فارس
Ω وما توفيقي إلا بالله Ω
- التسجيل
- 10 نوفمبر 2008
- رقم العضوية
- 9781
- المشاركات
- 2,399
- مستوى التفاعل
- 1,838
- الجنس
- الإقامة
- الإمارات
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
القصة لها سلطانٌ على النفوس ، تحرك العواطف ، وتوقظ الحس ، فما يكاد ينتهي منها فصل إلا وتلهفت الأنفس لمعرفة النهاية
يتفاعل القارئ مع شخوصها كما لو كان يعيش بينهم ، وتؤخذ منها العبر وتستنبط الدروس
فكتبت هذه المقالة على هيئة قصة ، لأصل بما أريد إلى أعماق نفوسكم .
. . .
( 1 )
أم أحمد قروية شيخة ، تعدّ الستين من عمرها في سرها ، ولكنها كسائر النساء لا تجاوز الثلاثين منه في جهرها .( 1 )
تمرست بالشدائد فازدادت مِرّة ، وتصرفت في الأمور فاكتسبت خبرة ، واضطربت في المعاش على الزمن القُلّب فتعلمت بالتجربة
وتفلسفت بالسليقة ، فكلامها حِكم ، وحديثها أمثال ، ورأيها حُجة ، ومن أجل ذلك تميزت شخصيتها بين أترابها ، فأصبحت كالعرافة
في العهد القديم ، تستخيرها كل امرأة ، وتشتشيرها كل أسرة ، وهي إلى ذلك طويلة الأنف تدسه في كل منزل .
شرفاء الأذن ترهفها إلى كل مجلس ، فلا يقع في قريتها حادث إلا كان عندها منه علم .
رأيتها صباح يوم جالسةً في حقلها هي وزوجها ، فأغراني هدوء المكان ، ودِفء الجو ، وما سمعته من حال العجوز على أن أذهب إليها .
فحيّيتها وزوجَها ، ثم جلستُ إزاءهما على أعواد الذرة اليابسة ، وسألتها : كيف حالك يا أم أحمد ؟
فأجابت العجوز بلهجة تنم عن الرضا والغِبطة :
حالي خير حال والحمد لله ، العجين مخبوز ، والماء في الكوز ، فماذا أبغي فوق ذلك ؟ فقلت لها مستفزاً : وهل يقنع ابن آدم ؟
تبغين الأرض المملوكة ، والدار المشيدة ، والثوب الحرير ، والمركب الفاره ، واللحم في كل وجبة !
فعرفت ما في نفسي ، وقالت وهي ضاحكة : هبني يا بني أصبحت غنية ، عندي الآلاف من الحقول ، والمئات من العجول ، والقناطير من الذهب
والصناديق من الحُلي ، والدواليب من الثياب ، فهل أنال من كل ذلك غير ملء الجوف وستر الجسد . إن الحلاوة التي تجدها في قالب السكر
الصغير ، هي بعينها الحلاوة التي تجدها في قمع السكر الكبير ، وإن اللذة التي تذوقها في رطل اللحم الذي تشتريه
هي نفس اللذة التي يتذوقها الغني في الخروف الذي يذبحه ، وإن الدار الضيقة التي أضطرب فيها أنا وعيالي
تجمع من متاع النفس والجسم ما تجمعه الدار الواسعة التي يهرول فيها الغني وأهله ، فالمسألة مسألة قلة وكثرة
لا مسألة نعيم وبؤس ، وما دام القليل يكفيك من الكثير ، والصغير يغنيك عن الكبير فإن فضول العيش شُغل وهَمّ وفتنة .
لا زال للقصة بقية ...