• مرحبا ٬ في حال تعتذر تسجيل الدخول ، يرجى عمل استرجاع كلمه المرور هنا

قصة لفارس

  • بادئ الموضوع فارس
  • تاريخ البدء
  • الردود: الردود 41
  • المشاهدات: المشاهدات 7K

فارس

Ω وما توفيقي إلا بالله Ω
التسجيل
10 نوفمبر 2008
رقم العضوية
9781
المشاركات
2,399
مستوى التفاعل
1,838
الجنس
الإقامة
الإمارات

تراكمت الردود ، وثقل الدّين ، وعسُر مكافأة الفضل بالمثل
فاعذروا أخاكم

أشكر كل مَن مر مِن هنا وترك شذاه يفوح في صفحتي المتواضعة ، ولكلٍ منكم تقييم خاص
 

الشمس

๑ . . حبوب البرزة . . ๑
التسجيل
11 مايو 2008
رقم العضوية
8979
المشاركات
134
مستوى التفاعل
17
الجنس
قطعة أدبية مرصعة بالدر والجوهر

كبير يا فارس
 

ToOtA~

๑ . . عضو ذهبي . . ๑
التسجيل
6 سبتمبر 2009
رقم العضوية
10925
المشاركات
3,385
مستوى التفاعل
771
الجنس
حلوه القثه يا مطوعناااااا
تثلم





وبث
 

ReaL DaY

๑ . . عضو مؤسس . . ๑
التسجيل
1 مارس 2005
رقم العضوية
3177
المشاركات
14,017
مستوى التفاعل
1,551
الجنس
الإقامة
كوكب قحط

تراكمت الردود ، وثقل الدّين ، وعسُر مكافأة الفضل بالمثل
فاعذروا أخاكم

أشكر كل مَن مر مِن هنا وترك شذاه يفوح في صفحتي المتواضعة ، ولكلٍ منكم تقييم خاص

ما منرد عليك عسبه ما يثجل عليك الدين :^^:
 

Volcano Lark

๑ . . زائر . . ๑
التسجيل
8 أغسطس 2010
رقم العضوية
12565
المشاركات
987
مستوى التفاعل
214
العمر
80
الجنس
الإقامة
جزيرة لأرك دار المعزه
أم أحمد قروية شيخة ، تعدّ الستين من عمرها في سرها ، ولكنها كسائر النساء لا تجاوز الثلاثين منه في جهرها .
تمرست بالشدائد فازدادت مِرّة ، وتصرفت في الأمور فاكتسبت خبرة ، واضطربت في المعاش على الزمن القُلّب فتعلمت بالتجربة
وتفلسفت بالسليقة ، فكلامها حِكم ، وحديثها أمثال ، ورأيها حُجة ، ومن أجل ذلك تميزت شخصيتها بين أترابها ، فأصبحت كالعرافة
في العهد القديم ، تستخيرها كل امرأة ، وتشتشيرها كل أسرة ، وهي إلى ذلك طويلة الأنف تدسه في كل منزل .
شرفاء الأذن ترهفها إلى كل مجلس ، فلا يقع في قريتها حادث إلا كان عندها منه علم .

رأيتها صباح يوم جالسةً في حقلها هي وزوجها ، فأغراني هدوء المكان ، ودِفء الجو ، وما سمعته من حال العجوز على أن أذهب إليها .
فحيّيتها وزوجَها ، ثم جلستُ إزاءهما على أعواد الذرة اليابسة ، وسألتها : كيف حالك يا أم أحمد ؟
فأجابت العجوز بلهجة تنم عن الرضا والغِبطة :
حالي خير حال والحمد لله ، العجين مخبوز ، والماء في الكوز ، فماذا أبغي فوق ذلك ؟ فقلت لها مستفزاً : وهل يقنع ابن آدم ؟
تبغين الأرض المملوكة ، والدار المشيدة ، والثوب الحرير ، والمركب الفاره ، واللحم في كل وجبة !

