهجرة مالك بن أنس حينما سئل عن الاستواء فقال : الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة . انظر : ترتيب المدارك القاضي عياض ( ص 188 ) . و نفى الأباضية أيضاً رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وقالوا كما قالت المعتزلة و الجهمية والرافضة ، بأن إثبات الرؤية يستلزم الجهة والحصر والتحيز والمكان ، و غير ذلك من صفات الأجسام التي يتنزه الله تعالى عنها . انظر : رسالة الديانات للشماخي (ص 1 ) والكشف والبيان (1/152 ) ومنهج الطالبين (1/409 413 ) و بهجة أنوار العقول (1/61 ) ومشارق أنوار العقول (ص 186 197 ) والحق الدامغ (ص 95 96 ) و في غيرها من كتب الأباضية . و فسورا ( النظر ) الوارد في قوله تعالى {وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة}- و الذي يدل عند أهل السنة على إثبات الرؤية كالمعتزلة ، بمعنى الانتظار وأن الناس في الآخرة منتظرة متى يأذن الله لهم في دخول الجنة ، أو منتظرة ثواب ربها ، و فسروا الزيادة الواردة في قوله تعالى{للذين أحسنوا الحسنى وزيادة} والتي فهم منها السلف بأنها تعني رؤية الله تعالى ، فسروها بأن المراد منها مطلق زيادة النعيم والكرامة والثواب في الجنة ، واستشهدوا على استحالة الرؤية بنفس ما استشهد به المعتزلة من قوله تعالى{لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار} ، كدليل على نفي الرؤية واستحالتها إلى غير ذلك مما استشهد به المعتزلة واستدلوا به . انظر : مسند الربيع (3/25-31 ) و إزالة الاعتراض عن محقي آل أباض لمحمد يوسف أطفيش (2/5 ) . أما بالنسبة للقرآن فقد ذهب بعض الأباضية لاسيما في المشرق أباضية عُمان - إلى القول بقدمه و نفوا القول بخلقه ، و من هؤلاء البسيوي الذي قدم العديد من الحجج والبراهين التي ترد على من قال بخلق القرآن . انظر : جامع أبي الحسن البسيوي (1/55 60 ) . إلا أن الأباضية المعاصرين من أباضية المشرق و بالأخص مفتي السلطنة الخليلي ، يقول بخلق القرآن وينصر قول الجهمية . انظر : الحق الدامغ ( ص 180 ) . أما أباضية المغرب فقد أكدوا القول بخلق القرآن متفقين في ذلك مع المعتزلة ، و مستدلين بنفس الحجج التي استدلوا بها . انظر : الموجز في تحصيل السؤال و تلخيص المقال في الرد على أهل الخلاف لأبي عمار عبد الكافي (2/132-137 ) و العقود الفضية ( ص 287 ) . و من الأباضية من يميل إلى قول الواقفة في القرآن ، فلا يقولون هو مخلوق ولا غير مخلوق . انظر : منهج الطالبين (1/204) . فعلى هذا من قال منهم بخلق القرآن وافق المعتزلة والجهمية و نحوهم ، من قال بأن القرآن منزل غير مخلوق وافق أهل الكلام ، حيث قد يفسرون كلام الله تعالى منه القرآن بأنه الكلام النفسي أو هو معنى قائم بالنفس و نحو ذلك كما تقول الفرق الكلامية ( الكلابية والأشاعرة والماتريدية ) . و في مسألة القدر تبنى الأباضية آراء الأشاعرة و الجبرية والقدرية ، حيث أثبتوا أن العالم بأسره جواهره وأعراضه و ما فيه من خير و شر و طاعة و معصية خلقه الله و دبره ، وأن الله مقدر كل ذلك وصانعه ولا شيء من ذلك بخارج عن قدرته وإرادته وعلمه و تقديره وسواء في ذلك ما يضاف إلى العباد و ما لايضاف إليهم ، وأن أفعال الإنسان مضافة إليه عن طريق الكسب ، وأثبتوا للإنسان استطاعته على الفعل ، وقالوا كما قالت الأشاعرة بأن هذه الاستطاعة تحدث مع الفعل لا قبله وأنها موجهة للفعل بعينه ، و من ثم قالوا إن الله خالق لأفعال الإنسان مكتسب لها ، و بسبب هذا الاكتساب تقع مسؤولية الإنسان عن أفعاله . انظر : الموجز في تحصيل السؤال (2/190) و متن النونية للنفوسي ( ص 12 ) و غاية المراد للسالمي ( ص 9 ) والحجة في بيان المحجة للعيزابي ( ص 23 ) و الأباضية بين الفرق لعلي يحيى معمر ( ص 248 ) . أما مسألة الإيمان ، فقد ذهب الأباضية إلى أن الإيمان قول وعمل واعتقاد ، وبالقول تعصم الدماء والأموال وبالعمل يصح الإيمان العملي ، و بالاعتقاد يتحقق الإيمان الصادق ، و هو الذي يقول عنه الأباضية أنه لا يزيد و لا ينقص بل إذا انهدم بعضه انهدم كله .. أما الإيمان العملي هو الذي يزيد و ينقص .. انظر : أصدق المناهج ( ص 33 ) و مسند الربيع (3/5 6 ) . إن المتأمل في عقائد الأباضية في مسألة الإيمان يجد أن فيها شيئاً من الاضطراب و ذلك أنهم : يقولون بأن الإيمان والإسلام وردا في الشرع على جهة الاختلاف والتداخل معاً . انظر : قناطر الخيرات (1/337 ) و منهج الطالبين (1/ 566 ) . وعلى ذلك هم يوافقون أهل السنة في أن الإيمان قول وعمل فهم في هذه المسألة يكونون أقرب إلى السنة من أكثر المرجئة : الأشاعرة والماتريدية و نحوهم القائلين بأن العمل غير داخل في مسمى الإيمان . انظر : منهج الطالبين (1/567) . أما مسألة زيادة الإيمان و نقصانه فهم فريقان ، فريق يقول : إن الإيمان يزيد و ينقص ، وهم بهذا يوافقون أهل السنة في الجملة ، لكنهم عندما يفصلون قد يخالفون أهل السنة في بعض المسائل مثل مسألة درجات الإيمان . انظر : جوهر النظام (1/14 ) و مهج الطالبين (1/569 ) و قناطر الخيرات (1/337 ) . و قول بعضهم : إن الإيمان العلمي فقط هو الذي يزيد و ينقص ، أما الاعتقادي فإنه يزيد و لا ينقص إنما ينهدم ، و هذا تناقض بيّن . انظر : أصدق المناهج (ص 33 ) و مشارق أنوار العقول ( ص 334) مع تعليق الخليلي . أما الفريق الثاني فيقول : إن الإيمان الشرعي لا يزيد ولا ينقص ، وهم بهذا يوافقون المرجئة وأكثر أهل الكلام من الأشاعرة والماتريدية والجهمية . انظر : بهجة أنوار العقول (1/150 ) وأصدق المناهج ( ص 33 ) . وذهب الأباضية في الشفاعة مذهباً قريباً من مذهب المعتزلة و سائر الخوارج ، وقالوا أن الشفاعة لا تكون لمن مات مصراً على الكبيرة غير تائب منها ، واستشهدوا ببعض الأحاديث عن جابر بن زيد كما في مسند الربيع (4/22 ) .فالشفاعة إذن تكون لمن مات على صغيرة أو مات وقد ارتكب ذنباً نسي أن يتوب منه ، أو لزيادة درجته في الجنة والثواب ، وتشريعاً للمسلمين في المنازل أو لتخفيف شدة الموقف على المؤمنين وإراحتهم منه إلى الجنة . انظر : مسند الربيع (4/22- 23 ) و جامع أبي الحسن البسيوي (1/111-112 ) و مختصر تاريخ الأباضية ( ص 66 ) و شرح النونية (302 ) . فالأباضية هنا خالفوا معتقد أهل السنة في أن الشفاعة تكون أيضاً لأصحاب الكبائر من أمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن يدخلون النار بأن يخرجوا منها كما هو ثابت في الصحيح . و في مسألة الإمامة فإن الأباضية لا يرون القرشية في الإمامة شرطاً كما يقول صاحب أصدق المناهج ( ص 8 ) ، لأن ذلك يخالف المعقول ولم يجعل الله النبوة في قوم خاصين ، فكيف يجعل الإمامة كذلك ، مع أن القرآن لا يدل على ذلك ، بل يدل على أن أكرمكم عند الله أتقاكم .. و لم يثبت الأنصار القرشية في الإمامة وهم من أعلم علماء الصحابة لو أثبتوها لما طالبوا في الإمامة ، ولرد عليهم المهاجرون بها .