فعرفت ما في نفسي ، وقالت وهي ضاحكة : هبني يا بني أصبحت غنية ، عندي الآلاف من الحقول ، والمئات من العجول ، والقناطير من الذهب
والصناديق من الحُلي ، والدواليب من الثياب ، فهل أنال من كل ذلك غير ملء الجوف وستر الجسد . إن الحلاوة التي تجدها في قالب السكر
الصغير ، هي بعينها الحلاوة التي تجدها في قمع السكر الكبير ، وإن اللذة التي تذوقها في رطل اللحم الذي تشتريه
هي نفس اللذة التي يتذوقها الغني في الخروف الذي يذبحه ، وإن الدار الضيقة التي أضطرب فيها أنا وعيالي
تجمع من متاع النفس والجسم ما تجمعه الدار الواسعة التي يهرول فيها الغني وأهله ، فالمسألة مسألة قلة وكثرة
لا مسألة نعيم وبؤس ، وما دام القليل يكفيك من الكثير ، والصغير يغنيك عن الكبير فإن فضول العيش شُغل وهَمّ وفتنة
تستطرد أم أحمد قائلةً : نشأت كما تنشأ القرويات الفقيرات على التلول وبين الحقول .
آكل الجشب من الطعام وأستمرئه ، وأشرب الكدر من الماء وأستسيغه ، وألبس الخشن وأستلينه ، وأفترش المدر وأستوطئه ، وأعالج الصعب وأستسهله . رُزقت صحةً كصحة الظبية الشادن لم تجنح يوماً لراحة ولم تحتج أبداً إلى دواء ، ونفساً راضية تقنع بميسور العيش وتخضع لمكتوب القضاء ، فأنا أشارك أمي في عمل البيت ، وأعاون أبي في حرث الحقل . وفي الفترات القصيرة القليلة بين عمل وعمل ، يجدونني في الحارات أمرح أو في القنوات أصيد .

أذكر أني كنت ذات يوم جالسة على حافة الجدول المنساب أتغدى أنا وأختي الصغيرة على خوان من النجيل ، فرأيت ابنة الثري مالك الأرض وسيد الناس مقبلةً يقدمها كلبها الذئبي الضخم ، ويتبعها خادمها النوبي النحيل ، وفي يدها أداة صيد تطويها على قصبتها وتنشرها ، وابنة الثري صبيةٌ لم تجاوز العاشرة ، فهي في مثل سِنّي ، تقيم طول عامها في المدرسة بالمدينة ، فلا تُلمّ بالقرية إلا أياماً في أوائل الخريف .
أقبلت حتى وقفت بإزائي وحَيّت ، ثم ألقت أداة الصيد في الماء وجعلت تنظر إليها وتنظر إلي ، فدعوتُها إلى الطعام على عادتنا ، فشكرتْ واعتذرت ، ثم قالت وهي تبتسم : أتأكلين الحشيش ؟
فقلت لها : ليس هذا حشيشاً ، وإنما هو بقلة من أحرار البقول ، وأنا آكله ليخفف من ملوحة الجبن ويكسر من حرارة البصل . فقالت وهي تمطّ شفتيها الرقيقتين : ولكن اللحم خير منه !
فقلت لها : نعم ، اللحم خير منه ؛ ولكن موسمه لم يحن بعد .
فنظرت إلي نظرة المتعجب وقالت : موسمه ! وهل للحم موسم ؟
فأجبتها : نعم ، إن للحم مواسم ثلاثة لا نأكله إلا فيها : أول رمضان ، والعيد الصغير ، والعيد الكبير .
فقالت : وماذا تأكلون بقية العام ؟
فقلت : نأكل الحبوب والبقول واللبن الرائب والجبن وشيئاً من الدجاج . فبدت على قسماتها الجميلة مخايل الاندهاش ، وهمّت أن تقول شيئاً لولا أن رأت غماز سنارة الصيد يغطس ويعوم فشُغلت به ، وجذبت السنارة من الماء ، فإذا بها قد علقت سمكة بحجم كفها الصغيرة ، فاستطارها الفرح وهزها النجاح ، وأخرجت الكُلاّب من فم السمكة المضطربة وناولتها الخادم .
وأرادت أن تطعمه فلم تجد طُعماً ، فسألتني من أين يأتون بالثعابين الصغيرة التي تقدم إلى السمك بالسنارة ؟
فقلت لها وقد فهمت أنها تريد تلك الديدان الطويلة الحمر التي تعيش في الطين : أنا آتيك ببعضها ، ثم حفرتُ بجانب القناة وأخرجت لها من بطن الحفرة قطعة من الطين وأريتها كيف يجول في أحضانها الدود ، فابتهجت لذلك ابتهاجاً شديداً . ومن ذلك اليوم وصلني بها سبب من الأنس والعطف ، فكانت كلما زارت القرية افتقدتني ، فيرسلني إليها أهلي فخورين مسرورين ، فألقاها في حديقة القصر ، أو في باحة البستان ، فنعدوا على مخضوضر النبات ، أو نرتجح على فروع الشجر ، أو نصطاد على حواف الماء ، أو نستلقي على ظهور الحمر ، أو نتهادى على مماشي الحقول ، وقدرتي في كل ذلك فوق قدرتها ، وكلمتي أعلى من كلمتها . فانا أسرعها في العدو ، وأمهرها في اللعب ، وأكثرها في الصيد . أحملها على ظهري في اجتياز المواحل ، وآخذ بيدها في تخطي الحُفر ، وهي ترى ذلك كله فتعجب وتقول : كيف تستطيعين ما لا استطيع وأنتِ لا تطعمين اللحم ، ولاتأكلين الفاكهة ، ولا تذوقين شيئاً من الكعك ؟
فأقول لها : إن الله يعطينا القوة لأنه خلقنا للعمل ، ويعطيكم الثروة لأنه خلقكم للإنفاق !