قلت : بل الصحيح أن المهاجرين احتجوا بهذا الحديث في سقيفة بني ساعدة وأن الأنصار قبلوا احتجاجهم واستجابوا له . وقد خالف الأباضية أهل السنة في مسألة الإمامة والخروج على الأئمة ، وفارقوا جماعة المسلمين كغيرهم من الخوارج في أمور كثيرة ، بل إن هذه القضية تعد من الأصول الكبرى التي فارقوا فيها أهل السنة على النحو التالي :-
- يقدحون في إمامة عثمان وعلي رضي الله عنهما ، بل و يطعنون في شخصيتهما . انظر : مختصر تاريخ الأباضية (ص 16 17 ) ومنهج الطالبين (1/617 ) . - يؤيدون خروج أسلافهم الخوارج ( المحكمة ) الأولى وأهل النهروان الذين خرجوا على الصحابة وقاتلوهم . انظر : أصدق المناهج ( ص 25 ) و العقود الفضية ( ص 45 ، 46 ) و مختصر تاريخ الأباضية ( ص 17 ، 67 ) و في غيرها من كتب الأباضية .
- يرون أن الإمام إذا ارتكب كبيرة حل دمه وجاز الخروج عليه . انظر : شرح النيل ( ص 14 ، 342 ) و الأباضية بين الفرق الإسلامية ( ص 289-313 ) .
- يرون أن الخروج على الأئمة لرفع الظلم و رد العدوان وإزالة الحاكم الظالم المفسد أمر مشروع وواجب . انظر : العقود الفضية (ص 135 ) . ومعسكر السلطان إذا لم تتوفر فيه شروطهم كأن يكون السلطان فاسقاً أو ظالماً أو عاصياً أو مرتكباً لكبيرة فإن معسكره معسكر بغي يجوز الخروج عليه وتغييره لإقامة الدين . انظر : الأباضية بين الفرق (ص 297 ) .
- يرون أن من كان منهم أهلاً للإمامة وطلبوا منه أن يتولى ولم يقبل أو امتنع فإنه يحل دمه و يقتل . انظر : الموجز (2/235) .
- لا يقرون لأئمة المسلمين - من سواهم - بإمامة شرعية ، عدا أبا بكر وعمر و عمر بن عبد العزيز و لا يقبلون بولاية بني أمية و بني العباس وسائر ولاة أمر المسلمين طيلة القرون . انظر : أصدق المناهج (ص 29 ) .
أما بالنسبة لموقفهم من الصحابة ، فإنهم يقولون أن الصحابة كغيرهم في الأعمال لا في درجة الصحبة والمنزلة الأخروية ، فالعاصي منهم كغيره من بعدهم . انظر : العقود الفضية ( ص 288 289 ) . و لهم في عدالة الصحابة ثلاثة أقوال :-
القول الأول : الصحابة كلهم عدول إلا من فسقه القرآن كالوليد بن عقبة و ثعلبة بن حاطب .
القول الثاني : الصحابة كلهم عدول وروايتهم كلها مقبولة إلا في الأحاديث المتعلقة بالفتن ممن خاض في الفتنة .
القول الثالث : الصحابة كغيرهم من الناس ، من اشتهر بالعدالة فكذلك ، و من لم يعرف حاله ، بحث عنه . انظر : الإباضية مذهب إسلامي معتدل ( ص 31 ) . ومذهب أهل السنة والجماعة في الصحابة أن حبهم إيمان و دين و بغضهم كفر ونفاق و شقاق ، والترضي عنهم جميعاً والكف عما شجر بينهم ، واعتقاد عدالتهم لأنهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و نقلة الدين عنه ، لكن الأباضية وقعت في بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كما فعلت سائر الخوارج ، و كما فعلت الرافضة ، إلا أنهم أقل غلواً في ذلك . فالأباضية تطعن في عدد من أجلاء الصحابة كعثمان و علي و عمرو بن العاص ومعاوية وطلحة والزبير رضي الله عنهم ، وأصحاب الجمل ، ولا يترضون عن جميع الصحابة ، فيقولون : نترضى عنهم إلا من أحدث و يعدون جملة من خيار الصحابة على أنهم أحدثوا ، و بهذا يوافقون الرافضة والمعتزلة ، و هذا مسألة كبيرة تعد من الفوارق الرئيسية بينهم و بين أهل السنة ، كما تعد من الأصول الكبرى التي أخرجتهم عن منهج السلف و جعلتهم في عداد الفرق والأهواء . انظر : الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام لناصر العقل (ص 98 ) .
وهناك مسائل أخرى خالفت فيها الأباضية أهل السنة ، مثل :-
- تأويلهم للميزان والصراط وتعسفهم في رد النصوص الثابتة في أن الصراط والميزان حسيان وأن لهما صفات ، و هم بهذا يوافقون المعتزلة والجهمية . انظر : مشارق أنوار العقول (ص 282-286 ) ومنهج الطالبين (1/499 ) .
- المبالغة في النظرة إلى العصاة من المسلمين و الموقف منهم ، حيث يوجبون البراءة من العاصي و بغضه و شتمه ، ويرون أن من اقترف كبيرة أو أصر على صغيرة من عصاة المسلمين وجب البراءة منه ، سواء ظهر منه ذلك أو اعترف أنه ملتبس به ، أو شهد عليه بذلك من تقبل شهادته . انظر : منهج الطالبين (2/11- 25 ) و بهجة أنوار العقول (1/157 ) . و هذه النظرة مازالت حتى عند المتأخرين منهم . انظر : مختصر تاريخ الأباضية ( ص 65 66 ) و الحق الدامغ ( ص 202 227 ) .