* * *

وترعرعت سيدتي الثرية وشبّت ، فانقطعتْ عن حياة المدرسة واتصلت بحياة القرية ، فكنتُ عندها في منزلة الصديقة أقضي معها آخر النهار في حديقتها ، أو أول الليل في غرفتها ، أُطرفها بأخبار القرية ، وأُطربها بأناشيد الريف ، وأنا أراها كل يوم تفتر وتضعف وتذوي ، وهي تراني كل ليلة أنشط وأقوى وأشتَد ، فتعجب ، وتزداد حيرتها ، وتحاول أن تعرف الأسباب التي جعلتني قوية على الفاقة والحرمان ، وجعلتها ضعيفة على الغنى والرفاهية . فمن هذه المحاولات أنها طلبت مني أن آتيها خُفية بوجبة من الخبز والجبن والبقول ، وجئتُ بما طلبت . وكانت تنتظرني وحدها في الحديقة . فلما وضعتُ بين يديها ما حملْت ، نظرتْ إليه نظرة الهائب ، وأقبلت إليه إقبال المضطر ، واقتطعت من الرغيف لقمةً وغمستها في اللبن الرائب ووضعتها في فمها .
فلم تكد تذوقها حتى احمر وجهها ، واتسعت أحداقها ، كما تفعل الفتاة الساذجة إذا أكرهها الطبيب على جرعة من الدواء المر . ثم تحاملت على نفسها من الطعام بضع لقيمات ، ثم تقززت منه وقالت في اشمئزاز وتكرّه :
كيف تعيشون على هذا وإن مذاقه لأليم ، وطعمه غير مستساغ ؟
فقلت لها : يا سيدتي ، لقد أتيتكِ بطعامي ولم آتكِ بشهيتي ، ولو أتيتكِ بشهيتي لاحتجتِ أيضاً إلى معدتي !

واعتلت صحة الآنسة من سأم الراحة ومعاناة الترف ، فقلّبها أهلُها بين المصايف والمشاتي ، ونقلوها بين الجبال والأبحر ، وعرضوها على الطب حتى تَورّد وجهُها ونضر عودها ، وثاب إليها جسمها ، ثم زوجوها من أحد الأغنياء القارونيين فلم تجد عنده أكثر مما وجدت عند أبيها . نعم ، وجدت لذتين لم تجدهما من قبل : متعة الزوج وفرحة الولد ؛ ولكنهما لذتان شائعتان بين الإنسان والحيوان ، تجدهما كل زوجة تحب وكل والدة تلد .
وها هي ذي قد بلغت الغاية في الثراء الضخم والجاه العريض . أبوها غني ، وأخوها موسر ، وابنها من أهل الثراء ، وكل أولئك لم يعصمها من السكر والروماتزم والسِّمَن والترهل والأرق ، فلا تأكل إلا أقل الطعام ، ولا تنام إلا أيسر النوم ، ولا تتحرك إلا أقل الحركة ، وها أنا ذا لا أنفك على الحال التي كنتُ عليها : أبي فقير ، وزوجي ضرير ، وابني أجير ، ومع ذلك لا أزال شابةً على رغم السنين ، قويةً على رغم العمل ، صحيحةً على رغم النّصب ، سعيدةً على رغم الفقر ، أُدير أسرتي ككل سيدة ، وأُصيب لذتي ككل حُرة ، وأرضى قسمتي ككل مسلمة . وما أظن أن سيدتي الثرية تكره أن أكون في ثروتها وأن تكون هي في صحتي ، أليس كذلك يا ولدي ؟

فقلتُ لها وأنا معجبٌ بمنطقها وبيانها : بلى كذلك يا أم أحمد ! وإن لله في ذلك حكمة ، إن صحة الفقراء تعويضٌ من ثروة الأغنياء ، وإن السعادة من عند الله ، يمنحها من يشاء ويمنعها من يشاء
 

Volcano Lark

๑ . . زائر . . ๑
التسجيل
8 أغسطس 2010
رقم العضوية
12565
المشاركات
987
مستوى التفاعل
214
العمر
80
الجنس
الإقامة
جزيرة لأرك دار المعزه
أم أحمد قروية شيخة ، تعدّ الستين من عمرها في سرها ، ولكنها كسائر النساء لا تجاوز الثلاثين منه في جهرها .
تمرست بالشدائد فازدادت مِرّة ، وتصرفت في الأمور فاكتسبت خبرة ، واضطربت في المعاش على الزمن القُلّب فتعلمت بالتجربة
وتفلسفت بالسليقة ، فكلامها حِكم ، وحديثها أمثال ، ورأيها حُجة ، ومن أجل ذلك تميزت شخصيتها بين أترابها ، فأصبحت كالعرافة
في العهد القديم ، تستخيرها كل امرأة ، وتشتشيرها كل أسرة ، وهي إلى ذلك طويلة الأنف تدسه في كل منزل .
شرفاء الأذن ترهفها إلى كل مجلس ، فلا يقع في قريتها حادث إلا كان عندها منه علم .

رأيتها صباح يوم جالسةً في حقلها هي وزوجها ، فأغراني هدوء المكان ، ودِفء الجو ، وما سمعته من حال العجوز على أن أذهب إليها .
فحيّيتها وزوجَها ، ثم جلستُ إزاءهما على أعواد الذرة اليابسة ، وسألتها : كيف حالك يا أم أحمد ؟
فأجابت العجوز بلهجة تنم عن الرضا والغِبطة :
حالي خير حال والحمد لله ، العجين مخبوز ، والماء في الكوز ، فماذا أبغي فوق ذلك ؟ فقلت لها مستفزاً : وهل يقنع ابن آدم ؟
تبغين الأرض المملوكة ، والدار المشيدة ، والثوب الحرير ، والمركب الفاره ، واللحم في كل وجبة !