- مسألة أصح الكتب بعد القرآن الكريم ، حيث تشذ بعض الطوائف من الأباضية عما أجمع عليه أهل السنة من أن أصح الكتب بعد كتاب الله صحيح البخاري و مسلم ، فهم يرون أن مسند الربيع بن حبيب أصح كتاب بعد القرآن . انظر : مقدمة مسند الربيع ( ص 3 ) والأباضية بين الفرق (ص 134 ) .
- مسألة حديث الآحاد وحجيته ، حيث أنهم خالفوا أهل السنة بحجية حديث الآحاد في الأحكام والعقائد ، فهم يرون أن أحاديث الآحاد لايحتج بها في العقائد ، موافقة للمتكلمين من الجهمية والمعتزلة والأشاعرة وغيرهم . انظر : دراسة عن الفرق في تاريخ المسلمين ( ص 100 ) و الحق الدامغ ( ص 197 ) .
وهناك أمور و مسائل أخرى يمكن للقارئ الكريم أن يرجع إليها في كتاب : الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام للدكتور ناصر العقل (ص 104 108 ) ، حيث أجاد في طرح الموضوع وأفاد فجزاه الله خيراً .
يتبع ....... غدا...... بعنوان
الأباضية في التاريخ المعاصر .. موقفها من أهل السنة ، وموقف أهل السنة منها ، و الحكم عليها ..
توني ادري من هالموضوع انهم من الخوارج حسبالي من مذاهب الروافض
وأنكر الأباضية ما فهمه السلف من استواء الله تعالى على العرش ، و فسروا قول الله تعالى
{الرحمن على العرش استوى } بأن المراد بالاستواء استواء أمره وقدرته و لطفه فوق خلقه و بريته
.....
ونفى الأباضية أيضاً رؤية الله تعالى في الدنيا والآخرة ، وقالوا كما قالت المعتزلة و الجهمية والرافضة ،
بأن إثبات الرؤية يستلزم الجهة والحصر والتحيز والمكان !!
الأباضية في التاريخ المعاصر .. موقفها من أهل السنة ، وموقف أهل السنة منها ، و الحكم عليها .. إن أعداء هذا المنهج الصحيح منهج أهل السنة و الجماعة من أباضية و جهمية و قدرية و أشاعرة وصوفية و رافضة و زيدية وغيرهم .. يسعون بشتى الطرق والوسائل للنيل من هذا المنهج والطعن فيه ..
فلحسدهم و بغيهم ثم عجزهم عن الوقوف في وجه هذا المنهج الرباني .. أظهر الكثير منهم المودة والمحبة لأهل السنة .. لا محبة لهم وإنما للكيد لهم عن طريق إدخال الشبه و الشكوك على ضعاف العقول من المنتسبين لأهل السنة ..
و ممن تلقف هذه الطريقة و سار بها بين الناس الأباضية في عُمان ، و بالأخص في عصرنا الحاضر .. ولم يكن في النية الحديث عن هذا المبحث أو الدخول في تفاصيله ، لكن لما رأيت أن مفتي السلطنة ( أحمد بن حمد الخليلي ) هداه الله .. قد بدأ في بث أفكار الخوارج و باقي الفرق المنحرفة و جد في المدافعة عنها والانتصار لها .. ولما رأيت قول بعض الكتّاب المعاصرين أن الكلام في هذه الأمور و بالأخص الرد على من يطعن و يحرف صفات الله ويتحدث فيها و بالأخص القول بخلق القرآن نبش لما تحت التراب ، وأن هذه المسائل العقدية تأريخية عفى عليها الزمن ، كما جاء في كتاب : أولوية الحركة الإسلامية ، تحت عنوان : إهالة التراب على المشكلات التأريخية ( ص 92 ) لمؤلفه القرضاوي هداه الله .. صممت على طرح هذا المبحث والدخول في تفاصيله ليكون القارئ على بينة .. لأن الحديث في هذه المسائل ليس كما زعم قد عفى عليها الزمن ، بل إن الخليلي هذا وأمثاله كثيرون يعيشون على وجه الأرض وليسوا تحت التراب ...
وحيث أن الخليلي والأباضية قد ورثوا الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والرافضة وغيهرم كما أثبتناه في الحلقة الماضية .. وكما صرح بذلك في كتابه الحق الدامغ ( ص 32 ) من أنه يشارك الإباضية في هذه الأفكار الجهمية والمعتزلة والزيدية والإمامية من الشعية .
فهذا تصريح بإحياء تلك الأفكار التي وقف أهل السنة جميعاً في وجه معتنقيها ، و بينوا أصولها وأهداف من أسسها ودعى إلهيا وأدخلها على ضعاف المسلمين علماً وإيماناً ، فتفرقت بذلك كلمتهم و تشتت شملهم حتى أصبحت تلك الطوائف التي اعتنقت تلك الأفكار باسم الإسلام يكفر بعضهم بعضاً أو يبدعه أو يفسقه .
و لكن بحمد الله بقيت الطائفة المنصورة ، على ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، عقيدة وعبادة ومنهجاً . فردت على تلك الطوائف المنحرفة انحرافها ، وبينت للأمة السبيل الصحيح والصراط المستقيم بما جاء في كتاب الله العزيز و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين .
واليوم نجد هذه الأفكار التي فرقت كلمة الأمة تُبعث من جديد ، و يحمل لواءها مفتي السلطنة الخليلي الأباضي و من كان على شاكلته .. فللخليلي هذا كتب وأشرطة ، ولمن سلك مسلكه تنشر بين الشباب ، و فيها تكفير صريح لأتباع منهج السلف من علماء أجلاء وقفوا حياتهم للدفاع عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبيان العقيدة الصحيحة السليمة المأخوذة من كتاب الله و سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم .
كما و يشارك في نشر هذه الأفكار المنحرفة ، من طعن في عقيدة علماء السلف وأتباعهم ، شخص يدعى حسن بن علي السقاف أخزاه الله ، الذي صار يسود أوراقه بترهات وأباطيل ينشرها ليستر بها الحق الأبلج ، و لينصر آراء الكوثري ومن صار على منهجه قبله و بعده .
و لكن الكوثري قد فاق أسلافه ، فهو يكفر ويبدع و يسب و يشتم بالألفاظ التي يترفع عن نقلها السوقة ، والمسلم لا يكون بذيئاً ولا سباباً ولا فاحشاً ولا متفحشاً و لكن من نظر في تعليقه على السيف الصقيل للسبكي كما سمى ذلك التعليق بـ ( تبديد الظلام المخيم على نونية ابن القيم ) يجد فيه تلك البذاءات التي لا نستطيع ذكرها هنا .
وقد نقل الخليلي عن الكوثري من كتابه هذا وغيره ما يريد التوصل به إلى تكفير ابن القيم رحمه الله ، و لكن الخليلي قد حمل لواء هذه الحملة على مذهب السلف ، و حكم على عصاة المسلمين كلهم بالخلود في النار .