فعرفت ما في نفسي ، وقالت وهي ضاحكة : هبني يا بني أصبحت غنية ، عندي الآلاف من الحقول ، والمئات من العجول ، والقناطير من الذهب
والصناديق من الحُلي ، والدواليب من الثياب ، فهل أنال من كل ذلك غير ملء الجوف وستر الجسد . إن الحلاوة التي تجدها في قالب السكر
الصغير ، هي بعينها الحلاوة التي تجدها في قمع السكر الكبير ، وإن اللذة التي تذوقها في رطل اللحم الذي تشتريه
هي نفس اللذة التي يتذوقها الغني في الخروف الذي يذبحه ، وإن الدار الضيقة التي أضطرب فيها أنا وعيالي
تجمع من متاع النفس والجسم ما تجمعه الدار الواسعة التي يهرول فيها الغني وأهله ، فالمسألة مسألة قلة وكثرة
لا مسألة نعيم وبؤس ، وما دام القليل يكفيك من الكثير ، والصغير يغنيك عن الكبير فإن فضول العيش شُغل وهَمّ وفتنة
تستطرد أم أحمد قائلةً : نشأت كما تنشأ القرويات الفقيرات على التلول وبين الحقول .
آكل الجشب من الطعام وأستمرئه ، وأشرب الكدر من الماء وأستسيغه ، وألبس الخشن وأستلينه ، وأفترش المدر وأستوطئه ، وأعالج الصعب وأستسهله . رُزقت صحةً كصحة الظبية الشادن لم تجنح يوماً لراحة ولم تحتج أبداً إلى دواء ، ونفساً راضية تقنع بميسور العيش وتخضع لمكتوب القضاء ، فأنا أشارك أمي في عمل البيت ، وأعاون أبي في حرث الحقل . وفي الفترات القصيرة القليلة بين عمل وعمل ، يجدونني في الحارات أمرح أو في القنوات أصيد .

أذكر أني كنت ذات يوم جالسة على حافة الجدول المنساب أتغدى أنا وأختي الصغيرة على خوان من النجيل ، فرأيت ابنة الثري مالك الأرض وسيد الناس مقبلةً يقدمها كلبها الذئبي الضخم ، ويتبعها خادمها النوبي النحيل ، وفي يدها أداة صيد تطويها على قصبتها وتنشرها ، وابنة الثري صبيةٌ لم تجاوز العاشرة ، فهي في مثل سِنّي ، تقيم طول عامها في المدرسة بالمدينة ، فلا تُلمّ بالقرية إلا أياماً في أوائل الخريف .
أقبلت حتى وقفت بإزائي وحَيّت ، ثم ألقت أداة الصيد في الماء وجعلت تنظر إليها وتنظر إلي ، فدعوتُها إلى الطعام على عادتنا ، فشكرتْ واعتذرت ، ثم قالت وهي تبتسم : أتأكلين الحشيش ؟
فقلت لها : ليس هذا حشيشاً ، وإنما هو بقلة من أحرار البقول ، وأنا آكله ليخفف من ملوحة الجبن ويكسر من حرارة البصل . فقالت وهي تمطّ شفتيها الرقيقتين : ولكن اللحم خير منه !
فقلت لها : نعم ، اللحم خير منه ؛ ولكن موسمه لم يحن بعد .
فنظرت إلي نظرة المتعجب وقالت : موسمه ! وهل للحم موسم ؟
فأجبتها : نعم ، إن للحم مواسم ثلاثة لا نأكله إلا فيها : أول رمضان ، والعيد الصغير ، والعيد الكبير .
فقالت : وماذا تأكلون بقية العام ؟
فقلت : نأكل الحبوب والبقول واللبن الرائب والجبن وشيئاً من الدجاج . فبدت على قسماتها الجميلة مخايل الاندهاش ، وهمّت أن تقول شيئاً لولا أن رأت غماز سنارة الصيد يغطس ويعوم فشُغلت به ، وجذبت السنارة من الماء ، فإذا بها قد علقت سمكة بحجم كفها الصغيرة ، فاستطارها الفرح وهزها النجاح ، وأخرجت الكُلاّب من فم السمكة المضطربة وناولتها الخادم .
وأرادت أن تطعمه فلم تجد طُعماً ، فسألتني من أين يأتون بالثعابين الصغيرة التي تقدم إلى السمك بالسنارة ؟
فقلت لها وقد فهمت أنها تريد تلك الديدان الطويلة الحمر التي تعيش في الطين : أنا آتيك ببعضها ، ثم حفرتُ بجانب القناة وأخرجت لها من بطن الحفرة قطعة من الطين وأريتها كيف يجول في أحضانها الدود ، فابتهجت لذلك ابتهاجاً شديداً . ومن ذلك اليوم وصلني بها سبب من الأنس والعطف ، فكانت كلما زارت القرية افتقدتني ، فيرسلني إليها أهلي فخورين مسرورين ، فألقاها في حديقة القصر ، أو في باحة البستان ، فنعدوا على مخضوضر النبات ، أو نرتجح على فروع الشجر ، أو نصطاد على حواف الماء ، أو نستلقي على ظهور الحمر ، أو نتهادى على مماشي الحقول ، وقدرتي في كل ذلك فوق قدرتها ، وكلمتي أعلى من كلمتها . فانا أسرعها في العدو ، وأمهرها في اللعب ، وأكثرها في الصيد . أحملها على ظهري في اجتياز المواحل ، وآخذ بيدها في تخطي الحُفر ، وهي ترى ذلك كله فتعجب وتقول : كيف تستطيعين ما لا استطيع وأنتِ لا تطعمين اللحم ، ولاتأكلين الفاكهة ، ولا تذوقين شيئاً من الكعك ؟
فأقول لها : إن الله يعطينا القوة لأنه خلقنا للعمل ، ويعطيكم الثروة لأنه خلقكم للإنفاق !

* * *

وترعرعت سيدتي الثرية وشبّت ، فانقطعتْ عن حياة المدرسة واتصلت بحياة القرية ، فكنتُ عندها في منزلة الصديقة أقضي معها آخر النهار في حديقتها ، أو أول الليل في غرفتها ، أُطرفها بأخبار القرية ، وأُطربها بأناشيد الريف ، وأنا أراها كل يوم تفتر وتضعف وتذوي ، وهي تراني كل ليلة أنشط وأقوى وأشتَد ، فتعجب ، وتزداد حيرتها ، وتحاول أن تعرف الأسباب التي جعلتني قوية على الفاقة والحرمان ، وجعلتها ضعيفة على الغنى والرفاهية . فمن هذه المحاولات أنها طلبت مني أن آتيها خُفية بوجبة من الخبز والجبن والبقول ، وجئتُ بما طلبت . وكانت تنتظرني وحدها في الحديقة . فلما وضعتُ بين يديها ما حملْت ، نظرتْ إليه نظرة الهائب ، وأقبلت إليه إقبال المضطر ، واقتطعت من الرغيف لقمةً وغمستها في اللبن الرائب ووضعتها في فمها .
فلم تكد تذوقها حتى احمر وجهها ، واتسعت أحداقها ، كما تفعل الفتاة الساذجة إذا أكرهها الطبيب على جرعة من الدواء المر . ثم تحاملت على نفسها من الطعام بضع لقيمات ، ثم تقززت منه وقالت في اشمئزاز وتكرّه :
كيف تعيشون على هذا وإن مذاقه لأليم ، وطعمه غير مستساغ ؟
فقلت لها : يا سيدتي ، لقد أتيتكِ بطعامي ولم آتكِ بشهيتي ، ولو أتيتكِ بشهيتي لاحتجتِ أيضاً إلى معدتي !

واعتلت صحة الآنسة من سأم الراحة ومعاناة الترف ، فقلّبها أهلُها بين المصايف والمشاتي ، ونقلوها بين الجبال والأبحر ، وعرضوها على الطب حتى تَورّد وجهُها ونضر عودها ، وثاب إليها جسمها ، ثم زوجوها من أحد الأغنياء القارونيين فلم تجد عنده أكثر مما وجدت عند أبيها . نعم ، وجدت لذتين لم تجدهما من قبل : متعة الزوج وفرحة الولد ؛ ولكنهما لذتان شائعتان بين الإنسان والحيوان ، تجدهما كل زوجة تحب وكل والدة تلد .
وها هي ذي قد بلغت الغاية في الثراء الضخم والجاه العريض . أبوها غني ، وأخوها موسر ، وابنها من أهل الثراء ، وكل أولئك لم يعصمها من السكر والروماتزم والسِّمَن والترهل والأرق ، فلا تأكل إلا أقل الطعام ، ولا تنام إلا أيسر النوم ، ولا تتحرك إلا أقل الحركة ، وها أنا ذا لا أنفك على الحال التي كنتُ عليها : أبي فقير ، وزوجي ضرير ، وابني أجير ، ومع ذلك لا أزال شابةً على رغم السنين ، قويةً على رغم العمل ، صحيحةً على رغم النّصب ، سعيدةً على رغم الفقر ، أُدير أسرتي ككل سيدة ، وأُصيب لذتي ككل حُرة ، وأرضى قسمتي ككل مسلمة . وما أظن أن سيدتي الثرية تكره أن أكون في ثروتها وأن تكون هي في صحتي ، أليس كذلك يا ولدي ؟