فأباضية عصرنا هذا وعلى رأسهم الخليلي قد انتصر لعدد من القضايا المهمة والخطيرة والتي يهدف من خلالها إلى تكفير أهل السنة والجماعة بأسلوب مخادع ، و قد خص بالذكر منهم الإمام ابن القيم رحمه الله ، كما عرض بابن تيمية و قبلهما بالإمام أحمد رحمهم الله جميعاً وإن لم ينص على تكفيرهما . فهو أي الخليلي يقول عن الإباضية طائفته : ولست أبالغ إن قلت إن الإباضية أهل الحق والاستقامة تمتاز عقيدتهم و تتسم طريقتهم في فهم أصول الدين بثلاثة أمور :-
1 سلامة المنزع ، فإنهم جمعوا بين صحيح النقل و صريح العقل ، فلم يضربوا بالنصوص الصحيحة عرض الحائط كما صنع أصحاب المدرسة العقلية الذين جعلوا عقلهم أقدس وأسمى مما جاء به النبيون .
2 عدم التعصب لأئمتهم تعصباً يجعلهم يتصامّون عن النقول الصحيحة ، كما نجد ذلك عند كثير من المتفقهة والمتكلمين .
3 المرونة والتسامح في معاملة فرق الأمة .. إذ لم يتجرؤا على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة مادام يدين بالشهادتين ولا ينكر شيئاً مما علم من الدين بالضرورة . انظر : الحق الدامغ ( ص 7 ) .
هكذا يقول مع حكمه على الفساق بالخلود في النار ثم قال مؤكداً قوله هذا : ومن هذا المنطلق صدر ذلك الإعلان المنصف الذي رسم مبدأ الإباضية و نظرتهم إلى الأمة من أشهر قائد إباضي وهو أبو حمزة المختار بن عوف السلمي في خطبته التي ألقاها على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأصاخ لها الدهر و سجلها الزمن وخلدها التأريخ إذ قال فيها : ( الناس منّا ونحن منهم إلا ثلاثة ، مشرك بالله عابد وثن ، أو كافر من أهل الكتاب ، أو إمام جائر ) . وقد مشى الأباضية في هذا المنهج السليم والتزموا هذا المبدأ القويم .. الخ . انظر الحق الدامغ ( ص 10 ) . و هذه المقولة التي استدل بها الخليلي موجودة في كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (2/104 ) !! فبئست المقولة التي ساوت بين الإمام الجائر ولو كان مسلماً ، وبين المشرك عابد الوثن والكافر من أهل الكتاب ، و بئس المرجع الذي استدل به على إثبات صحة الخطبة .
إن ما دعى إليه الخليلي وهو جمع كلمة الأمة على الحق والهدى وهو ما جاء في كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، و هو مطلب أهل الحق من الأمة ، و هو الذي تسعى إلى تحقيقه الطائفة الناجية المنصورة أهل السنة والجماعة التي سلكت مسلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم في العقيدة والعبادة والمعاملات والسلوك بالقول والفعل .
أما الخليلي فإنه يدعو لجمع الكلمة بالقول فقط ، ثم ينقض تلك الدعوى بفعله كما حكم على عصاة المسلين بالخلود في النار ، يعتقد ذلك و يقرره و يدعو إليه ويقول : إن هذا هو مذهب أهل الحق والاستقامة الأباضية الذين - كما يدعي يأخذون بالنصوص من كتاب الله و الثابت من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا يقدمون عقولهم كما يفعل أصحاب المدرسة العقلية كما سبق نقل ذلك . فهل هذا أي الخليلي يدعو لجمع كلمة الأمة أو يدعو لفرقتها و تشتيتها ، و هل يوجد في الأمة معصوم من الخطأ غير الرسل و الأنبياء ؟!!
و لهذا نقول له : أين التسامح الذي امتازت به طائفته الأباضية كما جاء في دعواه ؟! وأين هو من قوله : إن مما امتازت به عقيدة الأباضية و هو التسامح في معاملة سائر فرق الأمة إذ لم يتجرؤا على إخراج أحد من الملة وقطع صلته بهذه الأمة مادام يدين بالشهادتين .. الخ .
فنقول : وأي قطع لصلة الأمة أكثر من الحكم على من يدين بالشهادتين بالخلود في النار ، لأنه ارتكب بعض المعاصي ، مخالفين بقولكم هذا القرآن والسنة ؟! و لكن ماذا يقول الخليلي وهو يدعي أن الأباضية وهم أهل الحق والاستقامة كما يقول قد مشوا على قاعدة التسامح في حكمهم على طوائف الأمة التي زاغت عن الحق و جانبت الحقيقة في معتقدها ، قال : ( ولذا فلم يحكموا بشرك المشبهة و خروجهم من الملة ) . الحق الدامغ ( ص 11 ) .
قلت : وهل تعلم أخي القارئ من هم المشبهة عند الخليلي ؟ إنه يقصد بالمشبهة أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا لله عز وجل ما أثبته لنفسه من صفات الجلال والكمال في كتابه العزيز ، وما أثبته رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته الصحيحة من غير تحريف ولا تعطيل ولا تشبيه و لا تكييف ولا تمثيل ، بل على أساس قوله تعلى { ليس كمثله شيء و هو السميع البصير } .
والخليلي هذا يحكم على أئمة المسلمين بالخروج من الإسلام وبالأخص الإمام ابن القيم رحمه الله ، و يشيد بما قاله الكوثري ، كما قال في كتابه الحق الدامغ : وناهيك بما في ( السيف الصقيل في الرد على ابن زفيل ) للعلامة السبكي الشافعي . قلت : وهل تعلم من يقصد بابن زفيل ، إنه يقصد ابن القيم رحمه الله !! كما وأن الخليلي يشيد بعدد من الكتب التي ترد على أهل السنة ، ثم يقول بعد أن سرد عدد من الكتب : وأمثالها من الحكم بإخراج هؤلاء المشبهة عن حظيرة الإسلام .
إن الأباضية اليوم يمثلون المسلك الرابع من مسالك الدين التي يعتقدها الأباضية ، فالمسلك الأول : هو مسلك الظهور ، وهي المرحلة التي يكون فيها الحكم شرعياً بمقتضى شروطهم .. والمسلك الثاني : مسلك الدفاع ، و هو إعلان الخروج على الأئمة الظلمة والطغاة وعلى الأمة التي ترضى بالفسق والعصيان ، يقودهم في هذا الخروج إمام الدفاع و يمثله في التاريخ عبد الله بن وهب الراسبي من رؤوس الخوارج . والمسلك الثالث : مسلك الشراء ، و يعنون به أن الأمة إذا لم تقم بالمسلك الأول والثاني انبرت طائفة لا تقل عن أربعين يضحون بأنفسهم ويعلنون الخروج والثورة على الظلم تشجيعاً للأمة على الثورة . أما المسلك الرابع الذي يمثله الأباضية اليوم هو مسلك الكتمان ، و يعني الانعزال وتضييق نطاق التعامل مع الآخرين إلا للضرورة وتربية المجتمع الأباضي و تحصينه بتقاليدهم وأحكامهم الأباضية كما هو حال غالبيهم اليوم في الجزائر وغيرها ، تحت ما يسمى بنظام العزابة . انظر : مقدمة التوحيد (ص 70 93 ) والأباضية في موكب التاريخ ( ص 93 96 ) .