فقلتُ لها وأنا معجبٌ بمنطقها وبيانها : بلى كذلك يا أم أحمد ! وإن لله في ذلك حكمة ، إن صحة الفقراء تعويضٌ من ثروة الأغنياء ، وإن السعادة من عند الله ، يمنحها من يشاء ويمنعها من يشاء

الــسلأم عليكم ورحمة الله وبركـاته

مرحب الاستاذ فـارس وحيك ترحيب
وأسمح لي جمعت بالجزئين لأن القصه جميله جدأّ
وفيها من الحكم والعبر والواحد يتمنى يكون غني بس بصحته وعافيته
والفقير يتمنى يكون غني وبعد بصحته وعافيته
والاهم الصحه فالصحه تـاج عـلى رؤوس الاصـحاء
وأشكركـ على جهدكـ الكبـير والقصه متعوب عليه وفيها من البالغه الكبيره والاتقان الجميل
في السرد والـرد والمحـاكه وحتى أنني شكيت بأني أقرأ قصه في كتاب ليله وألف ليله
وأستمر الشيخ على هذا النمط لعل لك مستقبل باهر في الرويات وتأليف القصص الواقيعه والخياليه
وعقبال ماتقدم أعمالك للسينما والتلفزيون ونتمنى أن تكون القصص دروس وعـبر للمترفين بالحياة
تحياتي وهذا مافاض من قـلمـي لأعبر عن شعـوري اتجاه قلمك وروايتـكـ الجمليه

بـركـان لأركـ
 

الجليس

๑ . . عضو مشارك . . ๑
التسجيل
15 أبريل 2008
رقم العضوية
8777
المشاركات
167
مستوى التفاعل
3
الجنس
الإقامة
الإمارات
فارس

قصة ترقى بذوق المطلع . لا تحرم محبيك من هذه اللآلئ
 

بحر جده

๑ . . عضو نشيط . . ๑
التسجيل
24 أكتوبر 2010
رقم العضوية
12796
المشاركات
261
مستوى التفاعل
62
الجنس
الإقامة
ديـرة بـو مـتـعـب
الموقع الالكتروني
اصبحنا بزمن يُفتقر لقناعة ..,
مثل قناعة ام أحمد..
رائع جداً بساطة التفكير وتسهيل الأمور.

ولو تأملنا أمورنا بنفس النظره لقلة مشاكلنا وهمومنا.!
:

دكتور فارس.،
بارك الله فيك وجُزيت خيراً

يحفظك ربي.,
اختك.،بحر جده
 

أحلام

๑ . .شخصية هامة . . ๑
التسجيل
10 يناير 2008
رقم العضوية
8333
المشاركات
3,928
مستوى التفاعل
449
الجنس
[align=center]السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أستاذي الموقر فارس

تجولت في بساتين مواضيعك لأروح من عبيره قبل أن يسرقني الوقت فجذبني العنوان قبل أن يأسرني ما يحتويه

ولم أندم بعد أن أمضيت الدقائق أتذوق جميل المعاني

أعجبتني القصة وما احتوته من معاني لامست حاجاتنا [/align]
 

غادة الرياض

๑ . . مشرفة برزة أخبار العالم والمواضيع العامة . .
مشرف
التسجيل
2 نوفمبر 2009
رقم العضوية
11164
المشاركات
5,700
مستوى التفاعل
2,392
الجنس


إستحسنت إعادة رفع القصة هذه من جديد حتى يتسنى للجميع قراءتها
والإستفــادة من معانيها الراقية وسطورها العطره ..




طبتم وطابت أوقاتكم عامرة بذكر الله ..





 
التعديل الأخير:
عودة
أعلى