كما وأن الأباضية لا يقيمون الجمعة في مرحلة الكتمان لأنهم يشترطون لها وجود الإمام لذلك كان فريق مهم يتركون الجمعة إلى وقت قريب ، رغم أنها لا تزال بحمد الله تقام في جميع بلاد المسلمين و هي من شعائر الدين الظاهرة إلى يوم القيامة ، و هم بهذا يخالفون أهل السنة والأشاعرة ، و يوافقون الرافضة و بعض الفرق الباطنية . والذين يرون إقامة الجمعة منهم يحصرونها بالأمصار السبعة ( مكة والمدينة وعُمان واليمن والكوفة والبصرة ومصر ) على خلاف بينهم في التفصيل . انظر : جوهر النظام (1/88 ، 90 ) و كتاب الدعائم ( ص 51 ) .
و الأباضية أيضاً يرون بالتقية مشابهة للرافضة مع الفارق في التفاصيل بينهما ، وذلك لأنهم أقلية بين المسلمين ، و لما تميزت به عقائدهم وأحكامهم من شدة وعنف ، لجأت إلى القول بالتقية عند الحاجة . انظر : مشارق أنوار العقول (1/45 55 ) و بهجة أنوار العقول ( ص 238 249 ) .
والتقية التي عند الأباضية ليست تقية نفاق كما عند الرافضة ، فالأباضية تعتز بالدين على أي حال ، ولا تكتم شعائر الإسلام الظاهرة ، وإنما تكتم أحكامهما القاسية تجاه الآخرين المخالفين .
أما في مسألة الوقوف فإن الإباضية يكفون عن الحكم بالولاية والبراءة في حق مجهول الحال الذي لم يعرف عنه حق أو باطل ولم يظهر منه ما يوجب الولاية ولا البراءة . و يعدون هذا الوقوف فريضة . انظر : قواعد الإسلام (1/93 94 ) و بهجة أنوار العقول (1/170 ) .
و هذه المسألة من غرائبهم التي افرزتها فيما نظن روح التنكر والانطوائية عن عموم المسلمين ، خاصة في مرحلة ما يسمونه بالكتمان ، حينما لا تقوم لهم دولة ، كما أن هذه الصفة جعلتهم فرقة خارج دائرة جماعة المسلمين . راجع للأهمية كتاب الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام لناصر العقل ( ص 104- 107 ) وكتاب الرد القويم البالغ على الكتاب المسمى بالحق الدامغ لعلي ناصر فقيهي ( ص 14 19 ) .
هذا بالنسبة لموقف الأباضية من أهل السنة ، لكن ما هو موقف أهل السنة من هؤلاء الأباضية ؟
موقف أهل السنة من الأباضية و الحكم على هذه الفرقة ..
إن الأباضية حالياً تمثل الخوارج في عامة الأصول لأن الفرق الأخرى من الخوارج قد انقرضت ، وأما تمثيل الأباضية للخوارج في هذا العصر فهو للحيثيات التالية :-
1 - أن عقيدتهم امتداد لعقيدة الخوارج في العموم ، و قد زادوا عليها أخذهم بأصول المعتزلة والجهمية وأهل الكلام .
2 إجماع كتب الملل والنحل والفرق قديماً و حديثاً على أن آراءهم أي الأباضية تمثل آراء الخوارج .
3 أن فقههم يمثل فقه الخوارج .
4 أن شِعرهم وأدبهم يمثل شهر الخوارج وأدبهم .
5 أن تاريخهم يمثل تاريخ الخوارج المتأخرين ، و هو جزء من تاريخ الخوارج الأقدمين .
6 أن مواقفهم تمثل مواقف الخوارج من الأئمة و خلفاء الأمة و سلاطينها وأمرائها ومن جماعة المسلمين .
7 أن دولهم وإماراتهم التي قامت عبر التاريخ سواء في المشرق أو المغرب ، كانت تعد من دول الخراج .
ومع ذلك فإني لا أستبعد أن تكون نظرة بعض الأباضية المعاصرين المتحريين من التعصب المذهبي قد طرأ عليها شيء من الانفتاح والمرونة ، و حسن الظن والاستعداد للتفاهم وتعديل الأحكام والمواقف ، وهذا يحمد لهم و يبشر بخير ، و يحسن منا أهل السنة أن ننتهز هذه الفرصة ونفتح معهم باب الحوار الهادئ الجاد البعيد عن التعصب و الطعن ، مع قبول الحق ، لعل الله يهديهم سواء السبيل .
ومما يدل على ما قلت أي أنه قد طرأ على بعض أفكار الأباضية بعض التغيير ما يراه وينزع إليه كثير من معاصري الأباضية الذين عايشوا الناس خارج بيئاتهم الخاصة ، بعيداً عن التعصب ، مثل علي يحيى معمر و ذويه ، والباروني وسالم بن حمود السيابي ..
ومما يدل على أن الأباضية المتأخرين وبعض المعاصرين أبدوا تراجعات وتفسيرات مهمة في سبيل تقاربهم مع أهل السنة وأظهروا استعداداً جيداً للوفاق والرجوع إلى أصول السنة ، و ذلك يتضح من خلال محاولاتهم الجادة لتبرير مواقف وعقائد أسلافهم والاعتذار عن تلك المواقف والعقائد المحرجة ، و من خلال محاولتهم إقناع الناس بأن الأباضية ليست فرقة خارجة .
وأرى أن هذا المسلك يَنم عن استعداد جيد للموضوعية والخضوع للحق ، ومن أبرز أصحاب هذا الاتجاه من الأباضية علي يحيى معمر (ت 1400 هـ ) ، و على أهل السنة أن يبادلوهم الشعور والاستعداد للحوار والتحاكم إلى كتاب الله و سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ومنهج سلفنا الصالح ، دون تقديم أي تنازلات في جزئية بسيطة من جزئيات عقيدة أهل السنة لأن منهجنا أبلج وما سواه من مناهج لجلج . وإن سلمت هذه المحاولة من قبل الأباضية الراغبين في الحوار الجاد من النكوص فسيكون لعملهم هذا الأثر المحمود إن شاء الله .
وبناء على ما سبق فإني أقترح إقامة قنوات بيننا و بينهم للحوار والمناقشة والتحاكم إلى النصوص كما أمر الله ، والتناصح بين الأباضية وبين أهل السنة ، و ذلك من خلال الندوات والمؤتمرات ومجالس المناظرة ، والمكاتبات الهادئة بعيداً عن العصبية والتهجم والسب ، التزاماً بأدب ديننا الحنيف .
وأرى أن حسن العلاقة والجوار القائم بينهم وبين أهل السنة يعد فرصة للجميع للتفاهم والتعاون والحوار الجاد الهادئ المثمر تحت إشراف هيئة أو نحوها ، وأن يتولى ذلك أهل العلم والحلم من الفريقين ، بشروط تضمن سلامة جو التفاهم من انحراف مسار الحوار ، و تضمن عدم دخول العصبية والنكوص عن الحق ، وأفضل جو علمي لإجراء مثل هذا هو الجامعات وكبار العلماء منا و منهم ، والمبادر إلى فعل هذا سابق للخيرات بإذن الله . انظر هذه التوصيات في كتاب : الخوارج أول الفرق في تاريخ الإسلام ( ص 111-114 ) للدكتور : ناصر العقل . والله أعلم . أما بخصوص الحكم على الأباضية .. قلت : الحكم هنا سيكون على الخوارج عامة لأنه قد ثبت أن الأباضية فرقة من فرق الخوارج .. ومن ثم سيكون الحكم عاماً ثم نفصل القول فيه ..
عامل علي رضي الله عنه الخوارج بعد معركة النهروان ، معاملة البغاة ، فلم يكفرهم و منع جنده من تعقب فاريهم و الإجهاز على جريحهم ولم يسبهم ، ولم يقسم جميع أموالهم و لم يحل شيء منها باتفاق الأئمة . سنن البيهقي (8/182-183) بسند صحيح و مصنف عبد الرزاق (10/122-123) .
و قد ثبت إسلامهم من قول علي رضي الله عنه فيما أخرجه أبن أبي شيبة بإسناد رجاله ثقاة عن طارق بن شهاب قال : كنت عند علي فسُئل عن أهل النهر أهم مشركون ؟ قال : من الشرك فروا ، قيل فمنافقون هم ؟ قال : إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، قيل له : فمن هم ؟ قال : قوم بغوا علينا فقاتلناهم . و في رواية قوم بغوا علينا فنُصرنا عليهم و في رواية : قوم أصابتهم فتنة فعموا فيها و صموا . مصنف عبد الرزاق (10/150) و مصنف ابن أبي شيبة (15/332) بسند صحيح و البيهقي في السنن الكبرى (8/174) . فعلى هذا لا يجوز أخذ شيء من أموالهم .
و يشهد له ما أخرجه ابن أبي شيبة أيضاً عن عرفجة بن عبد الواحد عن أبيه قال : جيء علي بما في عسكر
أهل النهر قال : من عرف شيئاً فليأخذه ، قال : فأخذت إلا قدر ، قال : ثم رأيتها بعد قد أخذت . المصنف (15/332) و رجاله ثقات غير عرفجة فقد قال فيه ابن حجر مقبول ، انظر التقريب (ص 389) و ذكره ابن حبان و أبيه في الثقات (7/297) . وقد استدل البيهقي في السنن (8/182-183) بهذا على عدم الاستمتاع بأموالهم .
و هكذا صرح أي علي بن أبي طالب رضي الله عنه - بأنهم ليسوا كفاراً و لا منافقين ، و نصح الأمة في التعامل معهم بقوله : إن خالفوا إماماً عادلاً فقاتلوهم ، و إن خالفوا إماماً جائراً فلا تقاتلوهم فإن لهم مقالاً . منهاج السنة لابن تيمية (5/243-244) و مصنف ابن أبي شيبة (15/320) . لكن هناك من أهل العلم من يقول بتكفيرهم ، حيث نظر الذين كفروا الخوارج أو كفروا بعضهم إلى ما أحدثوه من عقائد وأحكام مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة .
واستدلوا على هذا الرأي بعدد من الأحاديث و القياسات :-
1 حديث علي رضي الله عنه ، و فيه ( وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( سيخرج قوم في آخر الزمان ، حدثاء الأسنان سفهاء الأحلام يقولون من قول خير البرية ، لا يجاوز إيمانهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ) .
2 - حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( يخرج في هذه الأمة ولم يقل : منها قوم تحقرون صلاتكم مع صلاتهم يقرؤون القرآن لا يجاوز حلوقهم أو : حناجرهم يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية ، فينظر الرامي إلى سهمه ، إلى نصله ، إلى رصافه ؛ فيتمادى في الفوقة هل علق بها من الدم شيء ) .
3 حديث عبد الله بن عمر ، و ذكر الحرورية فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ) .
4 حديث أبي سعيد قال : بينا النبي صلى الله عليه وسلم يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل يا رسول الله ، فقال : ( و يلك من يعدل إذا لم أعدل ؟! ) فقال عمر بن الخطاب : دعني أضرب عنقه ، قال : ( دعه فإن له أصحاباً يحقر أحدكم صلاته مع صلاته ، و صيامه مع صيامه ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ، ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نصله فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في رصافه فلا يوجد فيه شيء ، ثم ينظر في نضيه فلا يوجد فيه شيء ، قد سبق الفرث والدم ، آيتهم رجل إحدى يديه ) أو قال : ( ثدييه مثل ثدي المرأة ) أو قال : ( مثل البضعة تدردر ، يخرجون على حين فرقة من الناس ) . قال أبو سعيد : أشهد سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم ، وأشهد أن علياً قتلهم و أنا معه جيء بالرجل على النعت الذي نعته صلى الله عليه وسلم ، قال : فنزلت فيه : { ومنهم من يلمزك في الصدقات } .
5 حدثنا يسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحرورية شيئاً ؟ قال : سمعته يقول وأهوى بيده قبل العراق : ( يخرج منه قوم يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية ) .
و قالوا : بأن معنى قوله : ( يمرقون من الإسلام ) تصريح بكفرهم ، و لأنهم حكموا على من خالف معتقداتهم بالكفر والتخليد في النار ، و لأنهم كفروا الصحابة .
و قد أورد ابن حجر في الفتح (12/286 ، 299 - 301) عدة روايات عن الصحابة تصف الخوارج بأنهم شرار الخلق والخليقة ، وأنهم أبغض خلق الله ، وأنه يقتلهم خير الخلق و الخليقة ، و هي روايات كثيرة ، ثم أورد أسماء طائفة من العلماء الذين كفروهم ، كالبخاري و ابن العربي والسبكي والقرطبي .
و قال أيضاً في الفتح (12/301) : فعلى القول بتكفيرهم ، يقاتلون و يقتلون ، و تسبى أموالهم ، و هو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج ، و على القول بعدم تكفيرهم يُسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ، و نصبوا الحرب .
و هذا يدل على أنه أي ابن حجر - غير جازم بالحكم فيهم ، وإن كان يرى ترك تكفيرهم أسلم ، لقوله : وباب التكفير باب خطر ، ولا نعدل بالسلامة شيئاً . الفتح (12/301) .
و يروي ابن الجوزي كثيراً من مذامهم ، ثم أورد حديثاً بسند ينتهي إلى عبد الله بن أبي أوفى قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( الخوارج كلاب أهل النار ) تلبيس إبليس (ص 96) و الحديث صحيح .
وقال الملطي في التنبيه والرد (ص 172) : جاء رجل إلى طاوس من أهل الجند ، فقال : يا أبا عبد الرحمن عليّ غزوة في سبيل الله ، فقال : عندك هؤلاء يقصد الخوارج - ، فاحمل على هؤلاء الخبثاء ، فإن ذلك يؤدي عنك . و هذا يشير إلى تكفيرهم .
و لقد بالغ الملطي فادعى إجماع الأمة على تكفير الخوارج ، فقال مخاطباً لهم : وأنتم بإجماع الأمة مارقون خارجون من دين الله ، لا خلاف بين الأمة في ذلك . المصدر السابق (ص 54) .
و قد أنكر عليه الطالبي في آراء الخوارج (ص 21) دعوى الإجماع هذه بأنه من الصعب أن يثبت زعمه الإجماع على إكفار الخوارج .
و ممن كفرهم أيضاً أبو المظفر الإسفراييني فيما ذكره عنه الطالبي أيضاً في آراء الخوارج (ص 23) .
و هذا هو رأي الزيدية جميعاً فيما ينقله الطالبي عن الشيخ المفيد بقوله : و يصرح الشيخ المفيد بأن الزيدية قاطبة مجمعة على أن الخارجين على الإمام علي بن أبي طالب كفار بسبب خروجهم عليه ، وأنهم مخلدون في النار . آراء الخوارج (ص 23) .
يصفهم الشهرستاني في الملل والنحل (1/115) بقوله : فهم المارقة الذين قال فيهم يعني الرسول صلى الله عليه وسلم - : ( سيخرج من ضئضئي هذا الرجل قوم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية ) .
و ممن كفرهم أيضاً : الدبسي في رسالته .. و ساق عدداً من الأدلة على كفرهم . راجع : فرق الشيعة والخوارج و تكفير غلاتهم (ص 2 ، 13 ، 26 ) .
و قد كفر البغدادي فرقة الأزارقة و هي فرقة من الخوارج - كما في الفرق بين الفرق ( ص 84) .
و ممن يرى عدم تكفيرهم جماعة من العلماء ، فهم يرون بأن الاجتراء على إخراج أحد من الإسلام أمر غير هين ، نظراً لما ورد من نصوص تحذر من مثل هذا الحكم أشد التحذير ، إلا لمن عرف من الكفر بقول أو فعل ، فلا مانع حينئذ من تكفيره إذا لم يكن له تأويل فيما ذهب إليه ، و لهذا أحجم كثير من العلماء عن إطلاق هذا الحكم .
يقول القاضي عياض : كادت هذه المسألة أي مسألة تكفير الخوارج تكون أشد إشكالاً عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فاعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين . قال : و قد توقف قبله القاضي أبوبكر الباقلاني ، و قال : ولم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالاً تؤدي إلى الكفر . فتح الباري (12/300) .
وأهل هذا الرأي ، وإن كانوا قد تورعوا عن تكفيرهم على العموم ، إلا أنهم مختلفون في حقيقة أمرهم ، فمنهم من يرى أنهم وإن كانوا غير خارجين عن الإسلام لكنهم فسقة ؛ لأنهم قد شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، ثم طبقوا بالفعل أركان الإسلام ، و هذا يمنع من تكفيرهم أو إلحاقهم بمن لا يقر بذلك ، و تفسيقهم إنما كان لما عرف عنهم من تكفيرهم المسلمين و استباحة دمائهم وأموالهم . و هذا الرأي هو لأكثر أهل الأصول من أهل السنة فيما يرويه ابن حجر في الفتح (12/300) .
و ممن تورع عن تكفيرهم : الخطابي و ابن بطال . راجع فتح الباري (12/301) . و أيضاً الإمام الشاطبي في كتابه الاعتصام (2/186) . و أيضاً الإمام الشافعي كما ذكر ذلك صاحب كتاب آراء الخوارج (ص 21 ) . و شيخ الإسلام ابن تيمية في منهاج السنة (3/60-62) .
الواقع أن الحكم بتكفير الخوارج على الإطلاق فيه غلو ، وأن الحكم بالتسوية بينهم و بين غيرهم من فرق المسلمين فيه تساهل ، يغالي من يكفرهم جميعاً ؛ لأنهم لم يعلنوا الكفر ، بل هم كما هو معروف عنهم أهل عبادة و تهجد و صوم ، ثم إنهم لم يعاملوا من الإمام علي والصحابة معاملة الكفار أو المرتدين ، و ما انحرفوا فيه عن الحق من آراء و مواقف وأحكام إنما كان بناء عن تأويل تأولوا عليه الآيات والأحاديث ، ومع أنه تأويل فاسد إلا أنهم لم يتعمدوا به الكفر ، و لم يسعوا به إلى هدم الإسلام ، بل طلبوا الحق _ كما قال علي رضي الله عنه فأخطؤه اللهم إلا من أنكر منهم ما هو معلوم من الدين بالضرورة ، حيث أنه وإن تشكك بعض العلماء في كفر الخوارج عموماً ؛ فإنه لا يشك في كفر بعض الفرق منهم ؛ فالبدعية من الخوارج قصروا الصلاة على ركعة في الصباح و ركعة في المساء ، والميمونية أجازت نكاح بعض المحارم التي علم تحريمها من الدين ، ثم زادت فأنكرت سورة يوسف أنها من القرآن ، وآخرون منهم قالوا : يحد الزاني والسارق ثم يستتابون من الكفر ، فإن تابوا وإلا قتلوا ، ولا شك أن هذا كفر صريح ، لا يحتمل أي تأويل ولا يقل عنهم في الكفر فرقة اليزيدية ، فإن هذه الفرقة تزعم بأن الله سيبعث رسولاً من العجم و ينزل عليه كتاباً من السماء . راجع : الفصل في الملل (2/114) و الفرق بين الفرق (ص 280-281) و رسالة الدبسي ( ص 29) .
و قد مر بنا ما قاله العلماء في الحكم عليهم ، و هو كما رأينا لم يكن حكماً قاطعاً من جانب واحد بل إنهم اختلفوا فيه اختلافاً بيناً متعارضاً ، و ما ذاك إلا لخطورة أمر التكفير من جهة و غموض أمرهم من جهة أخرى ، حيث جمعوا بين المتناقضات في سلوكهم مع الله و مع خلقه .
و في ما يظهر لي أن لا يعمم الحكم على جميع الخوارج ، بل يقال في الحق كل فرقة بما تستحقه من الحكم ، حسب قربها أو بعدها عن الدين ، و حسب ما يظهر من اعتقاداتها و آرائها ، أما الحكم عليهم جميعاً بحكم واحد مدحاً أو ذماً ، فإنه يكون حكماً غير دقيق ؛ لأن الخوارج كما مر بنا لم يكونوا على رأي واحد في الاعتقاد . و على هذا يقول ابن حزم في الفصل (2/112) : وأقرب فرق الخوارج إلى أهل السنة أصحاب عبد الله بن يزيد الأباضي الفزاري الكوفي ، وأبعدهم الأزارقة .
أو يقال : إن من انطبقت عليه تلك الصفات التي وردت في الأحاديث بذمهم كان حكمه أنه مارق عن الدين ، و في حكم الكفار ، وأما من لم تنطبق عليه تلك الصفات ، و ذلك باحتمال أن يكون الشخص دخل في مذهبهم بقصد حسن من إعلاء كلمة الله في الأرض ، أو من إيقاف حكام الجور عند حدهم ، أو يكون الشخص مخدوعاً بهم ، أو له أي تأويل كان ، فإن هذا لا ينبغي التسرع في تكفيره ، خصوصاً و هو يدعي الالتزام بجميع شرائع الإسلام .
أما تكفيرهم بسبب خروجهم عن طاعة الحكام ، سواء كان ذلك الخروج بحق أو بغير حق ، فهذا لا يخلوا منه زمان أو مكان ، فإن كان الخروج بحق ، كأن يغير الحاكم الحكم بما أنزل الله و يستبدل به قانوناً من وضع البشر ، أو كان من محض هواه ؛ فهذا لا يقال في حق الخارج عليه أي لوم ، وأما إن كان الخروج بغير حق بل كان لمجرد أغراض ، وارتكب في ذلك الخروج ما يوجب تكفير صاحبه ، فهذا هو الذي يقال فيه إنه عاص و خارج بغير حق ، و يجب على الأمة حينئذ إرجاعه إلى الحق والوقوف في وجهه . راجع حول هذا الموضوع كتاب : الخوارج تاريخهم و آراؤهم الاعتقادية و موقف الإسلام منها ، للدكتور غالب علي عواجي ( ص 527- 545) .
الخاتمة ..
انتهينا بحمد الله من هذه السلسلة ، والتي أسأل الله أن تكون خالصة لوجهه الكريم ، وقد عرفنا من خلال ذلك أن الانحراف عن الإسلام و عن المذهب الصحيح بدأ منذ وقت مبكر في تاريخ أمتنا الإسلامية .
وقبل أن أودعكم إلى حلقات أخرى و فرقة أخرى من هذه السلسلة .. أقف معكم على خلاصة ما سبق طرحه من هذه الحلقات .. وما خرجنا به من هذا البحث المتواضع ..
أولاً : أن الخوارج هم الذين خرجوا على الإمام علي رضي الله عنه في وقعة صفين بعد قضية التحكيم .
ثانياً : أن ألأباضية فرقة من فرق الخوارج الكبرى بإجماع الباحثين غير بعض الأباضية وأن العلماء الأباضية قديماً و حديثاً ملزمون علمياً ومنهجياً بالاعتراف بهذه الحقيقة من خلال التزاماتهم العقدية والتاريخية بما يقتضي ذلك ، من خلال مقارنتهم بأهل السنة والجماعة .
ثالثاً : أن الأباضية أقل غلواً وشططاً من الخوارج الآخرين كالمحكمة والحرورية والأزارقة والصفرية ونحوهم وأكثر استعداداً للحوار والمجادلة بالتي هي أحسن من سائر الخوارج .
رابعاً : أن أبرز الأمور العقدية التي خالف فيها الأباضية أهل السنة و الجماعة هي :-
1 تأويلهم صفات الله ، حيث أنهم وافقوا المتكلمة من جهة التأويل ، والمعطلة والمعتزلة من جهة قولهم إن صافت الله عين ذاته .
2 قول كثير منهم بخلق القرآن ، و هو قول المعتزلة والجهمية .
3 إنكار كثير منهم الرؤية الثابتة بتواتر النصوص والإجماع ، وهو أيضاً قول الجهمية والمعتزلة و الرافضة .
4 تكفيرهم لمرتكبي الكبائر وقولهم بتخليدهم في النار وهو قول المعتزلة وسائر الخوارج .
5 إنكارهم الشفاعة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم لأهل الكبائر من أمته ، وهو ثابت بالنصوص الصحيحة وأجمع عليها السلف ، وهو قول المعتزلة وسائر الخوارج .
6 طعنهم في بعض الصحابة ممن أجمعت الأمة على الترضي عنهم وممن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالجنة ، و هذا يوافق مسلك الرافضة والمعتزلة .
7 اعتمادهم مسند الربيع بن حبيب على أنه أصح كتب السنة مع طعنهم في أحاديث من الصحاح كالبخاري و مسلم وغيرهما .
8 تجويزهم الخروج على الأئمة و جماعة المسلمين بالمعاصي والفسق والظلم ، وهو مذهب المعتزلة و سائر الخوارج .
9 ولاؤهم للخوارج الأولين الذين كفورا الصحابة وقاتلوهم وخرجوا على علي رضي الله عنه ، كالمحكمة والحرورية أهل النهروان ، و هو مذهب جميع فرق الخوارج .
10 قولهم بمسالك الدين من الظهور والدفاع والبراءة والكتمان ( التقية ) .
11 قولهم بالوقوف تجاه مجهول الحال من المسلمين وغيرهم ، فلا يوالى ولا يعادى حتى يتبين أمره .
12 عدم اعتدادهم بالمذاهب الفقهية السنية الإسلامية الأربعة وغيرهما بل لهم فقههم ومناهجهم في الاستدلال والأصول .
13 عدم اعتدادهم بولاية عثمان وعلي رضي الله عنهما و خلفاء بني أمية وبني العباس وسواهم من ولاة المسلمين طيلة التاريخ الإسلامي ، الذين قالوا بإمامتهم أهل السنة والجماعة ، تخصيصهم إمامة المسلمين وإمارة المؤمنين بأئمتهم هم ، وهذا يشبه مواقف الرافضة وسائر الخوارج من الأئمة والخلفاء وجماعة المسلمين . خامساً : إن الأباضية اليوم تمثل الخوارج في عامة الأصول ، لأن الفرق الأخرى من الخوارج قد انقرضت ، و تمثيل الأباضية للخوارج في هذا العصر يظهر في تشابههم من ناحية العقيدة و الآراء و الفقه والشِعر و التاريخ المشترك ، و مواقفهم من ولاة الأمر .
سادساً : انتهينا إلى رفض أقوال المكفرين للخوارج مطلقاً ، و كذلك أقوال المكتفين بتفسيقهم أو تبديعهم مطلقاً ، و رأينا أنهم جميعاً لا يشملهم حكم واحد ، بل يختلفون في ذلك باختلاف فرقهم ومدى قرب آرائهم أو بعدها عن الدين .
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن ينفع بهذا البحث من اجتالته الشياطين عن الطريق الصحيح ، و يهدي الحيارى من دياجير بدعة الخروج و يعيدهم إلى الطريق المستقيم .
و على كل حال فهي محاولة مبتدئة مني تحتاج إلى تشجيع و نقد هادف بنّاء ، يوجهها نحو الأفضل مستقبلاً إن شاء الله ، فإن أصبت فمن الله وحده ، و له الشكر على ذلك ، و إن تكن الأخرى فمن نفسي و شيطاني ، و حسبي أن للمجتهد أجراً إذا أخطأ ، فأرجو أن لا يفوتني الأجر في كلتا الحالتين بإذنه تعالى ، ولست بمستغنٍ عن أي ملاحظة تسد نقصاً هو من طبيعة عمل البشر.
أصلح الله أحوال المسلمين ووقاهم الشرور و الفتن ، و أسأله أن يجعل عملي خالصاً لوجهه الكريم ، اللهم لا تعذب لساناً يخبر عنك ، ولا عيناً تنظر إلى علوم تدل عليك ، ولا قدماً تمشي إلى خدمة دينك ، ولا يداً تكتب في سبيلك . اللهم آمين .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
كنتم مع بوخالد الحجاجي
مشرف القسم
نرجو أن تستفيديو من الموضوع